ارشيف من : 2005-2008

يوميات الأسبوع الأخير من الحرب الإسرائيلية على لبنان

يوميات الأسبوع الأخير من الحرب الإسرائيلية على لبنان

يختصر اليوم الثلاثون من العدوان الشامل على لبنان، ومشهد دبّابات "الميركافا" المدمّرة وجثث القتلى والأشلاء المتناثرة في كلّ حدب وصوب وذلك يوم الخميس في 10 آب/ أغسطس، المأزق الذي وضع العدوّ الإسرائيلي نفسه فيه بمواجهة رجال المقاومة الإسلامية حيث مني بخسارة مضاعفة لم يسبق له أن تلقاها في غمرة حروبه ضدّ العرب والمسلمين.
فقد قتل المقاومون 18 ضابطاً وجندياً صهيونياً ودمّروا 15 دبّابة "ميركافا" في السهل الممتد على قدر نظر المقاومين بين الخيام ومرجعيون، كما قتلوا عشرة جنود إضافيين في الأطراف الشرقية لبلدة مركبا بينهم أربعة دفعة واحدة داخل "الميركافا" التي لم تنفعها مناعتها الفولاذية في الصمود بوجه القبضات المؤمنة بربّها.
ودمّر المقاومون ثلاث دبّابات عند مرتفع السدّ في محور عيناتا حيث أحبطوا محاولات العدوّ للتقدّم، وقتلوا أربعة جنود وأصابوا ستّة آخرين اعتقدوا بأنّ تسلّلهم من مشروع الطيبة إلى المنازل القريبة هو نزهة فباغتوهم بنيران أسلحتهم الرشاشة والصاروخية وحولوهم إلى جثث وأجساد بلا أرواح ومعوّقين.
ونفذت القوّات الإسرائيلية من مستعمرة المطلّة إلى سهل الخيام وبرج الملوك وجديدة مرجعيون ودبين وسهل الدردارة تحت غطاء كثيف من الغارات الجوّية للطيران الحربي والمروحي والقصف المدفعي، وسهّل لها وصولها إلى محيط السراي الحكومي في مرجعيون التي أصيبت بأضرار مادية جسيمة، وتمركزت في محيط المستشفى وحيّ الحيادرة ومنزل قائد ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" العميل أنطوان لحد.
وما لبثت هذه القوّات وما تبقّى منها حيّاً أن هربت تحت غزارة نيران المقاومين إلى ثكنة القوى الأمنية اللبنانية المشتركة في مرجعيون التي فتحت أبوابها لها من دون أيّ مقاومة وسط استهجان الإسرائيليين أنفسهم، واتخذت من 400 ضابط وعنصر لبناني دروعاً بشرية ما دفع المقاومين إلى عدم مهاجمة هذه الثكنة خوفاً على أرواح العسكريين اللبنانيين. والغريب أنّ قائد هذه القوى الأمنية المشتركة العميد في قوى الأمن الداخلي عدنان الداوود استقبل في مكتبه قائد القوّة الإسرائيلية المقدّم هوني، وقدّم له الشاي، وهذا المشهد المذلّ كشف اللثام عنه التلفزيون الإسرائيلي عندما بثّ صوراً عن وقائع احتفاء الداوود بـ"صديقه" الضابط الإسرائيلي الذي قتلت قوّاته لبنانيين كثراً.
واندلعت في بلدة القليعة اشتباكات بين قوّات الاحتلال ومقاومين من الحزب السوري القومي الاجتماعي تمكّنوا من إصابة آلية عسكرية بقذيفة مضادة للدروع. وعندما حاولت التقدّم باتجاه تلّة الشريفين المطلّة على بلدة الخيام تصدّى لها المقاومون.
وأطلقت المقاومة الإسلامية صليات من الصواريخ على المستعمرات الواقعة تحت مرمى نيرانها ولا سيّما مربض المدفعية الواقع في مستعمرة المطلّة.
في هذه الأثناء تواصلت الغارات الجوية على مختلف القرى منها بلدة ديركيفا حيث سُوّيت فيها منازل بالأرض، ومنطقة الضاحية الجنوبية. واستهدفت طائرة استطلاع سيّارة "فان" معدّة لتوزيع الخبز على الناس على طريق رياق ـ بعلبك، ولمّا هبّ الناس للاستطلاع والتحقق ممّا إذا كانت هنالك إصابات أطلقت الطائرة صاروخاً انشطارياً عليهم فأصيب عشرة منهم بجروح.
* يوم الجمعة في 11 آب/أغسطس: قصف العدوّ قافلة المواطنين وعناصر القوة الأمنية اللبنانية المشتركة الخارجة من مرجعيون وثكنتها بعيد وصولها إلى بلدة كفريا، فقتل وأصاب عدداً منهم.
وأغار الطيران على جسر الحيصة على طريق العبدة العبودية الدولية في منطقة الشمال وأحدث أحد الصواريخ حفرة واسعة، فأسرع بعض أهالي بلدة بلاّنة الحيصة لاستطلاع الأمر والتحقّق من الخسائر فما كان من الطيران إلاّ أنْ أعاد الإغارة عليهم فاستشهد أحد عشر شخصاً منهم.
أمّا المقاومة، فتابعت تسديداتها الموجعة وأصابت زورقاً حربياً إسرائيلياً من نوع "سوبر ديفورا" مقابل شاطئ المنصوري في الجنوب واشتعلت فيه النيران ما أدّى إلى مقتل وجرح طاقمه المؤلّف عادةً من 12 عسكرياً. وخاض المقاومون معارك طاحنة مع الإسرائيليين على محور الطيبة وقتلوا وجرحوا 15 منهم، كما تصدّوا لقوّة منهم كانت تسعى للدخول إلى بلدة عيتا الشعب وأوقعوا 15 إصابة في صفوفها فتدخّلت المدفعية لإنقاذ البقيّة الذين ولوا الأدبار وهربوا، وأقرّت قيادتهم بجرح سبعة آخرين قرب بلدة القنطرة.
وقصفت المقاومة مدينة حيفا وقاعدة سلاح الجوّ في جبل "ميرون"، و12 مستعمرة أخرى.
وفي هذا اليوم، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 1701 الداعي إلى وقف العمليات الحربية والعسكرية.
* يوم السبت في 12 آب/أغسطس: سيظلّ التاريخ يشهد ويذكر لرجال المقاومة كيف جعلوا من وادي الحجير محرقة لدبّابة "الميركافا" حيث دمّروا 39 دبّابة وجرّافة عسكرية وقتلوا أكثر من عشرين ضابطاً وجندياً، وجرحوا أكثر من مئة وعشرة آخرين.
وسطّر المقاومون ملاحم بطولية في غير مكان وزمان. ففي بلدة الغندورية اعترف العدوّ من تلقاء نفسه بمقتل سبعة من جنوده وجرح ستين آخرين، وفي بلدة محلّة صفّ الهوا في بنت جبيل دمّروا دبّابتين، وفي بيت ياحون والطيري دمّروا دبّابة "ميركافا" وجرّافة وقتلوا وجرحوا طاقمهما، وفي مشروع الطيبة دمّروا أربع دبّابات "ميركافا".
وأعلن العدوّ عن قيامه بأضخم عملية حربية منذ احتلاله فلسطين، إذ أنّه أرسل، في خرق واضح للقرار 1701، خمسين مروحية نقلت مئات الجنود إلى الجنوب، ولكنّهم ما لبثوا أن عادوا خائبين يجرّون وراءهم أذيال العار.
وجرّبت المقاومة صاروخاً جديداً يسمّى "وعد" وحقّق في إطلالته الأولى بشرى سارة بإصابة مروحية صهيونية فوق تلّة مريمين في بلدة ياطر، واعترف العدو بمقتل ركّابها الخمسة. كما قصفت المقاومة 11 مستعمرة ومدينة عكّا.
وتابع العدوّ إبراز همجيته بحقّ المدنيين العزّل، فقصفت طائرة استطلاع سيّارة "بك آب" على طريق بلدة الخرايب الجنوبية فاستشهد سائقها عباس أخضر وجرح ابنه، ولمّا نقلتهما سيّارة إسعاف تابعة لكشّافة الرسالة الإسلاميّة تعرضّت لقصف من الطائرة، فاستشهد السائق علي سليمان خليل وأصيب حسن الدرّ بجروح، وحاولت سيّارة ثانية نقل المصابين فعاودت الطائرة استهدافها واستشهد محمود أخضر وأصيب حسن أخضر بجروح.
وأكّد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله خلال رسالة تلفزيونية عبر "المنار" أنّ القرار الدولي 1701 غير منصف وغير عادل لتحميله المقاومة مسؤولية العدوان بينما لم يتمّ لوم "إسرائيل" مع أنّها ارتكبت المجازر ودمّرت المناطق والبنية التحتية، وكأنّ البعض يعتبر هذا حقّاً طبيعياً لـ"إسرائيل".
* يوم الأحد في 13 آب/أغسطس: قتلت المقاومة الإسلامية خمسة جنود صهاينة وأصابت 25 آخرين بجروح بعد تدميرها دبّابة وجرّافة في وادي الحجير، وجرّافة ثانية في عيتا الشعب، وجرّافة ثالثة في العديسة، ودبّابتين من نوع "ميركافا" في سهل الخيام، وثلاث دبّابات أخرى وجرّافة على محور الطيبة ـ القنطرة.
كما أسقطت المقاومة طائرة استطلاع من دون طيار فوق بلدة عبا بصاروخ أرض ـ جو، وأطلقت نحو 250 صاروخاً على مستعمرات كريات شمونة، كفار جلعادي، كفار يوفال، مسكاف عام، ومدينة حيفا.
وقبل البدء بتنفيذ القرار الدولي 1701 ووقف النار، كثّفت الطائرات الإسرائيلية غاراتها على بلدات البازورية وقعقعية الجسر وجبشيت والحوش والبرج الشمالي في الجنوب، وشعث وعلي النهري وقليا ومدينة بعلبك في البقاع ما أدّى إلى استشهاد 20 شخصاً.
ودمّرت الصواريخ الصهيونية مجمّع الإمام الحسن(ع) في محلّة الرويس فاستشهد عدد كبير من المواطنين.
* يوم الاثنين في 14 آب/ أغسطس: قبل طلوع الصباح، ارتكب العدوّ مجزرتين في بلدتي بريتال حيث استشهد سبعة مواطنين، والجمّالية حيث استشهد ستة مواطنين. وأغار طيرانه الحربي صباحاً على سيّارة من نوع "فان" مخصّصة لنقل الركّاب في محلّة الجمّالية في بعلبك فاستشهد ستّة أشخاص.
وعند الساعة الثامنة والنصف صباحاً انتهت الحرب الإسرائيلية الأميركية على لبنان، ولكن تواصل الحصار البحري على المياه الإقليمية اللبنانية والجوي على مطار بيروت حتّى يومي السابع والثامن من شهر أيلول/سبتمبر 2006، وبدأت قوافل المواطنين النازحين في العودة إلى ديارهم وأرضهم في الجنوب والبقاع وسط فرحة عامرة بتحقيق ما عجزت دول عربية عن القيام به، وهو الانتصار الذي كان انتصاراً إلهياً.
وبوشرت عمليات إزالة آثار العدوان ورفع الردم والدمار في كلّ المناطق المتضرّرة، وأعلن حزب الله عن مشروعي "إيواء" و"وعد" بما يحفظ للناس كرامتهم في ظلّ تقصير حكومة فؤاد السنيورة التي تعاطت معهم بالمزيد من الحرمان والإهمال.
إعداد علي الموسوي
الانتقاد / العدد1227 ـ 10 آب/أغسطس 2007

2007-08-10