ارشيف من : 2005-2008

قرار حكومة السنيورة مقاطعة قمة دمشق: تأكيد أن فريق الموالاة يعمل لإطالة عمر الأزمة

قرار حكومة السنيورة مقاطعة قمة دمشق: تأكيد أن فريق الموالاة يعمل لإطالة عمر الأزمة

كما كان متوقعاً في أوسع الأوساط السياسية، أخذت حكومة فؤاد السنيورة اللاشرعية قراراً بمقاطعة القمة العربية في دمشق.
الذريعة المعلنة لهذا القرار هي "اتهام سوريا بأنها تعطل انتخاب رئيس لبنان، واستهداف المبادرة العربية".

وكلام حكومة السنيورة هو بطبيعة الحال "خروج عن الموضوع" ومحاولة بينة لمجاراة بعض العواصم التي أخذت قراراً ضمنياً منذ زمن بعيد بالحيلولة دون توفير مقومات نجاح هذه القمة، بعدما أخفقت هذه العواصم في الضغط على دمشق وابتزازها سياسياً عبر الربط بين إنجاح القمة التي ستترأسها سوريا حكماً وملف الأزمة في لبنان، بحيث توضع دمشق أمام خيار "التنازل" في لبنان والضغط على حلفائها لإمرار صفقة سياسية يدرك القاضي والداني أن فريق المعارضة الذي يمثل أكثر من نصف الشعب اللبناني يرفضها رفضاً مطلقاً. وإذا كان السنيورة وحكومته يؤكدان عبر قرار مقاطعة القمة طلب الانتساب والانضمام إلى محور سياسي عربي أخذ على عاتقه مهمة حصار سوريا وخيار الممانعة، فالأكيد أن التبريرات التي تسوقها حكومة السنيورة وتقدمها على أساس أنها موانع المشاركة في القمة ليست مقنعة أبداً. فاتهام سوريا بتعطيل خطوة انتخاب رئيس للبنان أمر غير صحيح اطلاقاً، وفيه تغييب تام لواقع سياسي لبناني يعرف تفاصيله القاصي والداني، فالأزمة السياسية في لبنان تعود إلى مرحلة ما قبل بلوغ استحقاق الانتخابات الرئاسية، بنحو خمسة أشهر.
 ولم يعد خافياً أن أزمة شغور الرئاسة الأولى في لبنان هي وجه واحد من وجوه الأزمة اللبنانية التي قاربت باعتراف الجميع حد الاستعصاء على الحل. أما الوجوه والجوانب الأخرى لهذه الأزمة فعديدة، بدءاً من مسألة إلحاح المعارضة على المشاركة في قرار الحكم في لبنان بما يتناسب مع حضورها النيابي والشعبي، مروراً بأزمة هوية لبنان وصعوداً إلى مواضيع أخرى تتصل برفض فريق لبناني كبير مسألة استئثار فريق آخر بمقاليد الحكم، لا سيما  بعدما خرج هذا الفريق على أصول التحالفات السياسية التي انعقدت سابقاً، بعدما "اشترى" هذا الفريق ذمم ثلاثة وزراء فأفقد فريق المعارضة ورئاسة الجمهورية سابقاً الثلث الضامن.
تلك هي بإيجاز جذور الأزمة السياسية في لبنان التي يقتصر الفريق الحاكم عليها ليقدم صورة أخرى مغايرة تماماً، فحواها أن أمر الأزمة ليس أمراً داخلياً، بل هو نتيجة الموقف السوري.
ولم يعد سراً القول ان محاولة فريق السلطة في لبنان "تجهيل الفاعل" في المأزق القائم وتقديم قراءة مزيفة لواقع الأزمة اللبنانية، أمر ليس بالجديد. فمنذ البداية سعى هذا الفريق بخبث واضح إلى تصوير الصراع في لبنان على أنه ناجم عن هجمة سماها "المحور السوري ـ الإيراني" على لبنان، وهو بذلك يعمي عينيه عن حجم المعارضة المليوني، وهو ما ثبت بعد أن نزلت هذه المعارضة مرتين إلى الشارع قبل أن تشرع في اعتصامها المديد في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط العاصمة. وكان واضحاً أن هذا الفريق يحاول عبر اختراع هذه الكذبة وصرف الجهود بغية ترويجها، تقديم نفسه أنه الضحية، وليبرز في الوقت نفسه ارتباطه العضوي بالمحور الغربي، وليقدم نفسه خادماً وأداة لهذا المحور ولسياسته في المنطقة، الرامية أولاً وأخيراً إلى تكريس ما صار يعرف "بالشرق الأوسط" الجديد، وهو المحور الذي اختار من الساحة اللبنانية منصة انطلاق له ليبرر خسائره وتخبطاته في المنطقة، وخصوصاً في العراق وفي فلسطين. وعليه فقد عاش هذا الفريق طول الفترة الماضية على "وهم" الدعم الغربي وخصوصاً الاميركيـ وعلى وهم دعم بعض العواصم العربية التي تريد أن تصفي بكل صفاقة حساباتها مع دمشق ومع قوى الممانعة والمقاومة الأخرى.
كذلك لم يعد سراً أن هذا الفريق بعدما عجز بشكل كلي عن فرض واقع سياسي يثبت أنه صاحب القدرة على الحل والربط في لبنان، وبعدما عجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، زاد من رهاناته على الدعم الخارجي وعيّش جمهوره على أحلام "قرب قيام واشنطن و"اسرائيل" بتوجيه ضربات لـ"حزب الله" وسوريا والجمهورية الاسلامية في ايران.
ولما أخفقت هذه الرهانات واستحالت سراباً، زاد هذا الفريق من منسوب ارتباطه بالمحاور العربية، فحرص على أن يميل معها كيفما مالت، وينتظر إشارتها ليسير في الطريق الذي يُرسم له. وهكذا عندما وجد هذا الفريق أن المحور العربي الذي آثر أن ينتمي اليه ويصير طوع بنانه ومن مصلحته محاربة القمة العربية والضغط على سوريا عبر هذه القمة، أصدر قراره بمقاطعة هذه القمة في سابقة هي الأولى من نوعها، وفي خطوة يدرك تمام الإدراك أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تخدم لا توجهاته ولا مسألة حل الأزمة اللبنانية، هذا على فرض انه راغب بإيجاد الحل المنطقي والمعقول لها.
وفي قرار المقاطعة أيضاً استجابة جلية التوجهات الاميركية الصريحة بالعمل على عدم انجاح قمة دمشق انطلاقاً من أمرين: الأول إنهاء كل ما له علاقة بالعمل العربي المشترك وإفقاده أي هالة ممكنة، لكي لا يصير في المستقبل مؤسسة قائمة على الدوام. والثاني معاقبة سوريا على كل مواقفها الممانعة.
وفي كل الأحوال، وإن كان قرار مقاطعة القمة هو باعتراف الجميع واحدة من الخطايا الكبرى التي أدمن الفريق المتسلط في لبنان على ارتكابها، فإنه في الوقت عينه قرار بإدامة "حربه المفتوحة" مع دمشق وانخراطه في محاور الصراعات العربية ـ العربية. وهو أولاً وأخيراً تجسيد لما يقوله أركان المعارضة دوماً، من أن هذا الفريق همه الأساس هو إطالة عمر الأزمة اللبنانية، لأن ذلك من شأنه إطالة عمر حكومة السنيورة الطيّعة باليد الاميركية.
إبراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008


2008-03-28