ارشيف من : 2005-2008
ما هو سر الفيتو الأميركي الدائم على الحلول في لبنان؟
ينقل دبلوماسيون وسياسيون عرب زاروا واشنطن مؤخراً أن صقور المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية يصرون على استراتيجيتهم تجاه لبنان لجهة الاستمرار في تعطيل أي حل أو تسوية تحقق للمعارضة شراكة حقيقية في الحكم إلى جانب فريق السلطة. وينقل هؤلاء انطباعاً عن بعض من التقوهم، ان الادارة الاميركية "لا تزال تحت تأثير الصدمة" التي تسبب بها الانتصار التاريخي الذي حققه حزب الله على الكيان الصهيوني في حرب تموز عام ألفين وستة، وهو الانتصار الذي عطّل اندفاعة المشروع الاميركي في المنطقة بأكملها. وتنقل المصادر عن صقور المحافظين أن قناعة باتت راسخة لديهم تتمثل بالعجز عن تحقيق أي انتصار على حزب الله من خلال عدوان صهيوني، وأن كل شيء كان يعد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جمهوره في الصراع مع الكيان الصهيوني أثبت فيه مصداقية لا لبس فيها، وهو عندما وعد بالانتصار تحقق ذلك.. وبناءً عليه يرى الاميركيون أن هذه المصداقية العالية للسيد نصر الله جعلت جمهور المقاومة يلتصق أكثر فأكثر بحزب الله وطروحاته وخياراته ضد العدو. والنتيجة بحسب الاميركيين لا يمكن فصل هذا الجمهور عن حزب الله في ما خصّ مشروع المقاومة ضد الاحتلال. وتتابع المصادر العربية التي زارت واشنطن، أنه أمام هذا الحائط المسدود للنيل من حزب الله عبر الجبهة الجنوبية، فإن المشروع الآخر الذي يعمل عليه الاميركيون هو مواجهة حزب الله من خلال الداخل والسعي لتعطيل تسوية يمكن أن تحقق مكسباً سياسياً للحزب وتعطيه مصداقية اضافية أمام جمهوره.. وهم يقولون ان أي شيء يعد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جمهوره بتحقيقه على الساحة الداخلية سنمنع تحقيقه بأي ثمن بهدف النيل من مصداقية حزب الله، وذلك في محاولة للفصل بين القيادة وجمهورها والإيحاء لهذا الجمهور بأن وعود حزب الله له في الداخل لا تتحقق، ما يؤدي إلى إيجاد شرخ بين الجانبين بحسب الأمنيّة الأميركية. وهنا تلفت المصادر إلى أن هذا المشروع الأميركي المعمول به إلى الآن، والذي سيستمر في المرحلة المقبلة، هو الذي يفسّر "الفيتو" الاميركي المتواصل على جميع المبادرات والجهود العربية والأوروبية الهادفة لحل الأزمة في لبنان، والتي يمكن أن تنتج تسوية تحقق مكسباً للمعارضة. وتستند واشنطن في هذا التعطيل إلى أدواتها المحلية المتمثلة بفريق السلطة الذي انخرط بالكامل في المشروع الأميركي في المنطقة، وهو ما عبّرت عنه الوثيقة السياسية الأخيرة التي أطلقها في البيان، والتي "أعلن فيها انتسابه الرسمي إلى المشروع الأميركي في المنطقة".
"سجال القمة"
على أن عدة الشغل الأميركي على توتير الساحة الداخلية حالياً وتعطيل الحلول تسير على خطين:
الأول يتعلق بملف القمة العربية المقرر عقدها نهاية الشهر الحالي في دمشق، حيث كان موقف الإدارة الاميركية واضحاً في دعوة الأنظمة العربية التي تدور في فلكها إلى مقاطعة قمة دمشق، ومن ضمن هذه الأنظمة فريق السلطة في لبنان. وفي هذا السياق توزع فريق السلطة حالياً بين "متحمس" للمقاطعة مستجيباً للموقف الأميركي بشكل تلقائي وسريع، وهو ما عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الموجود في واشنطن، وبين "متريث" بانتظار اتضاح صورة الموقفين السعودي والمصري، وهو ما ذهب اليه تيار المستقبل.. ولذلك عمدت الحكومة اللاشرعية برئاسة فؤاد السنيورة إلى إرجاء قرارها بشأن المشاركة أو عدمها إلى جلسة تعقدها مساء الثلاثاء القادم.
بالمقابل فإن المعارضة ترى أنه سيكون تمثيل لبنان منقوصاً إذا شاركت حكومة السنيورة بغض النظر عن مستوى التمثيل، وترى أن تتمثل هي بوفد منها لإيصال وجهة نظرها إلى القادة العرب. أما إذا قاطعت حكومة السنيورة بالكامل فإن بعض أقطاب المعارضة يشددون على ضرورة عدم غياب لبنان عن القمة العربية، ويشددون على أن يكون هناك حضور من خلال وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، وهو الرأي الذي يدعو اليه الرئيس عمر كرامي.
"مغامرة الترميم"
أما الخط الآخر الذي يعمل عليه الأميركي على الساحة المحلية فهو محاولة تعويم حكومة السنيورة اللاشرعية من خلال ما يسمى ترميمها عبر خيارات عدة، منها تعيين وزيرين مكان الوزير الراحل بيار الجميل والوزير المستقيل يعقوب الصراف. وربما تصل الأمور إلى تعيين وزراء شيعة في سياق دفع البلد نحو المجهول. وربما لهذه الغاية جاءت دعوة القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون لبعض الشخصيات الشيعية الهامشية إلى اللقاء بها في مقر السفارة الأميركية في عوكر. بالمقابل فإن المعارضة حذرت فريق السلطة من هذه المغامرة الجديدة، وهي تؤكد "ان تعطيل فريق السلطة للمبادرة العربية وإقفال كل أبواب الشراكة المطلوبة لإنجاز التسوية في لبنان، هو تصعيد خطير للأزمة سوف يرتد على أصحابه ومن يقف وراءهم. وأن التفكير باللجوء إلى ترجمة هذا التصعيد في الموقف عبر انتخاب أحادي لرئيس الجمهورية أو عبر ما يسمونه ترميم الوضع الحكومي بعدما سقطت كل شرعية له، هو دفع جنوني للبلاد نحو الهاوية وقطع نهائي للطرق أمام أي تسوية أو مبادرة. وسيتحمل فريق السلطة كل تداعيات هذا الجنوح". وهو ما عبّر عنه بيان كتلة الوفاء للمقاومة التي عقدت اجتماعها الأسبوعي أمس الأول في مقر المجلس النيابي برئاسة النائب محمد رعد.
وترافق هذا التصعيد السلطوي المدعوم أميركياً مع التحضيرات التي بدأها ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن لعقد اجتماع دولي في باريس بهدف تدويل الأزمة في لبنان، وتحميل المعارضة وسوريا مسؤولية عرقلة الحلول. وهو ما ترد عليه المعارضة بأن معرقل الحلول هو الاميركي الذي عطّل جميع المبادرات من خلال فريق السلطة في لبنان.
المصادر المتابعة لا تتوقع تطورات استثنائية قبل القمة العربية، حيث تشير التوقعات إلى تأجيل جديد للجلسة الرئاسية المقررة الثلاثاء المقبل في الخامس والعشرين من الشهر الحالي إلى شهر نيسان المقبل، على أن تستعد القوى المتخاصمة لمواجهة مرحلة جديدة بعد انتهاء القمة العربية في دمشق.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008