ارشيف من : 2005-2008
تصحيح الأجور: ضرورة لنهوض الاقتصاد الوطني
من المؤكد أن الظرف السياسي الذي يمرّ فيه لبنان لا يشكّل عاملاً مساعداً لطرح قضية تصحيح الاجور او زيادة الحد الأدنى. فالتأزم السياسي يترك آثاره السلبية في العلاقات بين أطراف الإنتاج الثلاثة المعنية بقضية الأجور، فكيف ونحن أمام انقسامٍ سياسيّ حاد انعكس انقساماً داخل النقابات والمؤسسات الانتاجية ومؤسسات الدولة دون استثناء.
الا أن هذا الواقع الصعب لا ينفي حقيقة أن الوضع المعيشي في لبنان هو تجسيد للمقولة الشهيرة: الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً.
نعم الفقراء في لبنان يزدادون فقراً.. وإليكم بعض المؤشرات:
- لقد أكل الغلاء والتضخّم المتراكمان منذ العام 1996 حتى اليوم أكثر من نصف المداخيل الأسرية. كما تراجعت فرص العمل وتزايدت البطالة والهجرة. أما القدرة الشرائية فقد تراجعت أيضاً ما بين 11% و15% خلال الفصل الاخير من العام 2007، وفاقت نسبة التضخّم الـ7% في العام 2007.
هذا والحدّ الادنى للأجور في لبنان لا يتخطّى (200) دولار، في حين قدّرت دراسات أن الأسرة المكوّنة من (5) أفراد تحتاج الى ألف دولار لتغطية أكلاف معيشتها. وما زاد الطين بلّة وكدليل على حالة الانفصام عن الواقع التي تصيب القيّمين على القرار الاقتصادي في لبنان، فقد تعهّد الفريق الحاكم في ورقة "باريس 3" بخفض رواتب القطاع العام من الناتج المحلّي بمعدّل نقطتين مئويّتين في غضون (5) سنوات، مع العلم أن كلفة تصحيح الاجور للعاملين في لبنان ويقدّر عددهم بمليون عامل، لا تصل الى 220 مليار ليرة.
عذر أقبح من ذنب
أما حجج الدولة فهي عجز المالية العامة والكساد الاقتصادي اللذان لم تتّخذ الحكومات المتعاقبة أي إجراءات جدية وعلمية لمعالجتهما، إضافة الى حجة تأثير رفع الأجور في الضمان وفي بدلات الايجار القديمة المرتبطة بزيادة الأجور. كما تتبنّى الحكومة مقولة أن هدف تجميد الأجور هو مساعدة المؤسسات الانتاجية على تخفيض أكلافها وتحسين قدراتها التنافسية. ونشير هنا إلى ان أصحاب المؤسسات وتحديداً الصناعية، يرون أن مسؤولية دعم الصناعة المحلية هي من اختصاص الدولة، خاصة في وجه الواردات التي تحظى بدعمٍ في بلدان المنشأ. كما أن من واجب الدولة العمل المستمرّ على خفض كلفة الانتاج التي تعتبر الأعلى في المنطقة. ومع ذلك فإن أصحاب العمل والمؤسسات ـ بعد سلسلة اجتماعات مع الشركاء في الانتاج ضمن لجنة المؤشر، وهي هيئة تضم ممثّلين عن الدولة والعمّال وأصحاب العمل ـ أبدوا استعدادهم لرفع الحدّ الأدنى للأجور الى حوالى (300) دولار دون إقرار أي زيادة على شطور الأجر الأخرى التي يجب أن تبقى في اطار امكانات كل مؤسسة وعلاقتها مع موظّفيها. الا أن الاتحاد العمالي العام يطالب بتصحيح بنسبة لا تقلّ عن 60%، وهو ما ترفضه الدولة وأصحاب العمل.
أما السيناريوهات التي تُتداول حول تصحيح الاجور، فيمكن تلخيصها بالعرضين التاليين:
أولاً: تُصحح الأجور بنسبة تتراوح بين (5) و (15)%، على أن تشمل الأجراء غير المستفيدين من أي زيادة على أجورهم منذ عام 1997. وإذا كانت نسبة الاستفادة أقلّ من النسب المقررة تُحسب زيادة بقيمة الفارق فقط.
ثانياً: إعطاء زيادة من خارج الأجر عبر تحويل بدل النقل الممنوح حالياً للمستخدمين بقيمة (6) آلاف عن كل يوم عمل فعلي الى بدل نقل وغلاء معيشة وزيادة بقيمة (12) ألف ليرة، وهو ما يعني (100) دولار أميركي إضافية كمبلغ مقطوع على مداخيل الأجور. ويعتبر هذا الطرح التفافاً على مطلب تصحيح الأجور، فما الفائدة من زيادة الأجر مترافقاً مع خفض التقديمات الأساسية الملحقة بالأجر؟!
إن تصحيح الأجور هو واجب الدولة والمؤسسات، وهو حق للعمّال، وهو الخطوة الاولى للوصول الى حدّ أدنى من العدالة في توزيع المداخيل، وهذا يحتاج الى دراسات وحوارات عميقة من قبل المعنيين وأهل الاختصاص لينعم العامل في هذا البلد بالحدّ الأدنى من الكرامة.
بثينة عليق
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008