ارشيف من : 2005-2008

تشيني وماكين في بغداد..والحسابات الاميركية للواقع العراقي

تشيني وماكين في بغداد..والحسابات الاميركية للواقع العراقي

بغداد ـ عادل الجبوري
لم تكن آثار ومعطيات ووقائع الزيارة التاريخية للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى العراق مطلع الشهر الجاري، غائبة أو بعيدة عن أجواء ومناخات الكواليس السياسية التي تنقل بينها نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني خلال زيارته الاخيرة المفاجئة الى العراق، في السابع عشر من شهر آذار/ مارس الجاري.
اختلفت الزيارة الاخيرة لتشيني الى العراق عن زياراته السابقة بكونه تحرك هذه المرة بشكل كبير والتقى كبار الساسة العراقيين في مكاتبهم، وليس في مقر السفارة الاميركية داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين.
سياسيون عراقيون تهامسوا في ما بينهم في أكثر من محفل قائلين: يبدو ان واشنطن أخضعت زيارة نجاد للعراق بكل تفاصيلها ودقائقها لقراءات معمقة، وقررت الاستفادة من نقاط القوة فيها، وتغيير السياق البروتوكولي والتنظيمي لزيارة تشيني ـ كمسؤول أميركي رفيع المستوى ـ هذه المرة قد يكون واحدا من معطيات تلك القراءات.
وطبيعي ان القراءات المعمقة لا تتوقف عند الجوانب البروتوكولية والتنظيمية فحسب، بل انها لا بد من أن تتطرق وتخوض في ما هو أبعد وأهم وأكثر حساسية، خصوصا ان واشنطن تعد طهران ندا وخصما عنيدا لها، ومهددا لمصالحها ووجودها في العراق وعموم المنطقة.
وديك تشيني جاء إلى العراق في الوقت نفسه الذي وصل اليه المرشح الجمهوري لخوض معركة الرئاسة الاميركية القادمة السيناتور جون ماكين، الذي جاء الى العراق بعد اعلان قائد القيادة الوسطى للجيش الاميركي الأدميرال وليام فالون استقالته بعد عام من توليه المنصب. كما أن تشيني جاء أيضا في وقت يضع كل من السفير الاميركي في العراق رايان كروكر وقائد القوات الاميركية الجنرال ديفيد بترايوس اللمسات النهائية على تقريرهما الثاني حول العراق، الذي من المقرر أن يقدماه الى الكونجرس خلال الاسبوع الأول من شهر نيسان/ أبريل المقبل.. والى جانب ذلك الشروع العملي بالمفاوضات المتعلقة بالاتفاقية الاستراتيجية بعيدة المدى المزمع إبرامها بين بغداد وواشنطن خلال فترة أقصاها الثلاثون من حزيران/ يونيو المقبل.
وجون ماكين الذي زار العراق للمرة الثامنة منذ الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، مرشح للرئاسة الاميركية وخلافة الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض، يدرك ان صياغة خطاب دقيق ومدروس حول العراق لا بد من أن يؤثر في ارتفاع أو انخفاض أسهمه في السباق الرئاسي، وحينما صرح قبل فترة قصيرة انه اذا فاز بالانتخابات الرئاسية فلن يقوم بسحب القوات الاميركية من العراق، فإنه في الواقع تبنى موقفا استراتيجيا، وحدد واحدا من أهم المسارات التي سوف تقوم عليها سياساته في حال وصوله الى البيت الابيض.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه بعث برسالة ضمنية تتضمن شقين: الاول داعم وعاضد لسياسة الرئيس جورج بوش بشأن العراق، وهذه شهادة مهمة لم تأتِ من خارج البيت الحزبي له. والشق الثاني إشارة الى مواصلة تلك السياسة في ما يتعلق بالعراق تحديدا. من هنا يمكن القول ان برنامج زيارة جون ماكين للعراق وأولويات ذلك البرنامج لم تختلف كثيرا عن برنامج نائب الرئيس ديك تشيني، ان لم تكن متطابقة معها بالكامل.
ولا شك في ان موضوع الاتفاقية الاستراتيجية طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة الاميركية التي بدأت بالفعل المفاوضات والمباحثات بشأنها، كانت ـ برغم تعدد المفردات وتنوعها وازدحام جدول الاعمال ـ أهم وأبرز الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش بين كبار المسؤولين العراقيين من جانب وكل من ماكين وتشيني من جانب آخر.
والرؤية العراقية هنا تتمحور حول جملة من الثوابت والمبادئ الوطنية التي تتمثل بما يلي:
ـ ضمان خروج العراق من البند السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة واستعادة السيادة الكاملة.
ـ خلو الاتفاقية من أي فقرات أو بنود تتضمن وجود قواعد عسكرية أميركية ثابتة في العراق.
ـ أن لا تشكل الاتفاقية أي تهديد لدول الجوار العراقي أو لأي من دول المنطقة.
ـ أن تكون معلنة بالكامل ولا تتضمن أي ملاحق سرية قد تثير حساسية وحفيظة وتوجس أطراف اقليمية.
ـ أن تعبر عن رؤى وتوجهات ومصالح مختلف مكونات المجتمع العراقي، وبالتالي تكون موضع قبول ورضا من قبل الجميع.
وطبيعي أن لكل من ماكين وتشيني دوراً كبيراً في تحديد وتشخيص المسارات التفاوضية بين بغداد وواشنطن، وكذلك دراسة ومناقشة وإقرار الرؤية الأميركية للاتفاقية من خلال توجيه فرق التفاوض مع الجانب العراقي ومتابعتها.
ويبدو ان واشنطن في الإطار العام حريصة على عدم التفريط بما تحقق في العراق من نتائج على الصعد الأمنية والسياسية، بنفس مقدار حرص بغداد على ذلك، وإن اختلفت "الأجندات" والحسابات والتوجهات والمنطلقات.. وفي الوقت ذاته تحرص أشد الحرص على التغطية على الإخفاقات والفشل والضعف في بعض الجوانب.
وربما تحتاج الولايات المتحدة الى توضيح بعض الامور، لا سيما بعد اعلان قائد القيادة الوسطى للقوات الاميركية في الشرق الأوسط الأدميرال وليم فالون استقالته من منصبه، وما قيل عن أسباب تلك الاستقالة المفاجئة، وتصريحات الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الاميركية في العراق المرشح ليحل محل فالون، بأن القادة العراقيين لم يستثمروا التحسن الأمني لتحقيق المصالحة الوطنية.
وهذا التصريح الأخير ربما يمكن تفسيره بأنه محاولة لإلقاء تبعات الإخفاقات في جوانب مختلفة على العراقيين لا على الأميركيين.
ولا شك في ان زيارتي ماكين وتشيني ستؤثران في صياغة ومضامين التقرير الذي من المزمع ان يقدمه الجنرال ديفيد بترايوس والسفير رايان كروكر الى الكونجرس الاميركي.
والشيء المهم والصحيح بالنسبة للساسة وأصحاب القرار العراقيين، هو كيفية توظيف واستثمار هذا الحراك السياسي المهم الذي يمثل بصورة أو بأخرى امتدادا للزيارة التاريخية للرئيس الايراني الى العراق، ولانعقاد مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب في أربيل، ومن ثم امتدادا لقمة منظمة المؤتمر الاسلامي المنعقدة في السنغال التي كان للعراق حضور فاعل فيها، وشغل الملف العراقي حيزا كبيرا من الاهتمام.. الى القمة العربية المرتقبة في العاصمة السورية دمشق.
فواشنطن لا تريد ان يفلت زمام الأمور من بين يديها، وهي تريد أن يتقرب العرب للعراق، شرط ان يكون ذلك متناسبا ومنسجما مع "أجنداتها".. وعلى أمل أن يفضي ذلك التقرب والتقارب الى تحجيم الحضور والدور الايراني في العراق والمنطقة.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21