ارشيف من : 2005-2008
في ذكرى المولد النبوي الشريف: الوحدة الاسلامية مبدأ ملزم أم تكتيك يتبع المصالح؟!
كتب د.بلال نعيم
التهنئة والتبريك لجميع المسلمين والآدميين بذكرى ميلاد سيد البشر اجمعين محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله وسلم. تأتي هذه الذكرى وتشتد مع الايام محاولات الاساءة للاسلام ورموزه ومقدساته وعلى رأسها الاساءة لنبيه ورسوله وحامله وباعثه، كما تشتد بإزائها وعلى خط العرض منها التحديات والمواجهات والازمات التي تعترض المسلمين في اوطانهم وانظمتهم وثرواتهم ومقدراتهم، فإذا بنا عاماً بعد عام امام مشهد من تراكم الشدة في قبالة الاسلام وأهله، ما يستبطن مؤشرين متناقضين:
الاول: سلبية التعرض والاساءة للاسلام والمسلمين.
الثاني: تراكم الوعي والثقة والقوة لدى الاسلام والمسلمين.
فما كانت المواجهة لتحتد ولا المتآمرون ليزدادوا صلابة وقسوة في قبالة دين الله الحنيف الا لانه بات يمثل او يشكل اما بديلاً واقعياً عن المنظومات الفكرية القائمة، واما بديلاً مفترضاً عنها، خصوصاً بعد ان اثبت هذا الدين قدرته على انتاج التجربة الحديثة المعاصرة وفق مبادئه الاصيلة ووفق تعاليمه السمحاء مع المواءمة بينها وبين متطلبات الانسان في تيسير وتسيير شؤون حياته.
وفي كل عام، وعند التوقف لاحياء الذكرى المباركة نستحضر الدعوة التي اطلقها الامام الخميني(قده) لاعتبار الاسبوع الممتد بين التاريخين المحددين لولادة النبي الاعظم(ص) اسبوعاً للوحدة بين المسلمين، أوليس محمد(ص) نبياً لجميع المسلمين، أوليس القرآن الذي نزل به هو كتاب جميع المسلمين، أوليس الاسلام الذي صرّح به وعمل لنشره ديناً لجميع المسلمين، فإذا كان إله المسلمين واحداً، ودينهم وقرآنهم واسلامهم واحداً، فلا بد ان تكون امتهم واحدة وان يكون انتماؤهم الواحد الى الوحدانية ودين التوحيد عامل جمع لصفوفهم وتوليف لشعوبهم وتعزيز للرحمة فيما بينهم.
وان بحث قضية الوحدة الاسلامية شغل المفكرين الاسلاميين على مدى القرون من الزمن باعتباره قضية مركزية تطفو في كل زمان على سطح الاحداث والتطورات كلما عصفت بواقع المسلمين الاهوال والنكبات واجتاحتهم العواصف وزلزلت بهم الحادثات، فإذا بجمهور الاسلام فضلاً عن قادتهم وروادهم ونخبهم يستحضرون الدعوة الالهية القرآنية التاريخية التي تصدح في كل الارجاء:
"وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون".
هذه الدعوة التي في حال الاستجابة لها والعمل وفق مقتضياتها فإن امة المسلمين تصبح قوية مقتدرة عصية على الاعتداء والارهاب والنيل منها ماديا ومعنويا، لان اجتماع شعوبها وتراحمهم وتعاطفهم وتضامنهم وتداعيهم لنصرة بعضهم، وتحسسهم لآلام بعضهم، واستعدادهم للتضحية المشتركة في سبيل دينهم وامتهم، كل ذلك يجعل من الصعب على الاعداء ان يفكروا في الاعتداء، ولو كان هذا حال المسلمين لما وصلوا الى ما هم عليه الآن، او انهم استطاعوا الخروج سريعاً من ازماتهم وما يكابدونه في قضاياهم الكبرى كقضية فلسطين واحتلالها، وفي قضاياهم الصغرى كبعض الاساءات التي تطال رموز الاسلام حينا بعد حين.
واذا كان استحضار هذا المفهوم العظيم (أي الوحدة بين المسلمين) عند النكبات والكوارث لدى جمهور المسلمين، فإن استحضاره يجب ان يكون تاماً ودائماً لدى نخب المسلمين ومفكريهم، لان هذا المفهوم يكاد يساوي في بعض التزاماته وجود الدين نفسه وحياة الدين كله، فاذا كان الاسلام قائماً على الامة الوسط، فهذا معناه ان الامة يجب ان تكون حاضرة ومتشكلة، وان تشكل الامة لا يكون الا على الوحدة ولا يقوم الا على التوحد، فكيف تقوم امة بدورها التاريخي وهي ليست امة، او انها امم متشتتة. واذا كانت الشهادة والحجية على الامم مبنية على الاعتدال والوسطية في امة الاسلام فإن لذلك مقدمة ضرورية ولازمة الا وهي قيام الامة الاسلامية الواحدة، وفي حال انعدام الامة انعدم الدور وتعطل او تباطأ مشروع الاسلام في حيويته وفي انتشاره وتعميمه، واذا تعطل هذا المشروع فإن نكسة كبرى تصيب الاسلام في صميمه لانه الدين الذي نزل ويجب ان تتوافر له كل اسباب الاشراق على دنيا الانسان وعالمه، ويجب ان تتاح كل الفرص من اجل ان تنظر الى تعاليمه عيون الآدميين دون عائق او حاجز.
كما ان مشروع الاسلام يعتمد على الامة التي هي خير الامم، هذه الامة التي تكون كذلك عندما تؤدي واجبها في صناعة التاريخ وفي تسيير حركته، ولا يكون ذلك الا بالفاعلية بين الامم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر "وكنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر... ".
وهل هناك منكر في واقع الامة اعظم واخطر واكثر وبالاً من اسرائيل وشرها وسوئها. فاذا لم تهبّ الامة لاقتلاع اسرائيل من هذا الواقع فإن دورها يتعطل في النهي عن المنكر، فلا تغدو خير الامم بل ولا من الامم الفاعلة على مسرح التاريخ.
وفي حال التعوق في الامة ودورها فإن الاثر يطال الاسلام ومشروعه العالمي فيكون السوء عاماً والشر مستطيراً.
واذا كان للاسلام مشروعه لحياة الناس ولاحيائهم وكان هذا المشروع متقوماً بعوامل عدة ومنها وعلى رأسها الامة الوسط في سلوكياتها والتزاماتها وفي حركتها وجريانها فإن من لوازم ذلك ان ينبري العلماء والمفكرون والحريصون على الاسلام من اجل تأمين هذا العامل الحيوي وانتاجه كمقدمة لحماية الاسلام ومشروعه من التعويق الذي قد يؤدي الى السقوط والتعطيل، واذا كان هذا العامل عظيم الاثر كذلك فإنه من البديهي القول انه عامل استراتيجي ثابت يساوي المبادئ الثابتة والقيم الراسخة التي يقوم عليها الدين ويتقوم بها، من هنا فإن العودة الى النصوص القرآنية والى الروايات تجعلنا نقف عند عظمة الوحدة وعند شرافتها بما يؤكد على حساسية توافرها في قيام الاسلام ومشروعه، ومن النصوص القرآنية الهامة:
"ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء".
فالخطاب الى نبي الاسلام بأن الذين يفرقون هذا الاسلام ويجعلونه شيعاً فانهم ليسوا من المسلمين لان الرسول(ص) هو رمز الاسلام وتمامه وهؤلاء ليسوا من الرسول بشيء فإذاً هم ليسوا من المسلمين.
وفي آية اخرى مشابهة "اولئك من المشركين من الذي فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون".
فالعمل على تفرقة الدين وتفرقة الامة يفضي الى الشرك والى الخروج من دين الله تعالى، لان فيه ضربا للاسلام في بعديه المعنوي والمادي، اما معنوياً فلانه يستظهر ثغرة وسلبية في الاسلام (هي ليست فيه) وهي عجز الاسلام عن جمع اتباعه وايجاد اللحمة فيما بينهم، وان الفكر العاجز عن ذلك هو من باب اولى اعجز من ان يصنع العالمية والوحدة بين البشر، ومن الناحية المادية فإ تفرقة الاسلام والمسلمين داع الى الضعف والضعة والهوان والذل بما يجعل من الصعب ان لم يكن المستحيل سريان الاسلام وانتشار دعوته لان طاقة المسلمين ستهدر ويذهب ريحهم وتضعف قواهم ولا سيما مع الافتتان بينهم وانتشار الفرقة في صفوفهم.
وان الذين يسعون في تفريق الامة وتمزيقها ليسوا من الرسول(ص) كما انهم ليسوا من الله تعالى وهم في الخط المقابل لاله العالمين، فالله سبحانه يقول "ان هذه امتكم امة واحدة" واولئك يقولون لله "لا" ان هذه الامة ليست واحدة، وان الله سبحانه يربط بين وحدة الامة وتقواه، فالذين يفرقونها لا يتقون الله بل يجرؤون عليه، ومن اخطر الموبقات ان يجد الانسان نفسه في الصف المقابل لله (لانه ليس بعد الحق الا الضلال) وهو يحسب انه مسلم (فاذا به من الاخسرين اعمالاً) وعليه فإن الوحدة بين المسلمين مفهوماً وسلوكاً والتزاماً، والعمل من اجل هذه الوحدة، والسعي للتقريب بين المسلمين ولازالة الشحناء والبغضاء من صفوفهم ولضرب ايدي الفتنة واطفاء نيرانها، كل ذلك يعتبر واجباً الهياً ثابتاً بل ليس كمثله واجب، وعليه فإن الوحدة الاسلامية التي يقوم عليها دين الله ومشروعه هي مبدأ ملزم ثابت دائم وليس تكتيكاً او شعاراً او خطاباً سياسياً، انه يفوق كل المصالح ويتعدى كل الاعتبارات القومية والجغرافية والوطنية لان فيه قوام دين الله وقيامته.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008