ارشيف من : 2005-2008

لا حلول ترتجى حتى الآن: الانتظار سيد الموقف

لا حلول ترتجى حتى الآن: الانتظار سيد الموقف

كتب مصطفى الحاج علي

خذوا أسرارهم من صبيانهم، هذا إذا كان هناك بعد ثمة أسرار، وصبيان الوصاية الأميركية يعزفون على وترين: الأول يتصل بالقمة العربية المزمع عقدها أواخر الشهر الجاري في دمشق، والثاني يتصل بالأزمة الداخلية بين المعارضة والموالاة.
في ما يخص القمة العربية يمارس فريق السلطة تكتيك توزيع الأدوار، فمنهم كجعجع وجنبلاط، من يرفض رفضاً مطلقاً مجرد فكرة المشاركة وصولاً إلى اتهام من يقوم بها بالخيانة، ومنهم من يرى ضرورة عدم المقاطعة بالمطلق، والمشاركة بمستوى تمثيل ضعيف، ومنهم من يرى عدم استعجال الموقف، وتعليقه إلى الخامس والعشرين من هذا الشهر.
هذه المواقف هي مرآة لمواقف كل من واشنطن وعربها في المنطقة، وليست، بالتالي، إلا ترداداً وصدى لها. فـ"ساترفيلد" أعلن صراحة أن واشنطن ضد المشاركة العربية في دمشق، وربط هذا الأمر بالموقف السوري من الأزمة اللبنانية، أما أركان عرب أميركا في المنطقة، فهم وإن حسموا، أو كادوا، مبدأ مشاركتهم في القمة، إلا أنهم علّقوا مستوى مشاركتهم على الموقف السوري أيضاً من الأزمة اللبنانية.
وإذا أضفنا إلى ما تقدم ما تناقلته وسائل الإعلام عن نصيحة عربية قدمت إلى فريق السلطة تحضه فيها على المشاركة، واستغلال المناسبة للهجوم على دمشق في عقر دارها، يمكننا تلمس ما يلي:
أولاً: إن مجمل المواقف السابقة لها وظيفة محددة هي الضغط على دمشق لتليين موقفها من الأزمة اللبنانية، وتسهيل الحل الذي يراه فريق السلطة ملائماً لمصالحه. بكلمة أخرى، يعمل أولئك على الضغط على دمشق لدفعها لتضغط على المعارضة، وصولاً إلى انجاز تسوية لمصلحة هذا الفريق.
ثانياً: إن إبقاء الصراخ عالياً في ما له صلة بالملف اللبناني له وظيفة أساسية هي إبقاؤه بنداً أساسياً على جدول أعمال القمة لتحقيق جملة أهداف:
أ ـ مساواة الملف اللبناني بالملف الفلسطيني، باعتبار أن الأول من شأنه أن يوفّر مادة رئيسية للهجوم على دمشق، في حين أن الثاني من شأنه أن يوفر مادة ضاغطة للهجوم على عرب أميركا المستعجلين دفن القضية الفلسطينية بالمجان.. وبالتالي العمل على إجراء نوع من المقايضة في تخريج المواقف النهائية، على قاعدة أن ما يخضع له الملف اللبناني يخضع له الملف الفلسطيني.
ب ـ الاستفادة من مناسبة القمة نفسها لتجميع كل أوراق الضغط فيها دفعة واحدة على دمشق، عسى أن يؤدي ذلك إلى انتاج تسوية اللحظة الأخيرة، ولا سيما أن كل ما يمكن الاستعانة به من أدوات ضغط جرى تحضيره والاتيان به على عجل: الموقف الأميركي، موقف سولانا، موقف بان كي مون، ورقة المحكمة ذات الطابع الدولي (أنظر المقابلة المشبوهة في توقيتها مع ديتليف ميليس)، التلويح بالضغوط الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وآخرها التلويح بخطوات من طرف واحد.
ج ـ تحويل الملف اللبناني إلى قنبلة موقوتة يؤدي استمرار الخلاف حولها إلى تفجير القمة وإفشالها، والإساءة إلى صورة الدولة المضيفة معنوياً وسياسياً، ولا سيما أنها ستكون رئيسة مؤسسة القمة لعام كامل.
وأما في ما يخص تهديد فريق السلطة باللجوء مجدداً إلى خيارات استفزازية، ومن طرف واحد، كاللجوء إلى خيار النصف زائد واحد، أو خيار ترميم وتفعيل حكومة السنيورة، فيمكن ادراجها في سياق الدلالات والأبعاد التالية.
ـ إن الأمر لا يعدو أكثر من عملية تهويل وضغط يراد منه محاصرة المعارضة بين خيارين: إما قبول ما يعرض عليها، والتخلي ـ بالتالي ـ عن فكرة المشاركة كما تطرحها، وإما اللجوء إلى خيار من طرف واحد، والأرجح أنه خيار ترميم وتوسيع وتفعيل حكومة السنيورة.
 ومن الواضح، أنه في حال لجوء هذا الفريق إلى خيار استفزازي من هذا النوع لن تقف المعارضة مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج ازاءه، وبالتالي فقد يكون في حسابات هذا الفريق أحد أمرين:
إما دفع البلاد إلى مرحلة جديدة من التصعيد، لاستدراج المزيد من التدخل الدولي، وذلك على حساب المبادرة العربية، ولا سيما أن أطرافاً رئيسية سارعت منذ الآن إلى دفنها عبر المطالبة بتغييرها وصياغة مبادرة جديدة تضم نقاطاً هي من شأن حكومة الوحدة الوطنية، لا من شأن مبادرة سياسية، كما أن أطرافاً دولية أخذت تشيع منذ مدة بأن التدويل ينتظر فشل المبادرة، وثمة من يعمل حالياً على الترويج لفكرة مؤتمر دولي حول لبنان.
وإما أن هذا الفريق يراهن على شبكة أمان توفرها له جملة التهديدات والرسائل الأميركية والاسرائيلية، والتي كان إرسال المدمرة كول وما بعدها هو أحد بواكيرها.
وما لا يمكن اسقاطه من الاحتمال هنا، أن هذا الفريق ـ ونظراً لسوابقه ـ يريد وضع لبنان على سكة التصعيد ليتزامن مع تصعيد ما في المنطقة يراهن عليه منذ مدة.
وفي مطلق الأحوال، يعمل فريق السلطة على ترسيخ مناخ بأن مرحلة ما بعد القمة هي غيرها، في الوقت الذي تعمل فيه مجمل القوى السياسية على إعادة تنظيم نفسها، وترتيب أوضاعها الداخلية، استعداداً لما هو آت. ويبقى أن مجمل ظواهر الأمور، وبالرغم من كثرة الاتصالات والتحركات الدولية والعربية والداخلية، تشير إلى أن لا حلول ترتجى قريباً، وأن لبنان ـ كما المنطقة ـ ما زال يمر في مرحلة من الانتظار الصعب المفتوح على احتمالات شتى، يبدو أن معالمها النهائية لن تتحدد قبل حزيران المقبل، وذلك لتقطيع محطة الاحتفال  بالذكرى الستين لقيام الكيان الصهيوني بهدوء، ولتبين واشنطن خياراتها النهائية.
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008

2008-03-21