ارشيف من : 2005-2008
60 ٪ من الإيرانيين: لمن اقترعوا؟
طهران ـ علي الحاج يوسف
امضت إيران يوماً انتخابياً طويلاً امتد على مدى خمس عشرة ساعة من لحظة افتتاح صناديق الاقتراع عند الثامنة صباحاً، الى الحادية عشرة ليلاً بدل السادسة مساء، الموعد الرسمي المحدد لانهاء العملية الانتخابية. خمس ساعات من الوقت الاضافي، أضافت الى مهمة استشراف النتائج مزيداً من صعوبة البحث في المجهول في ظل غياب مؤسسات استطلاع رأي الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم. لكن ذلك لم يمنع من ظهور بوادر وإشارات تحدد معالم اتجاهات عديدة سلكتها واحدة من اعقد وأهم العمليات الانتخابية منذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران.
وإن كانت التكهنات، حتى وقت متأخر من الليل، سمة المتوقع بشأن هوية البرلمان (مجلس الشورى) العتيد، فإن اولى الرسائل الواضحة وجهها الإيرانيون الى الخارج بنسبة اقتراع قاربت الستين في المئة وفق تقديرات وزارة الداخلية الإيرانية. فقد بدا منذ الصباح ان كبار مسؤولي
الجمهورية الإسلامية حرصوا على تعبئة الناخبين وحضهم على التوجه الى صناديق الاقتراع بكثافة، لا حشداً لهذا التيار او تلك اللائحة، بل لتأكيد تمسكهم بالنظام الإسلامي، بعد حملة مركزة شنتها المحطات المتحدثة بالفارسية في الولايات المتحدة وأوروبا لمقاطعة الانتخابات.
وقبل أن يقف أي من الإيرانيين عند باب مركز انتخابي، كان مرشد الجمهورية آية الله السيد علي خامنئي يدلي بصوته في حسينية الإمام الخميني في طهران، ويعلن أمام حشد من الصحافيين «ان اليوم الانتخابي يشكل منعطفا حساسا ومصيريا بالنسبة للشعب الايراني، وبالنسبة لكل فرد إيراني يريد تحديد خياراته السياسية الداخلية والخارجية»، مشبها النهار الانتخابي «بليلة القدر التي يتم فيها تحديد مصير الإنسان كل عام».
كذلك كان الرجل الثاني في سلم أصحاب القرار الإيراني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الشيخ اكبر هاشمي رفسنجاني يجد في الانتخابات رسالة موجهة للغرب، بينما اختصر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد مشاركته في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار وقفل عائداً الى طهران، ليدلي بصوته.
وبذلك فإن الرسالة الاولى من الانتخابات البرلمانية، مع النسبة التي قاربت الستين في المئة، علما ان مجلس صيانة الدستور والهيئة المركزية للرقابة على الانتخابات توقعا ان تبلغ نسبة المشاركة 70 في المئة، تكون قد تحققت وبشكل ناجح خصوصاً انها نسبة جيدة قياساً الى نسب الاقتراع في الدورات الانتخابية الماضية من رئاسية وتشريعية. فقد سجلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2004 نسبة 51 في المئة في ظل شبه مقاطعة من الإصلاحيين. اما الانتخابات الرئاسية في العام ,2005 فوصلت نسبة الاقتراع فيها الى 59 في المئة.
وقد سارعت واشنطن الى إلقاء الشكوك حول نزاهة الانتخابات الإيرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون مكورماك «النتائج في جوهرها معدة.. إنها معدة لأن الشعب الإيراني لم تتح له فرصة التصويت لمجموعة متكاملة من الاشخاص».
ووفق المعلن من مواقف، فإن معركة القيادة العليا كانت في الاتجاه السالف، وما عداها شأن خاص بالناخبين لجهة اي برلمان يريدون، وهو الامر الذي ينتظر فرزاً يدوياً لأكثر من عشرين مليون مقترع، اكثر من ثلاثة ملايين منهم في العاصمة طهران وحدها. وفي أحسن الأحوال، توقع وزير الداخلية الإيراني بدء ظهور نتائج المدن الكبرى بعد ظهر اليوم السبت، بينما تبدأ نتائج العاصمة بالصدور بعد ثلاثة أيام.
وعليه، فإن الانتظار يشكل ممراً إجبارياً للوقوف على هوية المجلس الجديد وتوزع القوى فيه بين مبدئي (محافظ) وإصلاحي، لا سيما ان اللوائح مفتوحة ومختلطة بين مبدئيين وإصلاحيين وبين متنافسين من هذا التيار او ذاك. فقد رست خريطة التنافس على أربع لوائح قوية هي «الجبهة الموحدة للمبدئيين» المدعومة من نجاد، و«الائتلاف الشامل للمبدئيين» المدعومة من علي لاريجاني ومحمد باقر قاليباف ومحسن رضائي، وعن الإصلاحيين لائحة «حزب الثقة الوطنية» بزعامة مهدي كروبي و«ائتلاف الإصلاحيين».
ورغم ان الإصلاحيين ينافسون على اقل من 170 مقعدا من اصل 290 هي مجمل مقاعد مجلس الشورى، ورغم تصريحهم سابقا بأنهم سيعتبرون انفسهم منتصرين لو حصلوا على 40 في المئة من المقاعد، فقد تجنبت قيادات اللوائح الإفصاح عن توقعاتها حتى بعد إغلاق صناديق الاقتراع. لكن مراقبين محايدين وبعض المحسوبين على التيار المبدئي رصدوا تقدماً واضحاً للمبدئيين وللجبهة الموحدة المدعومة من نجاد، مستندين الى اشارات اطلقها الناخبون وإلى عمليات استطلاع سبقت الانتخابات وإلى حجم الإقبال في بعض الأقلام.
وعلى ما يقول بعض هؤلاء، فإن المبدئيين قد يحرزون تقدماً صريحاً في العاصمة وفي غالبية المدن الكبرى والمحافظات ما خلا مدينة اصفهان ثاني اكبر المدن الإيرانية. ولم يعط معظم من تجرأوا على استشراف النتائج حظوظاً كبيرة للاصلاحيين رغم الحملة العنيفة التي تعرضت لها سياسة الرئيس الإيراني الاقتصادية، ورغم التوقع المسبق عن خرق قد تحققه لائحة كروبي، المرضي عنها من قبل القيادة العليا.
وبعض المستعجلين في تحديد شكل المجلس الجديد، بدأوا يبحثون عن هوية رئيسه: فهل يبقى رئيسه المنتهية ولايته غلام علي حداد عادل المقرب من الرئيس، ام تقضي تسوية ما داخل المبدئيين بمجيء علي لاريجاني لإيجاد توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وضبط المسيرة الاقتصادية، ودون ذلك خروج على المألوف لأن لاريجاني ترشح عن مدينة قم، والعادة تقضي بأن يكون رئيس المجلس هو رئيس اللائحة الفائزة في العاصمة.
وإلى ان تنجلي الصورة النهائية التي تبقى رهن صناديق الاقتراع رغم التنبؤات الاستباقية، فإن العملية الانتخابية امس شكلت محطة اولى على طريق الانتخابات الرئاسية في ربيع العام المقبل. وكما قال احد المتابعين فإن من يفوز في الانتخابات البلدية في طهران وفي الانتخابات التشريعية على التوالي تصبح الطريق معبدة امامه الى سدة الرئاسة، وقد خسر نجاد الاولى في مقابل باقر قليباف، فهل يكسب الثانية ليضمن دخوله سباق الرئاسة لولاية جديدة، وماذا عن حداد عادل ولاريجاني وغيرهم من الطامحين.. وهل في جعبة الإصلاحيين من جديد؟.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 15 آذار/مارس 2008