ارشيف من : 2005-2008
نور الولاية: في الآداب القلبية للصلاة
...فأنت أيها العزيز اغتنم وقت المناجاة هذا بالقدر الميسور والمقدار المقدور، وقم بآدابه القلبية وفهّم قلبك أن وسيلة الحياة الأبدية الأخروية ومنبع الفضائل النفسانية ورأس مال الكرامات غير المتناهية هو المراودة والمؤانسة مع الحق. ومناجاته وخصوصاً الصلاة فإنها معجون روحاني قد هيئ بيدي الجمال والجلال للحق، وأجمع وأكمل من جميع العبادات، فبقدر ما يمكنك حافظ على أوقاتها وانتخب أوقات فضيلتها، فإن فيها نوراً ليس في غيرها من الأوقات، وأقلل فيها من الاشتغالات القلبية بل اقطعها، وهذا يحصل بأن تقسّم وتعيّن أوقاتك وتعيّن للصلاة المتكفلة لحياتك الأبدية وقتاً خاصاً لا يكون لك فيه أشغال أُخَر، ولا تكون للقلب تعلّقات أخرى، ولا تجعل الصلاة تزاحم الأمور الأُخَر كي تستطيع أن تريح القلب وتحضره، والآن نذكر الأحاديث الواردة في أحوال المعصومين عليهم السلام على قدر اقتضاء المقام فلعله بالتدبر في حالات أولئك الأكرمين يتمّ التنبيه وتدرك عظمة الموقف وأهمية المقام وخطره وتستيقظ من نوم الغفلة.
فعن بعض أزواج النبي (ص) أنها قالت: "كان رسول الله (ص) يحدّثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه شغلاً بالله عن كل شيء".
وروي عن علي عليه السلام: "كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلوّن، فيقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عليه السلام: جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها".
ونقل السيد ابن طاووس في فلاح السائل: كان الحسين عليه السلام "إذا توضأ يتغير لونه وتضطرب مفاصله فقيل له في ذلك فقال: حق لمن يقف بين يدي ذي العرش أن يصفرّ لونه وتضطرب مفاصله"، ونقل عن الحسن عليه السلام أيضاً مثل ذلك.
وعن علي بن الحسين عليه السلام: "كان إذا حضر للوضوء اصفرّ لونه فيقال له ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: ما تدرون بين يدي من أقوم؟".
ونحن أيضاً إذا تفكرنا قليلاً وفهّمنا قلبنا المحجوب أن أوقات الصلاة هي أوقات الحضور في جناب القدس بحضرة ذي الجلال، وأن الحق تعالى ملك الملوك والعظيم المطلق في تلك الأوقات دعا عبده الضعيف الذي هو لا شيء إلى مناجاته، وأذن له بالدخول إلى دار الكرامة حتى يفوز بالسعادات الأبدية ويجد السرور والبهجات الدائمة، لكنا مبتهجين ومسرورين من دخول وقت الصلاة بمقدار معرفتنا، وإذا استشعر القلب عظمة المقام وخطره فيحصل فيه الخوف والخشية بمقدار فهمه العظمة، وحيث أن قلوب الأولياء مختلفة وحالاتهم متفاوتة على حسب التجليات اللطفية والقهرية واستشعار العظمة والرحمة فحيناً يحملهم اشتياق الملاقاة واستشعار الرحمة والجمال على السرور والبهجة ويقولون: أرحنا يا بلال، وحيناً يجعلهم التجليات بالعظمة والقهر والسلطنة في حالة الصعق ويرتعشون ويرتعدون.
(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008