ارشيف من : 2005-2008

أطروحة نهاية إسرائيل في خطاب سيد المقاومة الأخير: رد على الإنتقادات..

أطروحة نهاية إسرائيل في خطاب سيد المقاومة الأخير: رد على الإنتقادات..

كتب أدهم نصـار(*)

أعادت خطابات أمين عام حزب الله، التي ألقاها على إمتداد شهر شباط المنصرم، أطروحة نهاية أو زوال إسرائيل إلى قلب الإهتمامات الفكرية والثقافية، سواء من خلال الردود الغزيرة الناقدة لما جاء فيها، وإن كانت في أغلبها تتصف بالسطحية، أو من خلال كثافة الكتابات المؤيد والمتبني أصحابها في الأساس لهذه الإطروحة، وإن كان البعض منها لا تنطبق عليها المعايير العلمية.

سوف نستعرض في ما يلي ما جاء في هذه الخطابات حول أطروحة نهاية أو زوال إسرائيل ومن ثم نعرج وبإختصار على أبرز الإشكاليات الجادة ذات الصلة بهذه الأطروحة بشكل عام وعلى بعض الإنتقادات التي طالت هذه الخطابات من زاوية هذه الأطروحة بشكل خاص.

نص أطروحة النهاية..

``يجب ان نؤرخ لمرحلة بدء سقوط دولة إسرائيل .... إذا كان دم الشيخ راغب حرب أخرجهم [الإسرائيليين] من اغلب الأرض اللبنانية، وإذا كان دم السيد عباس، أخرجهم من الشريط الحدودي المحتل باستثناء مزارع شبعا، فان دم عماد مغنية سيخرجهم من الوجود".       (خطاب 14 شباط)

"إن زوال إسرائيل من الوجود هو نتيجة حتمية قهرية .... هذا الأمر قهري وحتمي، لماذا؟ لأسباب ذاتية وأسباب موضوعية: أولاً، لأن إسرائيل وجود طارئ وغريب .... لأن إسرائيل موجودة بفعل الإرادة الدولية والواقع الدولي.... ثالثاً، بسبب صمود الشعب الفلسطيني ... رابعاً، الواقع الديموغرافي في فلسطين 48 والـ 67 ... خامساً.... الممانعة الشعبية الشاملة على امتداد العالم العربي .....  سادساً، فقدان الزعامات السياسية والعسكرية الإسرائيلية .... سابعاً، فقدان العقيدة في المجتمع الصهيوني .... ثامناً، سقوط الجيش الإسرائيلي، سقوط الهيبة،  سقوط  قدرة الردع ....... إذا أردنا أن نطبق كلام بن غوريون [المقصود هنا ما قاله من أن إسرائيل تسقط بعد خسارة أول حرب] فهذا يعني أنه بدأت مرحلة سقوط إسرائيل، عندما نتحدث عن حرب تموز وما بعد حرب تموز لا يمكن أن نتجاهل  حضور عماد مغنية القيادي ولا حضور عماد مغنية الشهيد، وهذا ما قصدته عندما قلت أن دم عماد مغنية سيؤدي بإسرائيل إلى الزوال من الوجود".      (خطاب 22 شباط)

الرؤية والخلفية..

إستند أمين عام حزب الله في كلامه عن بدء التأريخ لنهاية "إسرائيل" وليس النهاية الفعلية في خطاب 14 شباط إلى ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، من أن دولته تسقط على أثر خسارة اول حرب، الأمر الذي عبر عنه بوضوح في خطاب 22 شباط.

إعتبر أمين عام حزب الله أن حرب تموز 2006، شكلت الهزيمة الأولى في تاريخ "إسرائيل"، ما يعني بدء مسيرة تحقق رؤية ديفيد بن غوريون.

إعتبر الصحافي والمحلل الإسرائيلي سيفير بلوكر، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تحت عنوان "اسرائيل يجب ان تنتصر"، في أثناء حرب تموز 2006، أن نتيجة فشلها لن تكون سوى نهاية إسرائيل، حيث قال أنه: "اذا خرج هؤلاء القادة [يقصد قادة حماس وحزب الله] من هذه الحرب سالمين، فستكون نهاية اسرائيل".

هل طرح نهاية أو زوال إسرائيل غير منطقي؟

بغض النظر عن طبيعة العامل المعول عليه في أطروحة النهاية، سواء إندرج ضمن الإطار العسكري أم غير العسكري، فإن طرح نهاية أو زوال كيان أو دولة ما يصح على من قام وتأسس ضمن صيرورة طبيعية، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا الإطار، فكيف إذا تعلق الأمر بإسرائيل التي جاءت عن طريق ولادة قيصرية قسرية.

إن إطروحات نهاية إسرائيل الأنفة الذكر التي عرضها أمين عام حزب الله، هي إطروحات نظرية قابلة للنقاش وبعيدة كل البعد عن الإيديولوجية والخطاب الديني، ما يعني أن الإشكال المنطقي لا بد وأن ينصب على العامل المعول عليه أن يؤدي لهذه النهاية – هذا ما لا يسع المجال لمناقشته هنا- وليس على فكرة النهاية بحد ذاتها، والتي لا يشتمل معناها على القضاء على الإسرائيلي أو إبادته.

يبقى، أن الأطروحات التي تضع التصورات والسيناريوهات المفضية لهذه النهاية هي لا شك أطروحات في بعضها تجافي عالم المنطق وفي بعضها تحاكيه بسبب مسار الاحداث وحركة المتغييرات التي بدات تلوح في الافق.

هل طرح نهاية وقف على من يناصب العداء لإسرائيل؟

نظّر لأطروحة نهاية "إسرائيل" العربي والإسلامي والغربي فضلاً عن الإسرائيلي نفسه، ويعتبر يوسي بيلين، من أبرز المفكرين الإسرائيليين الذين كتبوا عن مستقبل "إسرائيل" بشكل استشرافي وذلك في كتابه "موت العم الأميركي"، إذ تملكه الخوف من المستقبل إنطلاقاً من جملة مؤشرات تصب في النهاية في صالح إضمحلال الدياسبورا اليهودية وعزوف غالبية أفرادها عن التوجه إلى إسرائيل، حيث صرح قائلاً: "إني أشعر بنوع من الهيستيريا والخوف إزاء ذوبان  الشعب اليهودي خارج دولة إسرائيل. فاليوم وبعد 51 سنة على قيام إسرائيل يوجد 13 مليون يهودي يعيش 10 ملايين منهم في الولايات المتحدة وإسرائيل، أما شرق أوروبا فإنه سيخلو من اليهود لأن معظمهم يحلم بالهجرة إلى الولايات المتحدة و60% منهم يعقد زيجات مختلطة. وكذلك يفعل يهود أميركا مما يؤدي إلى التناقص المستمر لأعداد اليهود في الخارج. مما يحرم إسرائيل من الخزان البشري للدم اليهودي"(1).

تطرق المفكر الفرنسي جاك آتالي لأطروحة نهاية إسرائيل حيث رأى أن هذه النهاية تتبدى من خلال حرب العصابات التي تواجهها إسرائيل على الدوام في ظل غياب "السلام"، ما يؤدي إلى إستنزافها، في حين أن من شأن "السلام" إذا ما وقع أن يؤدي إلى قيام سوق تضم جميع بلدان المنطقة، ما يرتب ذوبان تدريجي للهويات القومية وبالتالي تصبح "إسرائيل" أقلية ديموغرافية وثقافية في هذه السوق.

تطرق الباحث العربي عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" لأطروحة نهاية إسرائيل، حيث رأى أن خاصتا الإعتمادية والإحلالية المرتبطتين بطبيعة دولة إسرائيل من شأنهما أن يؤديا إلى نهايتها.

بدأ تأريخ نهاية إسرائيل والنجاح بإغتيال عماد مغنية؟

كيف يستقيم الحديث عن نهاية إسرائيل، في وقت تتعاظم فيه قوتها العسكرية بإستمرار، وتحقق أجهزتها الإستخباراتية إنجازاً نوعياً بنجاحها بإغتيال عماد مغنية أحد أبرز قادة حزب الله؟

لم يرتبط تملك هاجس النهاية من وجدان الإسرائيلي وخوفه من المستقبل، في يوم من الأيام، لا بقدرات بلاده العسكرية ولا بإنجازات أجهزتها الإستخباراتية، لا بل على العكس فإن الخوف من المستقبل كان يرواد وجدان القادة الإسرائيليين على أثر إنتصارات جيشهم على الجيوش العربية، ولم يوقف هذا الهاجس لا احتلال الجزء الأكبر من فلسطين ولا كامل فلسطين ولا الجولان السورية ولا سيناء المصرية، ويكفي أن نذكر هنا ما صرح به موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، في العام 1954، حيث قال: "علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة" (2).

التخلي عن أطروحة النهاية المستندة إلى العامل العسكري؟

إعتبر البعض أن أمين عام حزب الله، قد تخلى في خطابه الثاني عن أطروحة نهاية إسرائيل المستندة إلى العامل العسكري التي طرحها في خطابه الأول لصالح أطروحة نهاية إسرائيل المستندة إلى العامل الديمغرافي؟

بداية، إن ما يؤسف في هذا الإطار هو أن هذا النقد قد صدر عن بعض ممن يضعون حرف الدال قبل إسمهم، والذي يفترض وجوده بالحد الأدنى المعرفة بالموضوع والموضوعية والبعد عن المزاجية في الإجتزاء، اللهم إلا إذا كان المراد به دجال وليس دكتور.

يظهر بوضوح من خلال نص أطروحة النهاية في خطاب 14 شباط و22 شباط المذكورين أعلاه أن أمين عام حزب الله، كان قد إقتصر في خطابه الأول على أطروحة النهاية المستندة إلى العامل العسكري، بينما توسع في خطابه الثاني مستعرضاً مجمل الأطروحات المرتبطة بهذه المسألة، والتي من ضمنها العامل العسكري الذي أعاد التأكيد عليه إنطلاقأ مما ورد في خطابه الأول.

ما بين بدء التأريخ ووقوع النهاية الفعلية..

وجه البعض سهام النقد بإتجاه العبارة التي وردت في الخطاب الأول وتحدثت عن تأريخ لنهاية دولة إسرائيل، معتبرين أن ما بين بدء التأريخ ووقوع النهاية الفعلية مسافة زمنية طويلة ربما تمتد لعقود من الزمن؟

يمكن إدراج هؤلاء في خانة من لم يسعفهم الحظ، فإذا بنقدهم يصب في صالح من انتقدوه، إذ أن العبارة واضحة لجهة حديثها عن بدأ التأريخ وإهمالها القصدي لتحديد نهاية لهذا التأريخ، إنطلاقاً من أن هذه المسألة تجافي المنطق، إذ لا يمكن معرفة مستقبل جملة من العوامل الخاضعة بدورها لمبدأ التغير والتبدل على الدوام بموجب تبدل المعطيات المتعلقة بها فيما خص أي أطروحة من أطروحات النهاية، لذلك لا يصح الحديث عن أي تحديد تاريخي لنهاية إسرائيل، سواء جاء تقريبياً أو كان حاسماً.

خاتمة..

عاش الإسرائيلي هاجس النهاية منذ البداية، إذ تملك الخوف من المستقبل من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، الذي وضع نصب عينيه العمل على تمكين دولته الحديثة العهد من حيازة السلاح النووي، إنطلاقاً من قناعة راسخة لديه بأن هذا السلاح من شأنه أن يشكل صمام أمان يضمن استمراريتها وبقاءها.

- بغض النظر عن مدى إمكانية إنطباق رؤية ديفيد بن غوريون، حول سقوط دولته، على الواقع الحالي، وبغض النظر عن من إنتصر ومن إنهزم في حرب تموز 2006، فإن الخيار النووي الذي تبناه ديفيد بن غوريون، إنطلاقاً من الخوف على مستقبل دولته لا يمكن الجدال بشأنه.

هكذا، فإن ما يصيب إسرائيل من وهن في مقدرتها الردعية النووية سوف يطرح تأثيراته المباشرة على  طبيعة إستمراريتها، التي لا شك في أنها سوف تكون مختلفة كلياً عما كانت عليه، في ظل شرق أوسط جديد متعدد الأقطاب نووياً. وهذا السلاح النووي والكيميائي هوٌ مكبلٌ للقوى التي تملكه ولا يمكنها استعماله تحت أي ظرف أو وضع كانت عليه المواجهة في المنطقة. لان استعمال هذا  السلاح يحتاج إلى قرار جريء تتخذ فيه إسرائيل قرار الإبادة الكاملة لشعبها إذ أنه لا يمكنها التحكم بالنتائج ولا بردّات الفعل المقابلة، لأنها قد تضمن المبادرة ببدء الضربة الأولى ولا تضمن انتهاء الضربات المقابلة والتي لا يمكن تحديد الجهات التي تأتي منها ولا عددها حتى ولا نوعها. وهنا تطرح إشكالية أمام إسرائيل هي أحد الخيارين قبول الهزيمة العسكرية أمام حرب تقليدية ممكنة بمواجهة خيار حالة الإبادة بأسلحة الدمار الشامل غير المضمونة النتائج.

على إسرائيل أن تواجه الآن واقع أن جيرانها يصبحون أندادها العسكريين ودعم الولايات المتحدة لن ينقذها.

قد لا تكون لدينا امكانية تحديد المدى الزمني للوصول للنهاية، الا انها محسومة النتائج  المؤدية الى حتمية الزوال، سواء في الخضوع الى حل بشكل سلمي ضمن تسوية، ومن دون ذلك، فإنها لن تصمد أبداً امام مواجهة دموية، بغض النظر عن حجم الحماية العربية لها او عدد الضمانات الامنية الاميركية التي تقف وراءها.

لك أن تنظر إلى كل شيء ليصعب عليك تصور شيء أكثر سوءاً، النتيجة واحدة هي زوال اسرائيل من الوجود.

* باحث في مكتب "شرق المتوسط للدراسات والاعلام"، بيروت.

2008-03-15