ارشيف من : 2005-2008
قبسات من ضياء رسول الله محمد(ص): الحلم والكرم والشجاعة
لم تكن اللحظة المباركة التي حمل فيها عبد المطلب حفيده الميمون بُعيد ولادته بقليل وقال: "إن لابني هذا شأناً"، لتكون كغيرها من لحظات الحياة، التي تمر متسارعة ولا تترك في مسار التاريخ أي انطباع أو تأثير، بل كانت لحظة تغيَّر في أثنائها مسار التاريخ البشري بكلِّيته، ففي تلك اللحظة حلَّت معجزات الولادة المباركة لأشرف خلق الله طراً، محمد بن عبد الله(ص) الذي أظهر الله تعالى على يديه، دين الإسلام، على الدين كله، لتنعم البشرية بأنوار الهداية، التي شاء المولى تعالى أن تكون بفضل دعوته المباركة، التي كابد في سبيل تبليغها صنوف الأذى والعذابات من مشركي قريش، حتى قال(ص): "ما أوذي نبي مثلما أوذيت".
هذا النبي الهادي للبشرية والمنقذ لها من الضلال تميز بخصال عديدة ظهرت في شخصيته المباركة قبل بدء دعوته الشريفة، فهو الذي كان يعرف بـ"الصادق الأمين"، وهما الصفتان اللتان لازمتاه وعُرف بهما بين بني قومه لاتصافه بهما في تعاطيه مع الناس، أما بعد النبوة فبرزت صفاته الأخرى التي ذكره القرآن الكريم بها في غير آية ومنها: الخُلُق العظيم "وإنك لعلى خُلُق عظيم"، والسراج المنير "وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً"، والرحمة بالمؤمنين والحرص عليهم "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، الى غير ذلك من الصفات المباركة التي حملها رسول الرحمة محمد(ص) وذكرها القرآن الكريم في معرض تبيان فضل وأهمية نبي الله الخاتم للأنبياء.
ومن فيض الصفات الحميدة التي امتلأ بها كيان نبينا الأكرم محمد(ص)، وظهرت معانيها السامية بين الناس لتكون حافزاً لهم للاقتداء بسيرته الشريفة نذكر ثلاثاً، من نبع صفاته الثر، وهي: الحلم والكرم والشجاعة.
حلم رسول الله(ص)
ظهر حلم رسول الله(ص) في أكثر من مناسبة، حيث كان يُحلُّ العفو محلَّ العقاب، وهو حق له، ومن أبرز المحطات التي ظهرت فيها صفة الحلم لديه (ص) كان يوم فتح مكة، حيث تجلى حلمه في ذلك الحين بشكل عام وخاص، فهو (ص) قد عفا عن مشركي قريش عموماً، وخاطبهم بقوله: "ما تظنون وما أنتم قائلون؟". فأجابه سهيل بن عمرو (أحد أطراف صلح الحديبية) وكان في مقدمة القوم: "نقول خيراً ونظن خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قَدِرْتَ". فقال النبي (ص): "أقول كما قال أخي يوسف "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" (...) ثم قال: معاشر قريش... ألا بئس جيران النبي كنتم، لقد كذَّبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم وفللتم وكسرتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني. فأحنى الناس رؤوسهم وهم يقولون نادمين: نعم ذلك كان. فقال النبي (ص): اذهبوا فأنتم الطلقاء".
أما عفوه الخاص، فكان في تلك المناسبة أيضاً، حيث عفا عن "وحشي" قاتل عمه الحمزة، بعد أن طلب منه أن يرحمه ويعفو عنه، فعفا عنه برغم كل المرارات التي سببها له، ولكنه طلب أن لا يرى وجهه في أرض مكة فحسب.
... وكرمه(ص)
جاء في كتاب "إحياء العلوم" في ذكر صفات رسول الله محمد: "كان (ص) أسخى الناس، لا يَثبُتُ عنده دينار ولا درهم، وإن فَضِلَ شيء ولم يجد من يُعطيه وفَجَأ الليلُ لم يأوِ الى منزله حتى يتبرّأ منه الى من يحتاج اليه، ولا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط، من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله. لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود الى قوت عامه، فيؤثرُ منه، حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء".
... وشجاعته(ص)
منذ اللحظات الأولى لمقارعة الكفر بالسيف، كان النبي محمد(ص) في كل الحروب التي خاضها في الطليعة الأولى للمواجهة، قائداً وموجهاً، ومدافعاً بالسيف عن دينه، لم تفتقده أية معركة، وبأسه وصلابته وشجاعته كانت ظاهرة في كل هذه المعارك، وخصوصاً الشديدة منها، وفي هذا المجال يقول الإمام علي(ع): "كنا إذا حمي الوطيس واشتد البأس نلوذ برسول الله (ص)".
هذا غيض من فيض صفات نبي الرحمة محمد(ص) الذي أنعم المولى جل شأنه، بوجوده المبارك على البشرية جمعاء ليكون هادياً لها ومنقذاً من الضلال:
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008