ارشيف من : 2005-2008

ليس مطلوباً من أهل القمة إلا أن يكونـوا ... مسـلمين!

ليس مطلوباً من أهل القمة إلا أن يكونـوا ... مسـلمين!

تُحسد على أوضاعها الداخلية، أو على علاقاتها بجيرانها، أو خاصة على موقعها من السياسات الدولية، ومركز القرار فيها واشنطن التي انتزعت لنفسها ـ بالقوة!! ـ حق تقرير المصائر عموماً، ومصائر هذه الدول المستضعفة خصوصاً.‏

فأما أكبر هذه الدول الإسلامية من أندونيسيا إلى باكستان ومن نيجيريا إلى مصر، فإنها تكاد تكون معدومة التأثير، يشلها فقرها وضعف أنظمتها عن مواجهة مشكلات شعوبها، فكيف بأزمة القيام بالدور الذي يفترض بها أن تنهض به لتوفر لشعبها الخبز مع الكرامة والحق بالتقدم ودخول العصر، بالعلم أساساً، قبل الحديث عن تأمين حرية «قرارها الوطني المستقل» ومن ثم دورها في محيطها ثم في العالم؟!‏

إن الأرقام خادعة... فأن تتحدث عن سبع وخمسين دولة فإنك تتحدث عن سبعة وخمسين رأياً، وربما أكثر، وإن كانت الكتلة العظمى منها تصدع لمقتضيات السياسة الأميركية إلى حد تجاهل الاحتلال الأميركي للعراق، وتدمير دولته وتفتيت كيانه وإغراق شعبه في فتن متصلة بين أعراقه وعناصره وطوائفه ومذاهبه. من هنا فإن كل القرارات الخاصة بالعراق قفزت من فوق الاحتلال الأميركي لتقصر حديثها عن «استقلاله السياسي» و«وحدته الوطنية» و«سلامة أراضيه».‏

الأرقام خادعة... فأن تتحدث عن أكثر من مليار ونصف مليار مسلم فإنك لا تعني «كتلة صماء» تجمعها ـ مع الدين ـ المصالح المشتركة والطموحات المتقاطعة في اتجاه غد أفضل لشعوبها على قاعدة الأهداف الملبية لاحتياجات هذه الشعوب الفقيرة أو المفقرة، والتي غالباً ما هي محرومة من حقوقها الوطنية ـ أي السياسية والثقافية والاجتماعية ـ داخل كل «دولة» من هذه الدول العديدة والتي لا يجمع بينها إلا افتقاد الإرادة وافتقاد القدرة على التغيير طلباً للحرية.‏

كان يكفي المسلمين من هذه القمم المتلاحقة، ومن المؤتمر الناظم لهذه الدول الإسلامية، أن تبذل الجهود من أجل التقريب بين المذاهب الفقهية ولا نقول توحيدها، وإرساء قواعد التضامن بين الشعوب في مواجهة المخاطر التي تتهددها في دينها كما في دنياها، وأخطرها مشروع الهيمنة الأميركية ويتصل به بالضرورة الاختراق الإسرائيلي.‏

وإذا كان مشروع البيان الختامي قد أشار إلى أن «الجهل بالإسلام لا يختص بالغرب فقط، بل هو قائم أيضاً بين المسلمين»، فلقد كان مأمولاً من منظمة المؤتمر الإسلامي أن تكون تقدمت خطوات حاسمة في هذا المجال الحيوي، في حين أن الواقع يشير، من أسف، إلى أن العلاقات بين المسلمين أنفسهم، في هذه اللحظة، قد تكون أسوأ منها يوم أنشئت المنظمة، ثم أقيمت فوقها وعلى أساس ضرورتها القمم الإسلامية المتلاحقة.‏

إن قمة إسلامية تكتفي بالتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية لا تكتسب شرعية تؤهلها لأن تحتل موقعها في وجدان شعوبها... خصوصاً وهي تنعقد في ظلال دماء المجاهدين الذين يواصل الاحتلال الإسرائيلي اغتيالهم، بالهجمات اليومية المتواصلة والتي تشمل غزة المحاصرة حتى الجوع والافتقار إلى حليب الأطفال والأمصال والأدوية والدماء اللازمة لتعويض الجرحى ما فقدوه من دمائهم، ومعها الضفة الغربية التي تطارد قوات الاحتلال الإسرائيلي المجاهدين فيها على مدار الساعة، وهي قد «أهدت»‏

القمة الإسلامية، أمس، أربعة شهداء جدد في بيت لحم وشهيدا خامسا في نابلس.‏

ومع الشكر لاهتمام القمة الإسلامية بلبنان، والإشارة إلى أن ما ارتكبته إسرائيل في حربها عليه في تموز 2006 هي «جرائم حرب»، ولكن ماذا بعد هذا التوصيف؟‏

على أنه لا بد من التنويه بإلحاح القمة على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، مما يطمئن «المسيحيين» إلى حرص المسلمين عموماً، وليس اللبنانيين منهم بالحصر، على دورهم ومكانتهم المميزة في هذه الأرض بوصفهم من أهلها، لا هم طارئون عليها ولا هم جالية أجنبية فيها.‏

تبقى مسائل بسيطة وغير ذات بال: كوصمة الإرهاب التي لحقت بالمسلمين بعد تفجيرات 11 أيلول، والتي دفع ويدفع ضريبتها المسلمون غالياً، داخل أقطارهم أساساً، ومن ثم في العالم كله.‏

ومن نافلة القول إن الحركات الأصولية قد تعاظمت نفوذاً وإمكانات نتيجة الحرب العالمية التي شُنت عليها، والتي كان أقساها حروب الأنظمة على رعاياها المشتبه بهم، في حين أن هذه الأنظمة بالذات هي من أنشأ ورعى وربّى ونمّى النزعات الأصولية عند جيل أو جيلين من شبابه بدعوى مواجهة «بدعة القومية العربية» ومعها أو بعدها الشيوعية بوصفها دعوة إلى الإلحاد وزواج الأخ من أخته وارتكاب الموبقات جميعاً التي لا وجود لها في مجتمعات الغرب الأميركي أو الأوروبي الخالص إيمانها والتي تعصمها ديموقراطيتها من التعصب بل العنصرية، تجاه العرب والمسلمين، بشهادة الموقف من شعب فلسطين تحت نير الاحتلال الإسرائيلي...‏

وآخر ما حرر في مؤتمر أنابوليس، بحضور جمع الدول العربية والإسلامية، وعلى لسان الرئيس الأميركي (المؤمن) جورج و. بوش أن على أرض فلسطين تقوم «دولة اليهود» بعنوان إسرائيل.‏

ليس مطلوباً من هؤلاء المحتشدين في قمة دكار إلا أن يكونوا مسلمين، يؤمنون حقاً بالدين الحنيف، ويعملون بهدي قرآنه الكريم ومبادئه السامية.‏

والسلام على من اتبع الهدى.‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 13/3/2008‏

2008-03-13