ارشيف من : 2005-2008

سعي أميركي لترميم الحكومة الهشة ولتدعيم فريق السلطة بـ"بلوك" "شيعي": الموالاة منقسمة.. وما بعد القمة قانون الانتخاب

سعي أميركي لترميم الحكومة الهشة ولتدعيم فريق السلطة بـ"بلوك" "شيعي": الموالاة منقسمة.. وما بعد القمة قانون الانتخاب

قبل قمة دمشق وما بعدها لا مناص من اعتراف قوى السلطة بأزمتها الداخلية.
أزمة السلطة بدأت بعد استقالة وزراء يمثلون الطائفة الشيعية منها، وانهيار الثلث الضامن في حكومة السنيورة الذي أنتجه التحالف الرباعي عشية آخر انتخابات برلمانية.
أخيراً اعترفت قوى السلطة بالصدع الكبير في الحكومة بعد سنة ونصف السنة تقريباً من اللادستورية في الحكم، واللاشرعية في القرارات، واللاميثاقية في الاستمرار، وفَكرت أخيراً في ترميم مجلس الوزراء لأهداف عدة أبرزها:
1 ـ ترميم النصاب القانوني للحكومة خشية سقوطها بالثلث المُعطل في حال قرر أحد الوزراء الانتقال من صف الموالاة الى المعارضة أو تعرض أحدهم لحادث أو مرض أو اغتيال.
ويعتقد فريق السلطة ان المحافظة على الشكل القانوني للحكومة يعتبر من أولويات استمرار الحكومة على قيد السلطة أطول فترة ممكنة.
2 ـ تأكيد الحضور المسيحي في الحكومة بعد استقالة الوزير يعقوب الصراف واغتيال الوزير بيار الجميل. اذ ترى قوى السلطة ان تفعيل التمثيل المسيحي في الحكومة من شأنه رفع الحرج عن الفريق المسيحي في تجمع قوى السلطة، والتخلص من عقدة الزعامة السنية لقوى فريق السلطة، التي حاول النائب سعد الحريري فكّها من خلال اشراك الرئيس أمين الجميل في حوار الموالاة والمعارضة برعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية في مجلس النواب، للتوافق حول تطبيق المبادرة العربية.
3 ـ الاعتقاد بأن خطوة من هذا النوع تكسب مجلس الوزراء جرعة قد تكون كافية لمنح الحكومة الشرعية المفقودة والميثاقية الدستورية المخروقة، بهدف تمكينها من اتخاذ قرارات سياسية وإدارية مهمة، وبالتالي الاندفاع مجدداً في الاستفراد في ادارة شؤون الدولة على المستويات كافة، بغض النظر عن اعتراضات المعارضة الوطنية والنتائج المترتبة على ذلك.
وتعتقد قوى السلطة ان الترميم ليست عملية جراحية بسيطة، انما تحتاج بدورها الى توافق سياسي. وهي لن تتمكن من تجاوز التيارات السياسية المنضوية في كنفها بالدرجة الأولى، وخصوصاً موقف البطرك الماروني مار نصر الله صفير الذي عاد وأكد أمام انه يؤيد ممارسة الحكومة الموجودة دورها في تسيير شؤون العامة، من دون ان يعني ذلك موافقته على اجراء تعديلات في صفوفها. ورأت بكركي ان على اللبنانيين الاتفاق على ترميم قانون الستين من أجل الانتخابات المقبلة.
وبرز أيضاً اعتراض حزب الكتائب على الترميم هكذا، لمجرد تجاوز موعد انتخاب رئيس الجمهورية المحدد قبل القمة العربية في دمشق، ووضع الحزب أجندة سياسية تقوم على اعطاء الأولوية للمبادرة العربية قبل ترميم الحكومة أو اللجوء الى خيار النصف زائداً واحداً.
وبحسب المعلومات المتداولة فإن تيار المستقبل يدفع نحو الترميم بدعم كبير من النائب وليد جنبلاط، وذلك بهدف اعادة المعارضة الى نقطة الصفر بعدما تمكنت من تقطيع الوقت لتصل ما كانت اقترحته سابقاً، وهو اجراء الانتخابات البرلمانية في ربيع العام المقبل. وتعتقد أوساط جنبلاط ان المعارضة حققت نتائج سياسية بالغة الأهمية وتمكنت من ترميم الوقت المستقطع بتشكيل تيار سني معارض لتيار المستقبل لم يكن متوافراً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن المتوقع ان ينمو هذا التيار ليحصد رزمة من التمثيل السني في البرلمان المقبل لمصلحة المعارضة.
كذلك فإن المعارضة أعطت التيار الوطني الوقت الكافي لتنظيم تياره وتعزيز شعبيته، بحيث بات أكثر قوة من اليوم الذي عاد فيه الجنرال عون الى لبنان من المنفى الباريسي. وشكلت الانتخابات الفرعية في المتن مؤشراً الى نفوذ التيار في معاقل نفوذ الخصم السياسي.
وبفضل هذه القراءة التي رأت في صلابة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر حجر عثرة أمام محاولات إنتاج اصطفاف  طائفي يخدم مشروع التقسيم والتوطين، تدرس قوى السلطة فكرة ترميم الحكومة في أقرب فرصة ممكنة من أجل الشروع فوراً بالتحضير للانتخابات النيابية المقبلة وفقاً لقانون الألفين في أحسن الأحوال، اذا لم يُتفق على قانون جديد غير قانون العام ستين.
وبغض النظر عن الأهداف، فإن التوجه نحو الترميم قد لا يحتاج الى توافق، لكنه يوفر ذرائع للمعارضة لاختيار الرد المناسب على مستوى الترميم.
فإذا اقتصر الترميم على تعيين بديل عن الوزير الراحل بيار الجميل فإن المعارضة لن تتجه الى تصعيد سياسي كبير، لأن الخطوة لا تستأهل الرد.. ويمكن ان تتجاهل المعارضة الرد حتى لو شمل الترميم تعيين بدل عن الوزير المسيحي المستقيل.
لكن إذ شمل الترميم تعيين وزراء شيعة، فإن المعارضة لن تقف "متفرجة"، فهذه الخطوة تفترض قبول استقالة الوزراء الشيعة أولاً، ومن ثم اختيار بدلاء عنهم، ومثل هذا القرار يعني فتح مواجهة مع الشيعة، خصوصاً بعد تداول معلومات عن خطط أعدتها السفارة الأميركية في بيروت لتشكيل تيار ثالث في الشيعة مخالف لحركة أمل وحزب الله، ويقبل بالإملاءات الأميركية وينتظم في قوى السلطة التي تفتقد التمثيل الشيعي، على عكس حال المعارضة المكتملة التمثيل.
وفي سياق الترميم الحكومي أيضاً، فإن المعارضة تقرأ فيه رفضاً للمبادرة العربية أو هروباً من التوافق على السلة المتكاملة، ولا سيما القانون الانتخابي، وتأمين المشاركة الفعلية للمعارضة في التركيبة الحكومية المقبلة.. وهو في كل الأحوال يأتي منسجماً مع الموقف الأميركي الرافض للمبادرة العربية والساعي الى خلق واقع لبناني يساهم في مخاض الشرق الأوسط الجديد.
فهل يمر الترميم بناءً على الرغبة الأميركية؟
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008


2008-03-28