ارشيف من : 2005-2008
استجواب اللواء الحاج أمام صقر «لا علاقة له باغتيال الحريري»
كتب علي الموسوي...
أضاف التقرير الصادر عن مكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأميركية، المزيد من الوضوح على قضيّة توقيف الضبّاط الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري،وضيّق الخناق أكثر فأكثر، على القرار القضائي المغلّف برغبة سياسية ظاهرة للعيان، بشأن استمرار توقيفهم، أو ما سمّته الأمم المتحدة نفسها، بالاعتقال التعسفي، إلى حين بدء المحكمة ذات الطابع الدولي، مع ما يترتّب على ذلك، من خسائر بالجملة، لقضية كشف الحقيقة المنتظرة، في ظلّ عدم وجود دليل واحد على تورّط هؤلاء الضبّاط في هذه الجريمة باعتراف رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق القاضي البلجيكي سيرج برامرتز في غير تقرير وكتاب ممهور بتوقيعه.
وهذا التقرير الأميركي ليس الأوّل من نوعه الذي يتحدّث، بهذا الوضوح، وهذه الشفافية، عن توقيف الضبّاط الأربعة، اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان من دون تهمة معيّنة، ويصفه بالتوقيف الاعتباطي، بل سبقه رأي فريق العمل المعني بالاعتقال التعسّفي في المفوضّية العليا لحقوق الإنسان في جنيف، عن تعارض حجز حرّية هؤلاء مع أحكام المادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتأكيدات برامرتز المرفوعة للقضاء اللبناني أكثر من مرّة، وتصريحات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال واللذين أعلنا بأنّ الأمم المتحدة لا تغطّي هذه التوقيفات.
ولكنّ القضاء اللبناني ممثّلاً بالنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، «تعامل مع هذه الإثباتات القانونية، بالامبالاة، متعمّداً إهمالها لاعتبارات محض سياسية» كما قال اللواء السيّد في أكثر من بيان ومذكّرة، وذهب الأمر بالقضاء إلى تغيير المحقّق العدلي القاضي إلياس عيد لمجرّد أنّه فكّر في تخلية سبيل إثنين من الضبّاط، وهذا ما استرعى انتباه وزارة الخارجية الأميركية وتوقّفت عنده في تقريرها، واعتبرته دليلاً إضافياً على التوقيف الاعتباطي، ومظهراً من مظاهر تسييس التوقيف.
وترى مصادر متابعة لسير هذا الملفّ منذ الخطوات الأولى لتكوينه، أنّ التقرير الأميركي جاء «ليرفع الغطاء السياسي عن توقيف الضبّاط»،بينما يجد نقيب المحامين الأسبق عصام كرم، في هذا التغيير الجوهري «شيئاً من الصحوة الأميركية وخصوصاً أنّه صادر عن وزارة خارجية الدولة الأحادية وهي وزارة كونية، وليس أمراً قليلاً أنّ أميركا المعروفة بمواقفها من القضية اللبنانية ومن القضايا المطروحة في لبنان ومنها بشكل رئيسي جريمة 14 شباط، تقول إنّ الضبّاط الأربعة موقوفون توقيفاً اعتباطياً، وهذا يضع اليد على الذمّة الأميركية، لأنّه لا يوجد شيء ضدّ الضبّاط وهو ما سبق لصحيفة «لوموند» الفرنسية أن قالت عنه إنّه ملفّ هزيل في «بورتريه» كتبته عن القاضي برامرتز».
ويؤكّد المحامي أكرم عازوري أنّ تقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي يصدر للعام الثاني على التوالي بذات اللغة والنَفَس، «هو إدانة سياسية للدولة اللبنانية، وهذا أمر طبيعي، لأنّ التوقيف عندما لا يكون قضائياً، تتولّى المراجع الدولية وصفه بالتوقيف السياسي، كما أنّ الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت دولة عظمى ولها مصالح سياسية، فلا يمكنها أن تتجاهل مبادئ استقلال القضاء عن السياسة التي تنادي بها».
ويشير عازوري إلى أنّ «وقوف الولايات المتحدة بقوّة مع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لا يحول دون إدانتها للتوقيفات السياسية، لأنّها لا ترى أي علاقة بين استمرار التوقيفات وإنشاء المحكمة، ولا يعقل أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية موقفاً سياسياً يناقض مصالحها السياسية»، معرباً عن اعتقاده بأنّه» لو كانت الولايات المتحدة تخشى من أن يؤدّي إطلاق سراح الضبّاط إلى عرقلة إنشاء المحكمة، لكانت، على الأقلّ، تجنّبت إدانة الدولة اللبنانية بممارسة التوقيفات السياسية.وبالتالي فإنّ تقرير وزارة الخارجية يعرّي هذا التوقيف ويتركه من دون غطاء لا من الأمم المتحدة ولا من الولايات المتحدة الأميركية، ما يحتّم إيقافه وإسقاطه، ولن تنفع كلّ التصريحات السياسية في ترميمه وإبقائه حيّاً من خلال الترويج بأنّه يؤثّر في إنشاء المحكمة، لا بل على العكس فإنّ استمرار التوقيف وإطالة أمده من دون دليل واحد يمس بمصداقية العملية القضائية الدولية.
ويأمل عازوري أن تفكّر الدولة اللبنانية مليّاً، بموقف الولايات المتحدة الأميركية، وتقتنع بأنّ استمرار التوقيف لا يخدم إطلاقاً، قضية المحكمة الدولية ولا يسرّع بها، كما أنّه من غير المفيد خوض معارك غير مجدية مع المجتمع الدولي ومع الأمم المتحدة من زاوية الحسابات السياسية اللبنانية الضيّقة.
استجواب الحاج
ولعلّه من المفيد التذكير بأنّ جلستي التحقيق الجديدتين مع اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج لدى المحقّق العدلي القاضي صقر صقر، لم تأتيا بأيّ معطيات جديدة تستدعي ديمومة التوقيف.
وتكشف مصادر متابعة أنّ هاتين الجلستين، كانتا من خارج السياق العام للملفّ المحال به السيّد والحاج، على التحقيق الاستنطاقي، وتقول انّ كلّ الأسئلة التي طرحت على اللواء الحاج، كانت أسئلة جانبية لا علاقة لها بجريمة 14 شباط، وليس فيها أيّ شيء جوهري، وهذا يعني بأنّ الملفّ فارغ وخال من أيّ تهمة وإلاّ لما اضطرّوا للذهاب إلى مسائل جانبية لتسجيل مآخذ في أمور أخرى وتحريك الملفّ.
وعلم أنّ القاضي صقر سأل اللواء الحاج عن مكان وجوده، عندما تبلّغ للمرّة الأولى، بوقوع الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري، فأجاب بأنّه كان في مكتبه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وأنّه لما تبلّغ ثانية بوقوع الانفجار، كان قد صار في محلّة الحازمية.
كما سئل الحاج عن سبب طلبه مالاً من المصرف، فردّ بأنّ هذا المال هو من مخصّصات مدير عام قوى الأمن الداخلي وينفقها على المستحقّين المحتاجين من رجال قوى الأمن.
وقد ذكّر هذا السؤال بما أورده الرئيس الأوّل للجنة التحقيق الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس في تقريره الأوّل الصادر في 20 تشرين الأوّل من العام ,2005 عن وجود صندوق في المديرية العامة للأمن العام وقد يكون استخدم في تأمين مصاريف عملية الاغتيال، فإذا بالحقيقة تنجلي سريعاً، وتؤكّد بأنّ هذا الصندوق يؤمّن دفع رواتب ومخصّصات مالية لضبّاط وعناصر الأمن العام بعدما نجح جميل السيّد في طرد الرشى والمرتشين من هيكلها، ولا تزال المديرية العامة للأمن العام تعمل بهذا الصندوق كما هو الأمر بالنسبة لكلّ مدير عام لقوى الأمن الداخلي بحيث يحقّ له بمخصّصات مالية يصرفها في مكانها الصحيح لتقوية عود رجال الأمن المحتاجين لئلا يرتكبوا مخالفات تذهب بسمعتهم وصيت مؤسّستهم.
وتستنج هذه المصادر أنّ هذا الاستجواب ليس سوى دليل على خلو الملفّ من أدلّة وإثباتات على ضلوع هؤلاء الضبّاط باغتيال الحريري، وتستغرب توجيه التحقيق نحو مسارات مختلفة عن الأصل للتذرّع بها لإبقاء التوقيف، وتحصيل شبهة ما، تعين التوقيف على الاستمرار إلى أجل غير مسمّى وبحجج واهية وضعيفة لا قدرة لها على الحياة.
ويذكر أنّ جلسة التحقيق مع اللواء الحاج شهدت خلافاً ونقاشاً حادين، بين القاضي صقر والنقيب عصام كرم، وبالصوت االعالي الذي سمع خارج غرفة التحقيق، وعلى مرأى ومسمع من أربعة محامين من الإدعاء الشخصي الموجودين والحاضرين، وفي مقدّمتهم المحامي محمّد فريد مطر.
صحيفة السفير اللبنانية، 15 آذر/مارس 2008