ارشيف من : 2005-2008

لأنها أغلقت على زغل، عودة أزمة الرسوم المسيئة إلى الرسول (ص): صراخ الحضارات

لأنها أغلقت على زغل، عودة أزمة الرسوم المسيئة إلى الرسول (ص): صراخ الحضارات

عادت قضية الرسوم المسيئة للرسول محمد (ص) لتثار على الساحة  العالمية، لأن وهج الأزمة انتهى حينها على زغل، من دون أن توضع أي نقاط على أي حروف، بل على العكس تماماً حيث زاد الجهل الغربي بالإسلام جهلاً، واتسع الالتباس من دون أي اجراءات تذكر.
فإذا ما تمعنّا بمؤشر الرأي العام الغربي لوجدناه بعيداً عن التفاصيل الدقيقة لأصل الأزمة وأبعادها، وذلك لمصلحة القالب النمطي الذي يظن الرأي العام أنه الحقيقة الكاملة، أي "الاسلام دين إرهابي" يريد أن يهدد منظومة الحكم الديموقراطي وتحديداً في معقلة ألا وهو الغرب.
إن طريقة الاحتجاج التي عمّت العالم بأسره جراء نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية، فُهمت على شكل خاطئ، خاصة حينما صاحب تلك الاحتجاجات أعمال عنف.
مع ذلك أطلت إلى الواجهة أصوات غربية نادت بإيقاف مهزلة إعادة نشر الرسوم وإيقاف الاستفزاز غير المبرر لأكثر من مليار مسلم، منهم عشرات الملايين الذين يعيشون في الغرب.
أكثر الصحف الاميركية وقفت على الحياد وفضلت عدم النشر، وقد فُسّر الموقف على أنه لعبة ذكية فحواها الإمعان في توسيع الشرخ بين المسلمين والقارة الأوروبية حيث البلدان المتفهمة أكثر لقضايانا العربية وتحديداً الدانمارك والنرويج ودول الشمال الأوروبي الاسكندنافية.
كذلك يسهم انتشار الرسوم المسيئة إلى نبي الاسلام في إحراج تركيا المسلمة التي اختارت الانضمام إلى جوارها الأوروبي بما سيتيحه من فرص التطور الاقتصادي العلمي والمدني، وبلا جدال فإن بعض المتعصبين في الغرب لا يريدون انضمام سبعين مليون تركي مسلم إلى أوروبا.
أما إذا أردنا التطرق إلى واحدة من المفارقات الغربية التي تعكس الانفصام المستشري في ديموقراطيتهم، فنشير إلى أنه ولمناسبة تسلم النمسا رئاسة الاتحاد الاوروبي للمرة الثانية عام 2005 قررت الحكومة إقامة سلسلة من الاحتفالات الفنية، شارك 75 فناناً من مختلف الدول الأوروبية في رسم 150 لوحة لتزيين ساحات وشوارع العاصمة فيينا، غير أن بعض هذه اللوحات صوّر ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية والرئيس الاميركي جورج بوش في أوضاع غير محتشمة، الأمر الذي حمل سفارتي بريطانيا والولايات المتحدة على الاحتجاج، وقد استجابت الحكومة النمساوية بسرعة وسحبت هذه اللوحات ومنعت تداولها احتراماً لمشاعر السلطات الاميركية والبريطانية!
هنا نسأل: هل حرية الصحافة مطلقة لا حدود لها؟ أم أن لها حدوداً ينبغي أن تتوقف عندها؟ إذا ما ألقينا نظرة على تاريخ أوروبا وجدنا أنها كانت تُعاقب المجدّفين الذين يعتدون على المقدسات، حتى أمد قريب، وما عدا بلدين اثنين، هما فرنسا وبلجيكا، فإن جميع بلدان أوروبا تمتلك تشريعات لقمع أي هجوم على المقدسات المسيحية، ولكنها لم تعد تنفذها باستثناء بلد واحد هو اليونان.
فمثلاً، حاولت ألمانيا الغربية عام 1986 أن تعاقب بعض الكتّاب الملحدين الذين هاجموا المسيح والعقائد الدينية بعد أن اشتكتهم الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تراجعت عن تنفيذ العقوبة، باعتبار أن ذلك من خصائص العصور الوسطى.
في فرنسا أحرق المتعصبون الكاثوليك داراً للسينما في حي سان ميشال، أي في قلب العاصمة الفرنسية، احتجاجاً على عرض فيلم بعنوان: "آخر إغراءات المسيح" للمخرج الاميركي الشهير مارتن سكورسيزي عام 1988.
في المشهد العام نستطيع ومن خلال أزمة الرسوم المسيئة للرسول أن نستشعر واحدة من بصمات العولمة حيث سرعة تعميم الخبر وذيوعه وانشطار الرأي العام والنخب، وقد وصل الأمر في العامين 2005 ـ 2006 لأن يعاد نشر الرسوم في 70 صحيفة أوروبية و14 صحيفة في الولايات المتحدة و31 صحيفة كندية، كما قامت صحف عربية بنشر بعض تلك الرسوم من باب السعي إلى الشهرة.
في غمرة الصراع كان الحري بالإعلام الغربي والاسلامي أيضاً الإضاءة على صفات الرسول صاحب الخلق العظيم "وما ينطق عن الهوى" وهو رسول المحبة والتسامح والسلام والصدق والأمانة والرحمة.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21