ارشيف من : 2005-2008

قمة دكار: لم تنصر ولم تخذل!

قمة دكار: لم تنصر ولم تخذل!

من جهة، قمة عربية تثير الكثير من الجدل، ويبرق الكثيرون حولها ويرعدون.. ومن جهة أخرى قمة إسلامية أكبر حجماً وأضخم اسماً تنعقد ثم تختتم أعمالها ويذهب أصحابها كل في سبيله، دون أن تحتفظ منها الذاكرة بأثر يُذكر.. مع ما يفترض بالقمتين من وحدة في الحال عبرت عنها إحدى الموسوعات الغربية بغلطة شائعة مفادها أن منظمة المؤتمر الإسلامي تضم 57 بلداًً عربياً! والحقيقة أن الحال بالنسبة الى القمتين واحدة لولا أن بعض الظروف قد دفعت بالقمة العربية، ربما لأول مرة في تاريخها، لأن تكون في وضع من شأنه أن يضعها في مستوى المشكلة.
إذاً انعقدت قمة منظمة المؤتمر الإسلامي يومي الخميس والجمعة الماضيين (13 و 14/3/2008) في العاصمة السنغالية دكار، في وقت يحتل فيه العالم الإسلامي من فلسطين ولبنان إلى العراق وأفغانستان، مروراً بالملف النووي الإيراني والصومال والسودان، واجهة الأحداث في العالم. ومع ذلك لم تثر هذه القمة اهتماماً ما فوق عادي لسبب بسيط يعود بالدرجة الأولى إلى عمومية وتواضع الأهداف التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها. ربما لأنها منذ ولادتها في العام 1969 واتخاذها مدينة جدة في المملكة العربية السعودية مركزاً لها، لم تشأ لنفسها أن تكون بمستوى طموحات ومشكلات المليار ونصف المليار مسلم المنضوين تحت جناحها. ثم إن قدرها قد جعل منها في ظل انحسار المد التحرري في العالمين العربي والإسلامي، صدى لتوجهات رضيت لنفسها أن تكتفي بالبحث للعالم الإسلامي عن أدوار تتماشى مع الإرادات الدولية العلية، وأن تكرس واقع الضعف والتجزئة والقطرية برغم ما يستلزمه مفهوم "الأمة" من توجهات مغايرة. وإذا كانت قمة دكار قد شاءت لنفسها أن تشكل لحظة كبرى وتاريخية في تاريخ منظمة المؤتمر الإسلامي، فإن أبرز إنجازاتها قد تمثل بإقرار ميثاقها الجديد الذي يفترض به أن يعطي المنظمة دفعة جديدة إلى الأمام بدلاً من نص قديم يعود إلى العام 1972، ويُنظر إليه على أنه لم يعد متوافقاً مع الأوضاع الحالية، لأسباب أبرزها الموقع الهامشي الذي يعطيه للحقوق الإنسانية. من هنا كان من الطبيعي للبيان الختامي أن يحفل بذكر بنود الميثاق الجديد التي كثر فيها التركيز على موضوعات الإدارة الرشيدة والديموقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون.. كلام جميل لكنه مأخوذ برمته من قاموس الإرادات الدولية. سبب آخر لاستبدال النص القديم بالميثاق الجديد تمثل بصعوبة تحقيق الإجماع في الآراء، وهذا سبب وجيه بالفعل، لأن العالم الإسلامي في العام 1972 لم يكن ـ كما هو الآن ـ حاضنة لقوى تحتل موقع المواجهة الأول مع قوى الاستكبار والهيمنة. ومن هنا برز في البيان الختامي للقمة تقاسم واضح للقرارات جاء انعكاساً لكونه يعمل على موجتين. فمن جهة عبر البيان عن إرادة الشارع الإسلامي وقواه الممانعة والمقاومة من خلال إدانة جرائم إسرائيل، وتأكيد حق الدول بالاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية، وإبداء القلق من الضغوط المتزايدة على إيران وتأثيرات ذلك في الأمن والاستقرار داخل المنطقة وخارجها. كما دعا الحكومات الغربية المعنية إلى إدانة إعادة نشر الرسوم المسيئة واتخاذ إجراءات قانونية ضد المشاركين فيها، وندد بإنتاج فيلم مسيء للقرآن الكريم في هولندا. لكنه من جهة ثانية، اكتفى بالإدانة والتنديد في مجالات تتطلب ردوداً أكثر حزماً وأكثر تناسباً مع تصاعد الهجمات وحملات الإساءة من قبل جهات يرعاها الأصدقاء والحلفاء الغربيون. ومن جهة ثانية أيضاً جاءت إدانة جرائم "إسرائيل" منسوخة بإدانة هجمات الفلسطينيين الصاروخية التي وصفها البيان بأنها "تجلب البؤس للشعب الفلسطيني". وهنا تكر السبحة من خلال التشديد على دور الإعلام في عدم تقديم الدعم للمجموعات المتطرفة، الأمر الذي رأى فيه المراقبون استكمالاً لتوجهات برزت مؤخراً في التضييق على الإعلام المقاوم. وفي الوقت الذي يأخذ فيه الهجوم على الإسلام أشكاله الدموية المعروفة، ركز البيان على أهمية الحوار بين الأديان، ودعا إلى عقد مؤتمر "رفيع" بهذا الصدد، مشدداً على ضرورة تقديم الإسلام بوصفه دين الاعتدال والتوازن والتعايش السلمي. كما أبدى البيان دعمه للمبادرة العربية بشأن لبنان، وشدد على انتخاب الرئيس "في الموعد المقرر"، وعلى الإسراع في قيام المحكمة الدولية، وغض الطرف عن العديد من الأحداث والتطورات المحيطة بالأزمة اللبنانية. وفي ما يخص العراق، شدد البيان على ضرورة فتح سفارات عربية في بغداد، في عبارة أكملها ديك تشيني بعد أيام بقوله: "من أجل مواجهة النفوذ الإيراني". ومن الأمور اللافتة أيضاً أن القمة قد خيبت في وقت تصرف فيه عشرات المليارات كل شهر أو شهرين على صفقات التسلح وعمولاتها، خيبت آمال بلدان العالم الإسلامي الفقيرة. فهي لم تقدم أي التزامات بشأن المديونيات، كما أن التقاعس ضرب تمويل صندوق التضامن الإسلامي من أجل التنمية، بحيث لم يحصل الصندوق إلا على 2.6 مليار دولار من أصل عشرة مليارات كان يفترض تأمينها له قبل نهاية العام 2007.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21