ارشيف من : 2005-2008
... وفيلم مسيء للإسلام في هولندا!
كتاب عنيف وكريه! ذلك ما يقوله عن القرآن الكريم النائب الهولندي اليميني المتطرف غيرت وايلدرز. والكلام، كما هو واضح، ينتمي إلى السياق التاريخي الذي يمتد من قابيل إلى وايلدرز، مروراً بسلاسل قتلة الأنبياء والصديقين وأضرابهم ممن ورثوا الحقد عن الشيطان وجعلوا دينهم مكايدة الرحمن والعمل على استئصال شأفة الإنسان. وفاشستي وشبيه بكتاب "حياتي" لأدولف هتلر، يقول وايلدرز، متناسياً أنه، هو من أصبح نائباً على أساس برنامج انتخابي عنصري لا شيء فيه غير الدعوة إلى طرد المسلمين من هولندا، هو من يشبه هتلر كما يشبه الذئب الذئب.
وللمزيد من التعريف بوايلدرز هذا، تجدر الإشارة إلى أنه من مناصري الزعيم اليميني المتطرف بيم فورتيون الذي تم اغتياله عام 2002، وأنه يقود ـ منذ العام 2005 ـ كتلة برلمانية من تسعة نواب يمثلون 5 بالمئة من الهولنديين، وأن معاداة المهاجرين المسلمين والتحريض عليهم هي العنصر البارز في سياسة تلك الكتلة. ومنذ وصول وايلدرز إلى البرلمان وهو يطالب بإصدار قانون يقضي بتحريم القرآن، ولا يترك فرصة إلا وينتهزها لبث حقده على الإسلام والمسلمين. وهو يعمل، منذ أشهر، على إنتاج شريط مصور بهدف إظهار الطابع الفاشستي للقرآن، على حد قوله.
والشريط المذكور هو عبارة عن فيلم من خمس عشرة دقيقة ولم يتسرب شيء عن مضمونه ويفترض أن يصبح جاهزاً للعرض في الحادي والثلاثين من آذار/ مارس الحالي. وتنظر إحدى المحاكم الهولندية حالياً في طلب قدمته إحدى الجمعيات الإسلامية لمنع عرض الفيلم، ويتوقع صدور الحكم بين يوم وآخر. وقد بات في حكم المؤكد أن دور السينما وقنوات التلفزة قد امتنعت عن نشر الفيلم، وأن وايلدرز عازم على بثه عبر الإنترنت.
ومنذ بدء الحديث عن هذا الفيلم، ثارت في هولندا موجة من الجدل واكبتها تحركات في الشارع على شكل تظاهرات وتظاهرات مضادة نظمتها جماعات معادية للإسلام من جهة، وجماعات معادية للعنصرية وتنادي بالتسامح الديني والعرقي، من جهة أخرى. وقد سجل بالتوازي مع ذلك ارتفاع في منسوب التعديات على المسلمين ومؤسساتهم في هولندا، كما وصل التوتر إلى داخل الحكومة الهولندية التي عقدت عدة اجتماعات أزمة وأصدرت مناشدات ذكّرت باحترام التقاليد، لكنها لم تتخذ إجراءً بحق الفيلم، بل عمدت إلى تعزيز الحراسة البوليسية حول وايلدرز خوفاً من مضاعفات شبيهة بتلك التي نجمت عن المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد إسلامي هولندي من أصل مغربي، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2004، والذي كان قد أخرج فيلماً مسيئاً للإسلام من باب الدعاوى المعروفة حول موقف الإسلام من المرأة.
وآخر المستجدات بشأن فيلم وايلدرز خروج تظاهرة شارك فيها الآلاف في العاصمة الهولندية أمستردام بهدف التنديد بالفيلم ومنطلقاته العنصرية والتشديد على أن كثيرين من الهولنديين يعارضون أفكار وايلدرز، ومنهم من يصف الإثارات المعادية للإسلام بأنها من قبيل حملات المطاردة والإبادة الظالمة التي كان يتعرض لها الكثيرون في أوروبا القرون الوسطى بتهم ملفقة كالسحر وغيره. كما أكد المتظاهرون على التنوع الذي يشكل الطابع الأساسي للمجتمع الهولندي. وقد علق وايلدرز على التظاهرة وغيرها من أعمال الاحتجاج قائلاً بأنه لا يفهم ما أسماه بـ"هذا الصخب"، وطالب الهولنديين والعالم الغربي بالاحتراس من تنامي انتشار الإسلام في القارة الأوروبية.
ويشكل فيلم وايلدرز، في وقت تعود فيه بعض الصحف الدانمركية إلى نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الله (ص)، حلقة من حلقات الحملة المنظمة التي تشن في بلدان الغرب على الإسلام تحت عنوان حرية التعبير. كما تتوازى مع الحملة العسكرية التي تقودها الإدارة الأميركية على العالم الإسلامي منذ العام 2001، والتي تأتي في سياق التغيرات النوعية التي بدأت تحيط بالصراع العربي الإسرائيلي منذ دحر الاحتلال عن جنوب لبنان، عام 2000، وخصوصاً منذ حرب تموز/ يوليو التي شكلت بداية العد العكسي لوجود الدولة الصهيونية، وهو العد الذي يتفاقم مع الاندحار الإسرائيلي الأخير عن غزة ومع تعمق أزمة الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان، ومع مآزق السياسة الأميركية في أكثر من ملف إقليمي ودولي. واللافت في الإساءات الأخيرة أنها تتركز في بلدان اسكندينافية عرفت بحياديتها خلال الحرب الباردة، لكنها زجت في حروب أميركا الحالية ضد العالم الإسلامي، برغم عدم علو كعبها في المجال العسكري، ما يشي بأن هنالك من يسعى إلى الاستثمار في التنوع العرقي والمذهبي لهذه البلدان خدمة لأغراض فتنوية تتنافى بشكل صارخ مع حاجتها الماسة للاستقرار ولحسن العلاقات مع العالم الإسلامي الذي يشكل السوق الأولى للكثير من منتجاتها. إنها النار الأميركية التي تأكل حلفاءها ثم تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008