ارشيف من : 2005-2008

الاحتلال يبحث عن التهدئة تحت نيران الاغتيال

الاحتلال يبحث عن التهدئة تحت نيران الاغتيال

غزة ـ عماد عيد
تتكرر السياسة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية في كل مرة تبدأ المساعي من اجل التوصل إلى تهدئة شاملة، فتقدم آلة الحرب الصهيونية على ارتكاب جرائم جديدة تتمثل باغتيال كوادر فلسطينية، وكأن الأمر لا يعني العدو الصهيوني. وهو من وراء ذلك يبتغي تحقيق هدفين: أولا التظاهر بأنه لا يستجدي التهدئة برغم انه في حاجة ماسة إليها، وأنه لم يتعب، وثانيا محاولة الجلوس على طاولة المفاوضات بشعور المنتصر وليس الخارج من المعركة مهزوما.. هذا إلى جانب كونه يرسخ معادلة طالما اتبعها، وهي أن المفاوضات شيء والاستمرار في مكافحة ما يسميهم بـ"الإرهابيين" شيء آخر. أي أن العدو يعمد بشكل دائم إلى التفاوض تحت النار التي يطلقها هو.
ويرى المراقبون أن العدو جاء إلى غزة بعملية الشتاء الساخن يريد دفعة معنوية لجيشه الصهيوني بعد الفشل في حرب لبنان وما تمخض عنها من هزائم معنوية ومادية، فلم يحقق الأهداف التي جاء من أجلها، ومُني بهزيمة أخرى، فبدأت الأطراف بالتحرك لتحقيق تهدئة مع المقاومين الفلسطينيين. الأطراف الفلسطينية الأساسية في ساحة المقاومة، وهي حماس والجهاد الإسلامي، قبلت بالتهدئة بشكل متزامن ومتبادل وشامل لإنجاح الجهود المصرية التي طلبتها أساسا الإدارة الأميركية بموافقة الكيان الصهيوني.. وهنا بحسب المراقبين جاءت لعبة الكيان الصهيوني لتحقيق ما أسلفنا ذكره، فبدأ عند إبلاغ الطرف المصري موافقة الفلسطينيين على التهدئة المشروطة، باجتياح شمال الضفة الغربية، وتحديدا جنين وطولكرم، حيث اعتقل العشرات من قادة وأعضاء حركة الجهاد الإسلامي. ولكن الأهم في هذا السياق ربما هو ما وقع في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، والذي تمثل باغتيال كوكبة من أهم المطلوبين للكيان الصهيوني، وعلى رأسهم محمد شحادة القيادي في الجهاد الإسلامي، وثلاثة آخرون ورابع من كتائب الأقصى في عملية خاصة توجت عشرين عاما من المطاردة، كان آخرها التوغل في بيت لحم وهدم منزل شحادة عقب عملية القدس مباشرة، ظنا من العدو أن شحادة داخل المنزل. وبالتوازي مع هذا التصعيد في الضفة الغربية كانت العودة إلى تنفيذ الغارات في قطاع غزة، فقد نفذت الطائرات الصهيونية سلسلة من الغارات أدت إلى استشهاد خمسة من سرايا القدس وسادس من كتائب القسام وإصابة آخرين، دون اللجوء إلى التوغل البري.
وبحسب كثير من المراقبين والمحللين فإن العدو إنما يهدف من وراء ذلك إلى تقليم أظافر الجهاد الإسلامي وإضعاف قوته التي تتنامى في الضفة وغزة على الصعيدين السياسي والعسكري. والغريب أن كل هذا السيناريو يأتي في ظل الحديث عن إمكانية عودة الحوار بين كل من حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية ارتكازا على مبادرة اليمين، وهي المبادرة التي أعلنت السلطة الفلسطينية وفتح موافقتهما عليها بشكل سريع، فيما طلبت حماس بعض الإجابات حول بعض بنودها دون أن ترفضها، وهي المواقف التي اعتبرت مدخلا يمكن البناء عليه. فطارت الوفود إلى العاصمة اليمنية صنعاء وأكدت المنظمة موافقتها على كل بنود المبادرة، فيما قالت حماس بموافقتها على التفاوض حول المبادرة، ومن الممكن بعد اجتماع القيادة اليمنية مع كل طرف على حدة أن يتبعه حوار مع كل طرف عن المبادرة لتقريب وجهات النظر ومعرفة كيفية تطبيقها على الأرض، وإن كانت نظرة كثير من الأوساط والمراقبين ليست متفائلة بشكل كبير حول نتيجة زيارة الوفود إلى اليمن، ذلك أن الاتفاق على التفاصيل وشرح بنود الاتفاقية ووضع آلية لهذا التطبيق والوضع الذي سيتمخض عن هذه الآلية في الأراضي الفلسطينية، وخصوصا قطاع غزة، سيحتاج أولا إلى جهود كبيرة، ودونه عراقيل كبيرة ليس أقلها التدخل الخارجي، وخصوصا من قبل أميركا و"إسرائيل"، وحتى بعض الدول العربية التي ترفض حتى الآن عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه دون إعلان حماس عن التراجع عن الحسم العسكري واعتذارها عن ذلك، وهو الأمر الذي ترفضه حماس وتعتبره مقدمة لخسرانها على الأرض وفي المفاوضات التي ستترتب عن ذلك.
وعلى هذه الخلفية فإن التوتر بقي وسيبقى في غالب الأحيان سيد الموقف في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود معينة، مع الاستمرار في التفاوض حول إمكانية تحقيق تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة، ومع الاستمرار في التفاوض مع المصريين لرفع الحصار وفتح معبر رفح الحدودي والإفراج عن المعتقلين من حماس في السجون المصرية إبان فتح الحدود بين الجانبين.
من جانب آخر نظمت اللجنة الشعبية عددا من التظاهرات ضد الحصار والاستمرار في مفاقمة أزمة الوقود التي تمثلت بقطع البنزين بشكل كامل وتقليص كمية السولار الداخلة إلى القطاع دون المس بكمية الوقود المخصصة لمحطة توليد الكهرباء، وهو أمر دفع بأصحاب السيارات التي تعمل على البنزين إلى التوقف بشكل كامل، والبعض للضرورة القصوى فقط، فيما الآلاف من المواطنين اصطفوا في طوابير على مداخل محطات الوقود ساعات طويلة بعد انتشار أخبار مفادها أن كميات لا بأس بها من البنزين والسولار ستدخل وتوزع على المحطات.. لكن ذلك لم يتحقق، فقد فرض الكيان الصهيوني إغلاقا شاملا على الأراضي الفلسطينية بحجة أربعين القائد الجهادي الكبير عماد مغنية "الحاج رضوان".. فيما المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني استؤنفت وإن بشكل غير رسمي، وذلك بطلب من الادارة الأميركية والوفود الدولية التي جاءت إلى المنطقة لدعم "إسرائيل" والحفاظ على أمنها، والإبقاء على شعرة المفاوضات بين الطرفين، فيما الأوضاع تراوح مكانها في الأراضي الفلسطينية.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21