ارشيف من : 2005-2008
ساركوزي والسقوط السريع
باريس ـ نضال حمادة
وقف المحللون السياسيون في فرنسا طويلا أمام المشهد الاستعراضي الذي حصل أثناء مناقشات مجلس النواب الفرنسي لسياسة الحكومة، وكان ضحية ذلك المشهد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وفي التفاصيل أن نائبا عن الحزب الاشتراكي الفرنسي طرح سؤالا على الحكومة حول سياسة فرنسا الخارجية حيث قدم رئيس الحكومة فرانسوا فيون كوشنير للإجابة عن السؤال بصفته وزيرا للخارجية، وهنا علت هتافات النواب الاشتراكيين (ليفيت، غيان) وقد حدث كل هذا امام شاشات التلفزة التي كانت تبث الجلسة مباشرة. أما سبب هذه الهتافات فيعود الى لقاء كان كوشنير قد أجراه على احدى المحطات الاذاعية مع الصحافي المشهور جان بيار ألكاباش، وقد شن كوشنير أثناء هذا اللقاء هجوما عنيفا على سوريا، حيث قال إن المفاوضات مع الجانب السوري توقفت، مضيفا ان فرنسا لن تعيد أي اتصال مع القيادة السورية إذا لم تفعل أمورا عدّدها في لبنان والمنطقة، وهنا أخرج ألكاباش قصاصة ورق صغيرة وخاطب الوزير: يبدو أن المعلومات التي بحوزتي لا تتطابق مع الذي تقولونه، وقرأ عليه مباشرة على الراديو نص الورقة التي بحوزته قائلا: يعقد اجتماع في هذه الأثناء في العاصمة السورية دمشق بين الرئيس السوري بشار الأسد والمستشارين في رئاسة الجمهورية الفرنسية جان دافيد ليفيت وكلود غيان اللذين وصلا العاصمة السورية بتكليف من الرئيس نيكولا ساركوزي، وهنا سأل الصحافي الوزير كوشنير الذي اكفهر وجهه من وقع المفاجأة هل أنتم على علم بهذه الزيارة. وكان رد الوزير المتلعثم نعم نعم، ربما كان هناك دبلوماسية موازية لا أعلمها.
تلخص هذه القصة الحال الذي وصلت اليه الأوضاع السياسية والحكومية الفرنسية بعد عشرة أشهر من وصول ساركوزي الى سدة الرئاسة. فالرئيس الجديد يحتكر الظهور الإعلامي، غير أن هذه السياسة الإعلامية انعكست بشكل سلبي على الرئيس الذي شهدت شعبيته هبوطا لم يحصل مع أي رئيس جمهورية سابق، حيث وصلت شعبيته الى سبعة وثلاثين في المئة بعدما كانت عند انتخابه تقارب الخمسة والستين بالمئة، وقد انعكس هذا التراجع في الشعبية على مجمل الفريق الحاكم ما ساهم في خسارة هذا الفريق في الانتخابات المحلية التي حصدت فيها أحزاب اليسار غالبية البلديات في المدن الكبرى، وساهم في خسارة الحزب الحاكم أربعين مدينة يفوق عدد سكانها عن المئة الف نسمة، وأكثر ما أثار سخرية المراقبين غياب صورة ساركوزي واسم الحزب الحاكم عن اللوحات الدعائية لمرشحي الأكثرية في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الفرنسية.
"لقد وصلت الأمور الى حد المهزلة" تقول صحيفة ليبراسيون في افتتاحيتها صبيحة اعلان نتائج الدور الأول في الانتخابات المحلية، وتضيف: "لا يوجد في فرنسا رجال حكم حقيقيون، ولكن صبية وصلوا الى القمة ونراهم يتلاعبون بمصيرنا ومصير أولادنا باستخفاف قل نظيره".
معلق فرنسي يعمل في جريدة لاتريبيون دو جنيف قال لـ"الانتقاد" ان المشكلة تكمن في عدم استيعاب المجموعة الحاكمة أن ما يحكمونه بلد وشعب، مضيفا ان وزير الخارجية كوشنير يدير السياسة الخارجية الفرنسية وكأنه رئيس منظمة مجتمع مدني، وهذا ما رأيناه طيلة الشهور الماضية في تعاطيه مع القضية اللبنانية، وفي زياراته الاستعراضية لبيروت، وما لحق بالسياسة الفرنسية من إهانات جراء التعالي الكبير الذي أظهره السفير الأميركي في لبنان على كوشنير، حيث لم تكلف رايس نفسها حتى عناء مكالمته أو تطييب خاطره بعد الكلام القاسي الذي تعرض له من سفيرها في لبنان.
لقد بدأ الانحسار الكبير لساركوزي في فرنسا ونحن على أبواب ذهاب الإدارة الأميركية الحالية، فهل من يتعظ في لبنان ويقي هذا البلد شر المتوترين والمجرمين قبل فوات الأوان.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008