ارشيف من : 2005-2008

نساء حماس: جيش يكسر الحصار ودور يتجاوز المساندة الى العمل المقاوم

نساء حماس: جيش يكسر الحصار ودور يتجاوز المساندة الى العمل المقاوم

غزة ـ منى حرب

على قدر أهل العزم تأتي العزائم، ونساء فلسطين حملن من العزم الكثير. فحين تغادر المرأة طوعاً ثوب الأنوثة وترتدي بزة الجهاد تصبح المعاني أكثر عمقاً، تضفي على الطبيعة ألواناً مبتكرة، تعيد صياغة المشهد وتفرض نفسها في المعادلة عنصراً فعالاً وحاسماً.
ذلك هو حال المرأة الفلسطينية، أما أو أختا أو بنت شهيد أو أسير أو جريح أو مطارد.. زوجة تودع زوجها الشهيد الوداع الأخير بدمعتين: الأولى حباً والأخرى فخراً.. ولأنها فلسطينية، ولأنها تعشق الحياة، استطاعت أن تكتشف العلاقة السرية بين الحياة والموت، بين الفناء والبقاء.. هكذا كانت المرأة الفلسطينية وستبقى.
حركة حماس التي نجحت في كسب معظم معاركها الأخيرة على المستويين السياسي والعسكري، وحتى في كسر الحصار المفروض على غزة من خلال تفجير الحدود مع مصر، لم يكن رجال الحركة الذين يصفهم البعض بالمتشددين وحدهم من يقف وراء تلك النجاحات، بل إن الفضل في كثير من الأحيان يعود "لهن"، نعم.. إنهن الحمساويات.. القساميات.. المجاهدات.. فهن باختصار ما يمكن أن يطلق عليه "الجيش" المنظم الذي ظهر في مقدمة بعض تلك المعارك، وقاتل في بعض الأحيان كجندي مجهول.. ومرات كثيرة كان رأس حربة في حماس، إنه جيش "نساء حماس".
"الانتقاد" بحثت في تاريخ الحركة النسائية في حركة حماس التي نشأت مع نشأة الحركة عام 1987م، لتكشف إلى أي حد وصل فيه تطور الحركة النسائية، تلك المرأة التي خاضت الانتخابات البلدية والتشريعية وفازت فيها بجدارة، وهي من تجرأت لفك الحصار المفروض على مجموعة من المقاومين  الفلسطينيين في مسجد أم النصر في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وقبل ذلك كله قدمت الابن ووصفت بأنها لا تملك القلب، فكان من خنساء فلسطين أم محمد فرحات النموذج الذي قدم الغالي والنفيس. أما الاستشهاديات الحمساويات فكان لهن نصيب الأسد في درب التحرير.. ريم الرياشي أم لطفلين: عبيدة وضحى... أما آخر انجازاتهن حتى اللحظة فكانت "60" جريحة خلال مواجهات مع قوى الأمن المصري الذي حاول تفريق مئات النساء ممن وُجدن أمام بوابات معبر رفح في الثاني والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، واللاتي وُجدن هناك بدعوة من الحركة الإسلامية النسائية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وهن يرفعن الأعلام الفلسطينية واللافتات التي طالبت برفع الحصار وإدخال المواد الأساسية.
 أم يوسف كانت تهتف مع مئات النساء "يالله يا جبار ارفع عنا هالحصار.. يالله يا الله انصر جندك يا الله". إحدى السيدات الغاضبات قالت: "أين مليار ونصف مليار عربي ومسلم ونحن نموت هنا بفعل هذا الحصار الظالم والعدوان؟".
حنان النحال مسؤولة العمل الجماهيري في الحركة النسائية في حركة حماس في محافظة رفح قالت: "إن المرأة الحمساوية من خلال تنظيمها الفعاليات الجماهيرية كالمسيرات والاعتصامات التي أدت إلى فتح الجدار مع مصر، والتي جاء تنظيمها من خلال الجمعيات والمؤسسات النسائية التابعة لحماس، بدأ تشكيلها بشكل منظم في وقت قصير جدا خلال انتفاضة الأقصى عام 2000م".
أما دور المرأة في حركة حماس فأوجزته النحال في الحديث عن البدايات الأولى لها في الحركة، مشيرة إلى أنها وجدت بوجود الحركة التي كانت تقدر دوما العمل النسائي وتحترمه بل وتضعه في سلم أولوياتها، مؤكدة أن تطور العمل النسائي الإسلامي وتحديدا في حركة حماس يتناسب بشكل طردي مع مرور الزمن، مذكرة بأن العمل النسائي في بدايات الانتفاضة الأولى كان يقتصر على أعضاء الكتلة الإسلامية.
 في هذا الإطار قالت النحال ان تطورا تدريجيا لكن ملحوظا طرأ على العمل النسائي، واصفة المراحل الأولى لوجود المرأة في غمار العمل التنظيمي بمرحلة الإعداد حتى وصلن إلى مرحلتي البناء والإنتاج.
وعن الظروف التي دفعت بالعمل النسائي قدما شددت مسؤولة العمل الجماهيري على أن لكل مرحلة احتياجات هي التي تفرض نفسها، والمرأة الحمساوية كجزء من منظومة متكاملة ومنظمة لا بد لها من أن تتأقلم معها. ضاربة مثالا على اقتحام المرأة الحمساوية المضمار الأمني بدخولها جهاز الشرطة، وهذا ما تطلبته المرحلة الراهنة بعد تولي حركة حماس السلطة في قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات في العام 2006م.
أما التطور الحقيقي وفق مراحله التدريجية للعمل النسائي الإسلامي فتحدثت عنه أم علاء، إحدى الناشطات في العمل النسائي، هكذا عرفت باسمها بعد أن رفضت التصريح باسمها الحركي، معتبرة ان ذلك من خفايا العمل التنظيمي التي يجب أن لا تعرف إلا لمن هم أصحاب الشأن، مشيرة بذلك القول إلى قيادات العمل النسائي في حركة حماس اللواتي أصبحن في موازاة قيادات حركة حماس من الرجال، وهن كثر، منهن من تسلط عليهم الأضواء وأخريات يعملن خلف الكواليس.
وقالت: "بدأ العمل النسائي في حماس عندما اهتم الشيخ أحمد ياسين بالمرأة"، بعد أن أفرج عنه عام 1996م، حيث اهتم بعقد الندوات على اختلافها بدءاً من الدينية مرورا بالاجتماعية وانتهاءً بالسياسية في المساجد، مضيفة: من هنا بدأ العمل النسائي يرسي قواعده على أسس صحيحة منبعها الإيمان والعقيدة والتربية الصالحة.
وأضافت: "بعد ذلك بدأ العمل السري للأخوات من خلال عقد الاجتماعات في المنازل والمساجد، وكان الهدف منها تشكيل هذا الجيش الذي نتحدث عنه الآن، خاصة في تلك الأوقات التي اعتقل فيها رجال حركة حماس في سجون السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك في سجون الاحتلال، ما ألقى العبء بشكل كامل على كاهل المرأة التي تحملت أعباء المنزل وتربية الأبناء والوقوف جنبا إلى جنب مع  الرجل في الميدان".
"جميلة الشنطي" عضو المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي الفلسطيني التي كان لها دور كبير في تأسيس الحركة الإسلامية النسائية في حركة حماس، حتى أصبحت الشنطي احد  المدرجين على قائمة المستهدفين لدى جيش الاحتلال، قالت: "بعد نجاح المسيرة النسائية التي قدناها لفك الحصار المفروض على مسجد  بيت حانون أتوقع في كل لحظة أن أُغتال، ولكنني لست خائفة من أي محاولة إسرائيلية لاغتيالي وتصفيتي، وما زلت مصرة على ضرورة استمرار المقاومة.
وبرغم محاولتي الاغتيال الإسرائيلية لها تؤكد الشنطي عدم خوفها من التهديدات الإسرائيلية واستعدادها لتقبل كل شيء، مشيرة إلى أنها تتخذ إجراءات أمنية في تحركاتها لضمان سلامتها.
 لم يقف أمر المرأة الحمساوية عند هذا الحد ولم يعد دورها كامرأة مقتصرا على تربية الأطفال وتقديم الدعم المعنوي فحسب، وإنما بدأت ولو قلة من النساء المؤيدات لحماس بالمشاركة أيضا في عمليات القتال مباشرة.
وبحسب الناشطة في حماس أم علاء فإن العمليات الاستشهادية كانت مرفوضة لدى قيادة الإخوان المسلمين. لكن الوضع تغير منذ أن بدأت النساء أيضا يقمن في إطار "انتفاضة الأقصى" بعمليات استشهادية في الأعوام الماضية. وكانت دارين أبو عايشة من مدينة نابلس أول استشهادية حمساوية تنضوي تحت راية العمليات "الاستشهادية" للنساء، فقد قامت بعملية فدائية حملت اسم "المسجد الأقصى". وبعد عام واحد فقط وفي يناير/ كانون الثاني من العام  2004، فجرت ريم الرياشي نفسها وقامت بعملية استشهادية باسم حركة حماس.
وحينها قال الشيخ أحمد ياسين "ان عهد جهاد المرأة الفلسطينية قد بدأ".. وهو أراد بذلك أن يوصل رسالة لإسرائيل مفادها "أن نساءنا أيضا قد ينفجرن في وجوهكم". وتضيف أم علاء: "تلعب المرأة في أدبيات حركة حماس، دوراً مساعداً في "الجهاد". وتعتبر مسؤولة عن تربية النشء، وتقوم بدور المساندة والتشجيع".
لم تكن العملية الفدائية لريم الرياشي سوى دافع اكبر لخنساوات فلسطين للسعي الجاد لتشكيل سرايا نسائية للقساميات تشكل بذلك أول سرية عسكرية لقساميات حماس ضمن صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الذراع المسلح  لحماس.
"الانتقاد" اقتحمت مواقع التدريب  لقساميات حماس وتابعت عن كثب التدريبات العسكرية التي يتلقينها، فكان لنا لقاء مع القسامية أم عمارة، هكذا عرفت بنفسها، والتي تولت مسألة اطلاعنا على كل ما يتعلق بالتدريب العسكري لهن.
أم عمارة التي كانت ترتدي ملابس عسكرية وتتمنطق بسلاح من نوع "كلاشنيكوف" وتخفي وجهها بقناع أسود بعد أن عصبت رأسها بعصبة مكتوب عليها: "كتائب الشهيد عز الدين القسام".. قالت "ان ميلاد سرية قسامية جديدة جاء لأننا نعيش مرحلة صعبة وهجمة إسرائيلية تستهدف كل ما هو فلسطيني ضمن مخطط لكسر إرادة المقاومة.. هم لا يفرقون بين رجل أو امرأة أو طفل".
 وأضافت: "نحن قبلنا التحدي ونحن عاشقات الشهادة، لن نضعف ولن نلين.. ومعاناتنا لن تزيدنا إلا صموداً وتحدياً".
موقع التدريب العسكري التابع لهن تواجد فيه عدد من القساميات اللواتي كن يتلقين تدريبات وهن يرتدين ملابس عسكرية مماثلة لزى أم عمارة. كن يجرين تمرينات عسكرية متنوعة نتضمن تمرينات رياضية وعمليات إطلاق نار من مواقع متعددة وهن في أوضاع الوقوف وجالسات أو في وضعية الانبطاح.. إضافة إلى التدريب على فك وتجميع السلاح.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21