ارشيف من : 2005-2008

زيارة تشيني تنتهي بالعلن وتستمر بالسر

زيارة تشيني تنتهي بالعلن وتستمر بالسر

لماذا هذه الزيارات المكثفة للمسؤولين الاميركيين الى المنطقة؟ وهل العناوين المصرح بها هي الموضوعات الحقيقية التي يناقشونها، ام انها مجرد روتين اعلامي تقليدي يعتمد في هكذا زيارات من اجل صرف الانظار عن الموضوعات الحقيقية التي تتم الزيارات من اجلها، فضلا عن الاجتماعات غير المعلنة التي تعقد وتبقى سرية قبل ان يكشف امرها لاحقاً عندما لا تعود سراً؟
فنائب الرئيس الاميركي ديك تشيني وهو يغادر عائدا الى بلاده في ختام جولة اقليمية استمرت تسعة أيام اعلن ان وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ستزور المنطقة هذا الاسبوع (يوم غد السبت) لمتابعة الملف الفلسطيني الاسرائيلي، وهو عنوان حمله معه تشيني لكن كان في مؤخرة جدول اعماله، بسبب اولويات الموضوعات الاخرى التي ناقشها. وبالتالي فإن السؤال الاضافي هو ماذا يمكن ان تفعل رايس على هذا المسار في ظل التقديرات الاسرائيلية والاميركية باستحالة تحقيق اي انجاز قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش كما اعلن في مؤتمر انابوليس.
وبالتالي يصبح البحث عن الخلفيات الأخرى لزيارة رايس بعد مغادرة تشيني أمرا ضرورياً، ولا سيما اذا أدرجت في سياق تقصي الامور والبحث عن الخيارات قبل ان يغادر بوش وفريقه البيت الابيض بعد نحو ثمانية اشهر، وما يمكن ان يفعلوه في الملفات الاكثر حساسية وخطورة، وهي ايران وتهديدها الوجودي لـ"إسرائيل"، والاستراتيجي للمصالح الاميركية، والعراق الذي غرقت فيه الولايات المتحدة وباتت هيبتها رهن كيفية انقاذ نفسها من هذا المأزق، ثم افغانستان، البلد الذي يدخل عامه السابع تحت الاحتلال دون ان تقضي واشنطن بالكامل على طالبان وبقايا تنظيم القاعدة، اللذين عادا للتحرك بقوة في هذا البلد.
واذا كان الخطر الايراني يشتغل على الجبهات الثلاث هذه كما يقول الاميركيون فإنه في تصنيفهم الاستراتيجي الراهن يتصل بالاخطار الاخرى المتمثلة بحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية في الاراضي المحتلة، الى درجة القول مؤخراً ان ايران اصبحت تعمل على الحدود الجنوبية لفلسطين، اي غزة، وبالتالي فإن مضاعفة فعالية هذا الخطر تكمن في تعدد جبهاته فضلاً عن تزايد امكانياتيه وتوظيفها بطريقة أكثر تأثيراً على ما يقولون.
على ان المعطى الموازي الذي يعمّق المأزق الاميركي هو المتعلق بالجبهة الداخلية، المتوزعة على خطين: الاول، خطر دخول الاقتصاد الاميركي في مرحلة انكماش بفعل ارتفاع اسعار النفط وتراجع سعر صرف الدولار، بعدما بلغت اسعار النفط مئة وعشرة دولارات، وهو ما كان مدار بحث مع القيادة السعودية القوة النفطية الاولى في العالم، لمعرفة كيفية مساهمتها في ضبط اسعار النفط مع علم الاميركيين المسبق ان معادلة العرض والطلب ليست هي الاساس الذي يحكم اسعار الذهب الاسود.
اما الخط الثاني فإنه التدهور المريع في شعبية بوش وادارته ومعها طبعا خياراته في السياسة الخارجية، والتي تمثل تحدياً لا يمكن الالتفاف عليه بالمكابرة واستخدام ادوات السلطة التقليدية، وان كان يعرف مسبقا انه لن يعود مجددا الى البيت الابيض، انما هناك حزبه الجمهوري الذي سيبقى يتحمل تبعة قراراته. من هنا تبدو المشكلة اكثر صعوبة اذا بقي ثلثا الاميركيين يطالبون بالانسحاب من العراق، ومثلهم او اكثر لا يؤيدون ضربة عسكرية لايران، وهو ما لا يمكن لتصريح استخفافي من تشيني كقوله ان "الاستراتيجية الاميركية في العراق يجب ان لا تتغير تماشيا مع الاستطلاعات التي تفيد ان الرأي العام يعارض الحرب، وان بلاده ستبقى في العراق حتى لو تعب الاخرون من بذل الجهود"، ان يخفف من حجم الازمة، خصوصا اذا اصطفت بجانب الازمات الاخرى.
وقد بدا  المسؤول الاميركي اكثر خفة في معالجة الملف العراقي عندما زاره فجأة وادلى بهذه التصريحات واضاف اليها دعوته الدول العربية "الصديقة" الى ارسال سفرائها الى بغداد كخطوة رئيسية للحد من نفوذ ايران في هذا البلد، لتبدو هذه المقاربة أكثر من بسيطة وساذجة في قضية اكثر من معقدة ودموية بالنسبة للولايات المتحدة.
اما في الملف الافغاني والزخم المعنوي الذي حاول تشيني ان يمنحه لمضيفه حميد كرزاي في كابول، فإنه يبقى مصطدما بموقف الشركاء الاطلسيين الذين يترددون في تفعيل دورهم في هذا البلد، ما يضاعف حجم التحدي الاميركي، الى درجة ان المقايضة التي قامت بها بين غض النظر عن التوغل التركي شمال العراق ومساعدتها استخباريا ضد حزب العمال الكردستاني، لم تكف لاقناع انقرة بتوسيع دورها حالياً في افغانستان، وهو ما سمعه من القادة الاتراك الذين التقاهم: سياسيين وعسكريين.
وطبعاً كانت ايران حاضرة بقوة في زيارة تشيني التركية، كما فعل مع سلطنة عمان والسعودية، فضلا عن الجانب الاسرائيلي الذي كرر اكثر من مرة اثناء الزيارة والمحادثات، التعبير عن حجم القلق من الخطر الايراني، والخيارات الاخرى التي يفترض ابقاؤها غير العقوبات الاقتصادية الحالية كما قال وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك خلال استقباله تشيني.
 يبقى ان المحطة الابرز في الجولة كانت السعودية حيث التقى تشيني ملكها عبد الله بن عبد العزيز لمدة خمس ساعات، وبحث معه ملفات ايران والعراق وسوريا ولبنان وافغانستان وباكستان والقضايا الاسرائيلية الفلسطينية والمسائل الثنائية، ووصف هذا الاجتماع بأنه "ودي جدا ومثمر للغاية في مجملها". وبحسب مسؤول اميركي فإن هناك الكثير من الثقة والصداقة في هذه اللقاءات، والكثير من مساحات الاتفاق حول كيفية تقويم القضايا الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة والمملكة في المنطقة. واذ لم يشأ هذا المسؤول الخوض في تفاصيل المحادثات فإنه لفت نظر وكالة الصحافة الفرنسية الى "مشاورات سرية وخاصة" حصلت، ولها تأثيرات وانعكاسات مهمة، ومنها اجتماع سري في السفارة الاميركية في الرياض.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008


2008-03-28