ارشيف من : 2005-2008
العراقيون يحرصون على اظهار وحدتهم في المولد النبوي الشريف
بغداد ـ عادل الجبوري
مصادفة كانت او غير مصادفة، تزامن ذكرى ولادة منقذ البشرية وهاديها من التيه والضلال، النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع حملات الاساءة والتشويه لشخصه العظيم من قبل بعض وسائل الاعلام الغربية، فإن مظاهر الرفض والتنديد والاستنكار والاستهجان الواسعة في مختلف بقاع العالم الاسلامي وخارجه ايضا كانت بمثابة احتفاء وتكريم حقيقي لخاتم الانبياء والمرسلين وإحياء لذكرى مولده، في ظل اجواء ومناخات مثلت في واقع الامر فرصة لاظهار تمسك اكثر من مليار مسلم بعقيدتهم ودينهم ونبيهم. وفي العراق حفلت مختلف المساجد والحسينيات بمهرجات واحتفالات واسعة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، التي مثلت فرصة مناسبة للغاية لاظهار مواقف الرفض والاستياء والاستنكار للاساءات المتكررة الى شخص الرسول الاكرم محمد (ص) من قبل بعض وسائل الاعلام الغربية، لا سيما مجموعة من الصحف الدنماركية. وفي الوقت ذاته فإن ذكرى المولد النبوي الشريف حملت في العراق طابعا مختلفا عما هي عليه في الكثير من البلدان الاسلامية ارتباطا بطبيعة الاوضاع والظروف السياسية التي يعيشها هذا البلد، وإقحام العامل الديني ببعده الطائفي المذهبي فيها كأداة للتأزيم وتعقيد الامور وبث الخلافات والفتن وإشاعة اجواء ومناخات عدم الثقة بين ابناء الدين الواحد. ولا شك في ان الفتنة الطائفية في العراق التي زرعت بذورها وساعدتها على النمو اطراف وجهات عديدة من داخل العراق وخارجه، تسببت بسقوط اعداد كبيرة من الضحايا من ابناء المذهبين الشيعي والسني على السواء، هذا الى جانب حملات التهجير والتشريد والنزوح القسري وغير القسري، ومظاهر الترويع المختلفة. وإضافة الى ذلك فإن تلك الفتنة الطائفية أوجدت خطوطا فاصلة بين مناطق ومدن ومقاطعات على اساس مذهبي وطائفي.
وفي الوقت الذي كانت الامور تسير باتجاهات خاطئة وتنحدر الى منزلقات خطيرة كما خطط لها البعض، برزت توجهات واضحة في مصداقيتها وحرصها على وقف ذلك التداعي الذي بدا انه لا يهدد تماسك وتلاحم المجتمع العراقي فحسب، وإنما يمكن ان تنسحب آثاره ونتائجه ومعطياته السلبية على كيانات اسلامية اخرى قريبة من العراق او بعيدة عنه. وكان للمرجعية الدينية في النجف الاشرف دور محوري ومؤثر في ايجاد وتعميق وترسيخ ذلك التوجه، وكان ايضا لديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني وتيارات وقوى دينية وسياسية واجتماعية دور فاعل في ذلك.
وهنا شكلت المناسبات الدينية المختلفة الاطار الجامع للتصدي لمخططات الفتنة الطائفية، وإظهار حال التوحد والتلاحم والانسجام بين ابناء مختلف المذاهب الاسلامية المؤلفة لنسيج الكيان الاسلامي في العراق. ولأن العراق لم يعرف على امتداد مراحله التاريخية المختلفة نزعات دينية متطرفة، فإن الارتباط بأهل البيت عليهم السلام لم يكن مقتصرا على اتباع مذهبهم، وإنما يمكن للمراقب ان يرى ان حال الحب والولاء والتوجه لأئمة اهل البيت موجودة بوضوح عند اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى. ويظهر ذلك جليا بصورة سنوية في مراسم زيارة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام وفي مراسم زيارة الاربعين. ورأينا صورا ومصاديق حقيقية له في ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر عليه السلام العام قبل الماضي، حينما وقعت كارثة جسر الأئمة التي أودت بأرواح اكثر من ألف شخص من محبي وأتباع اهل البيت عليهم السلام.
ولعل موجات الارهاب التكفيري الدموي ساهمت ـ بعكس ما كان يخطط ويسعى اصحابها ـ في ايجاد قدر كبير من التعاطف والألفة والتلاحم بين الشيعة والسنة الذين استبيحت دماؤهم وانتهكت حرماتهم ومقدساتهم تحت شعارات زائفة ومشوهة لجوهر الدين الاسلامي الحنيف.
ولكن مناسبة ذكرى وفاة الرسول الاكرم محمد (ص) وذكرى مولده الشريف، شكلتا الاطار الاوسع والاشمل لاظهار الوحدة والتلاحم والتآزر بين ابناء الشعب العراقي من الشيعة والسنة.
وقد أخذ الحرص على احياء مثل تلك المناسبات بصورة مشتركة يتزايد عاما بعد آخر، كرد فعل لإثبات ان العراقيين موحدون، وأن كل المحاولات لدق إسفين طائفي ومذهبي بينهم مصيرها الفشل من جانب، ومن جانب آخر للتعبير عن حقيقة ان خاتم الانبياء يمثل المرجع ونقطة الالتقاء لكل المسلمين أيا كانت عناوينهم وانتماءاتهم المذهبية والطائفية.
ولا شك في ان الشروع بمراسيم احياء ذكرى المولد النبوي الشريف في العراق منذ يوم الثاني عشر من شهر ربيع الاول حتى السابع عشر منه، ينطوي على دلالات وأبعاد دينية وسياسية وفكرية مهمة للغاية، ويعكس مصداقية التوجهات والنوايا.
وقد لوحظ في هذا العام والأعوام القليلة التي سبقته، ان معظم ـ او كل ـ الاطراف والقوى الدينية والسياسية العراقية وجدت في ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة وفرصة جيدة لإيصال رسائل الوحدة والتكاتف بين ابناء الدين الواحد والوطن الواحد، وهي رسائل موجهة الى اصحاب الأجندات المثيرة للفتنة، والى الناس الذين لم يفهموا حقيقة الانتماء وحقيقة التنوع والاختلاف.. وكذلك الى الاحتلال الأجنبي الذي قد يكون واحدا أو لعله من أبرز عوامل الفتنة والاضطراب والفوضى وحدوث الخلافات والاختلافات بين هذه الفئة وتلك في العراق، مثلما هي الحال مع بلدان ومجتمعات أخرى. فاستخدام مفردات ومفاهيم وعبارات من قبيل الوحدة الاسلامية والمودة والمحبة والإخاء والتعايش والثقة، في مجمل الخطاب العام لإحياء ذكرى مولد الرسول الاكرم، يعبر عن عمق الشعور بالانتماء الى الدين الاسلامي الحنيف، وبالولاء لخاتم الانبياء، والسعي لترسيخ منهجه وسلوكه.
وحينما يكون هناك أسبوع للوحدة الاسلامية، وحينما يكون هناك أسبوع للمودة والمحبة في العراق، وحينما نجد ان مظاهر احياء الذكرى العظيمة واحدة في مساجد ابناء المذهب الشيعي ومساجد ابناء المذهب السني، فهذا يعني ان المسارات صحيحة وصائبة، وأن المؤامرات ومخططات الفتنة ولدت ميتة في بلد يعد مهبط الأنبياء والأولياء والأوصياء، وبوتقة ينصهر فيها الجميع.
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008