ارشيف من : 2005-2008

حروب أميركا... أحلام بالنصر تصحو على هزائم

حروب أميركا... أحلام بالنصر تصحو على هزائم

الأسبوع الماضي كان بامتياز أسبوع التظاهر ضد السياسات الأميركية وخصوصاً ضد العنجهية العسكرية التي تطغى على هذه السياسات. وإذا كانت تظاهرة أمستردام التي خرجت للتنديد بالإساءة الموجهة للقرآن الكريم لا تشكل تعبيراً مباشراً عن رفض هذه العنجهية، فإن تظاهرات أخرى قد عبرت بشكل واضح وبالفم الملآن عن ذلك الرفض.
أولاً في اليابان، حيث خرج الآلاف في تظاهرة احتجاج على الجرائم التي يقترفها الجنود الأميركيون المرابطون في اليابان.
آخر هذه الجرائم تمثل بقيام جندي أميركي باغتصاب طفلة يابانية بعمر أربعة عشر عاماً. وقد طالب المتظاهرون بإعادة النظر في الاتفاقية الموقعة بين البلدين بخصوص وضع القوات الأميركية في اليابان. والمعروف أن الولايات المتحدة تحتفظ بخمسين ألف جندي في قواعد عسكرية وأن وجود هذه القواعد وتصاعد التصرفات المشينة التي تصدر عن الجنود الأميركيين يقابل بحركة احتجاج شبه مستمرة في الشارع الياباني.
وثانيا في العديد من مدن الغرب والولايات المتحدة حيث خرجت، لمناسبة مرور خمس سنوات على بدء الغزو العسكري للعراق، تظاهرات حاشدة طالبت بانسحاب الجيش الأميركي من العراق وأفغانستان. أبرزها كانت تظاهرة نيويورك التي ضمت عشرة آلاف شخص حملوا توابيت فارغة لفت بالأعلام الأميركية والعراقية وطالبت بوقف تمويل الحرب، ورفعت فيها لافتات تحمل رسوماً لبوش على شكل الزعيم النازي أدولف هتلر. كما وصفت الحرب بأنها غير مشروعة وغير أخلاقية، وطالبت بوضع حد لقيام الولايات المتحدة بدور الدركي العالمي. وكل ذلك يحمل دلالات على تنامي حركة العداء للتوجهات التقليدية للسياسات الأميركية.
وفي هذا المجال، لفتت وسائل إعلام أميركية عديدة إلى تصاعد النقاش داخل أميركا حول التداعيات السلبية لحرب العراق وللتدخلات الأميركية في الشرق الأوسط على مكانة الولايات المتحدة في العالم، وانعكاسات ذلك على الاقتصاد الأميركي الذي يشهد، منذ أسابيع، أزمة تهدد بانهيار مجمل الاقتصاد العالمي. أبرز أسباب هذه الأزمة هو ميزانية وزارة الحرب التي باتت أشبه بغول يلتهم ميزانيات الوزارات الأخرى. فقد زاد الإنفاق العسكري الأميركي عن 600 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو مبلغ وصفه كتّاب أميركيون بأنه "مرعب" مقارنة مع حجم الإنفاق في البلدان الكبرى الحليفة كبريطانيا (55 مليار دولار) وفرنسا (45 مليارا)، أو غير الحليفة كروسيا (35 مليارا) والصين (24 مليارا). وقد سخر بعض الكتّاب من مزاعم المسؤولين الأميركيين حول ما يصفونه بالتهديد الإيراني للسلم في الشرق الأوسط والعالم على ضوء الفارق الهائل في الإنفاق العسكري، حيث تكتفي إيران بميزانية عسكرية في حدود 6،6 مليار دولار سنوياً، في حين أن بلداناً مجاورة لإيران تنفق سنوياً عشرات أضعاف هذا المبلغ على صفقات التسلح المبرمة مع أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها.
وتشير الإحصاءات إلى أن ميزانية الحرب الأميركية تعادل ميزانيات الحرب في جميع بلدان العالم الأخرى، وأن هذه الميزانية قد ارتفعت بنسبة 30 بالمئة منذ وصول بوش إلى الحكم. وما يعمق المشكلة، في نظر المراقبين الأميركيين، أن البنتاغون يطالب بميزانيات إضافية كتلك التي زادت على ستين مليار دولار العام الماضي لتغطية خطة بوش الأمنية الفاشلة في العراق، أو تلك التي تبلغ 5،515 مليار دولار والتي طلبها البنتاغون لتضاف "استباقياً" إلى ميزانية العام المالي 2009. وقد كان بإمكان أميركيين كثيرين ممن تغريهم فكرة أن يكون بلدهم الأقوى وصاحب السيطرة المطلقة على العالم أن يتحملوا كل هذه النفقات الباهظة، حتى ولو شابتها شوائب السرقات والفساد والتنفيعات التي يستفيد منها أصحاب الشركات وأرباب النظام، لو أن ما تشنه بلادهم من حروب يفي بالحد الأدنى من النصر المطلوب. لكن حلم النصر المضمون والسريع الذي راود بوش عام 2000 أخلى المكان بشكل كارثي لأشباح الهزيمة.
أربعة آلاف قتيل، وعشرات الألوف من معاقي الحرب، وتفشي الانتحار والاضطراب النفسي بين الجنود، وامتناع الكثيرين عن الالتحاق بالخدمة، كل ذلك يضاف إلى التكاليف المادية الباهظة ليزيد من وقع الكارثة. أما أولئك الأميركيون الذين كانوا يصدقون بأن بلدهم يحمل رسالة الحرية والديموقراطية إلى العالم ولو على هدير القنابل النووية، فقد بطل أمام أعينهم سحر الدعاية على وقع الأكاذيب التي لفقت لتبرير الحرب والجرائم التي ترتكب أثناء الحرب، والفضائح المحيطة بسجون الاحتلال وتنكرها لكل المبادئ المتعارفة في هذا المجال.
وبين هذا وذاك، وفي ظل تردي صورة أميركا في العالم، بدأ وعي أميركي جديد بالتشكل عبر التساؤل عما إذا كانت المعالجات الأمنية والعسكرية هي الطريقة السليمة لحل مشكلات الشرق الأوسط، وحول ما إذا لم يكن هذا النوع من المعالجات هو المسؤول الأول عن تنامي حركات المقاومة والممانعة وعن وصول أميركا وحلفائها وأذنابها في العالم إلى حافة الهاوية.       
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008


2008-03-28