ارشيف من : 2005-2008
الانتخابات التشريعية الإيرانية تهزم خصوم طهران في مواجهة اختاروها بأنفسهم
كان يمكن للانتخابات التشريعية في الجمهورية الاسلامية ان تكون مجرد حدث محلي كما يحصل عادة في معظم دول العالم، الا ان رغبة خصوم ايران في استغلالها ضمن حملتهم الدعائية المستمرة ضد النظام الاسلامي جعلت من هذا الحدث بمقدماته ونتائجه ذا دلالات خاصة في مسار المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وفريقها من جهة وايران من جهة ثانية، حيث يسعون لتجريدها من عناصر قوتها التي حولتها الى قوة اقليمية عظمى حجزت دوراً عالمياً لها.
وعليه فإن التصويب الخارجي الذي بدأ على هذا الاستحقاق ضاعف من اهميته بحيث جعلته القيادة الايرانية تعبيرا عن الوحدة الوطنية في مواجهة اعداء الامة، ولا سيما ان واشنطن لم تفوت فرصة من اجل التشويش على الانتخابات ومحاولة النيل من مصداقيتها عبر تجريدها من عناصر النزاهة والفرص المتساوية امام المرشحين، وقولها انها لا تتوافق والمعايير الدولية للانتخابات، وهو كلام عمومي يمكن ان يقال على اي عملية انتخابية لا تعجب واشنطن او من يعادي طهران.
وقد حاول هؤلاء ان يستوعبوا نتائج خيبتهم عبر قولهم ان النتائج معروفة سلفاً.
كما تكمن اهمية هذا الحدث في الظرف الذي تمر به ايران من خلال الهجمة الدولية عليها بسبب برنامجها النووي، الى درجة ان احد المحللين في مركز كارنيغي الاميركي كريم ساجد بور اعتبر ان قرار مجلس الامن الدولي الاخير الذي شدد العقوبات على ايران كان هدفه "توجيه رسالة الى الناخبين الايرانيين"
بوجوب اختيار "مسؤولين اكثر براغماتية واعتدالا" يمكنهم انهاء عزلة ايران وازمتها الاقتصادية.
وعليه فإن هذه الوسائل الدولية التي اعتمدت لترويع الناخب الايراني واظهار حجم المخاطر التي يواجهها بسبب الخيارات التي يمكن ان يعتمدها شكلت مؤشرا قويا على نوعية النتائج التي حصلت وتوزعت على الشكل التالي:
اولاً من حيث نسبة المشاركة فانها بلغت نسبة الخمسة والستين في المئة وهو امر لم يكن متوقعاً باعتبار ان الابواق الدعائية كانت تحصر خيارات الناخبين بين انصار النظام انفسهم، وبالتالي فقدان عنصر المنافسة كما روجوا لذلك، معتمدين في ذلك على مقولة انه تم اقصاء عدد كبير من المرشحين الاصلاحيين لمصلحة المحافظين، وهو كلام يفتقد الى الدقة والمصداقية باعتبار ان عدد المرشحين المقبولين هم 4500 وعدد المقاعد المستهدفة 290، وبالتالي فان عدد الاصلاحيين الذي خاضوا المعركة كاف لملء مجلس الشورى مرتين. هذا فضلا عن ان الناخبين الـ 44 مليونا يذهبون للاقتراع لبرامج اللوائح المتنافسة اكثر من الاشخاص بذاتهم.
هذا مع الاشارة الى ان نقطة الارتكاز الجوهرية في برامج المتنافسين هي المسائل الداخلية ولا سيما الاقتصادية منها بحيث كانت السياسة الخارجية هي الغائب الاكبر، وهذا ما جعل من عملية التشويش الخارجي غير ذات جدوى باعتبار ان الاختلافات في المسائل الاقتصادية موجودة داخل المحافظين والاصلاحيين على حد سواء.
اما بالنسبة الى النتائج النهائية التي اظهرت فوز المحافظين بغالبية واحد وسبعين في المئة من المقاعد في الدورة الاولى فانها جاءت تعبيرا عن المزاج الشعبي الذي يفاجئ دائما المراقبين الذين يعتقدون انهم خبراء في الشؤون الايرانية ويذهبون الى تعميم قراءاتهم التي يتبين انها خاطئة بسبب عدم قدرتهم على تفسير مزاج الناخب الايراني. فاذا كان هناك اعتراض على اقصاء مرشحين اصلاحيين لكان الامر انعكس على نسبة المشاركة، وهو امر بديهي لان اي ناخب لا يجد مرشحا لاختياره لن يذهب الى صندوق الاقتراع، وبالتالي فان نسبة الـ65 في المئة التي سجلت نسفت مقولة عدم التنافس، وفي الوقت نفسه اظهرت حجم التمثيل الشعبي للاحزاب والقوى المتنافسة، وعززت من شرعية النظام القائم والاشخاص الذين يتولونه والخيارات التي يتبنونها.
وعليه فان خصوم ايران خرجوا خاسرين من مواجهة اختاروها بأنفسهم، وباتوا اكثر قناعة ان اداءهم العدائي ضد الجمهورية الاسلامية لا يمكن ان يؤدي باي حال الى احداث شرخ داخلي يسهل مهمة الانقضاض على هذا النظام الذي يحظى بقاعدة شعبية تقف وراءه في سعيه نحو مزيد من تفعيل الدور الايراني الاقليمي والدولي.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008