ارشيف من : 2005-2008
الرسول القدوة وتحديات الأمة
بقلم الشيخ خليل رزق
بعث الله عزّ وجلّ رسله وأنبياءه إلى الناس بعد أن حلاّهم بالقيم والفضائل الأخلاقية، والصفات النبيلة التي تؤهّلهم لقيادة الأمة والمجتمع البشري وإيصاله إلى كماله المنشود، ولتحقيق السعادة والطمأنينة في الحياة الدنيا.
ولقد كان سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص) المثل الأعلى والقدوة الحسنة بما يمتلكه من كريم الفضائل والخلال، واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحقّ بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله "عزّ وجلّ: "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم".
وللإمام علي (ع) كلام يصوّر فيه أخلاق رسول الله (ص) فيقول: "كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أر مثله قبله ولا بعده"، وقد جسّد الرسول الأكرم (ص) هذه القيم في أعماله وأفعاله، وفي كل أشكال المواجهة للتحديات والصعوبات التي تلقّاها من قريش التي جرّعته ألوان الغصص والعذاب، حتى اضطر إلى مغادرة أهله وبلاده، ولمّا نصره الله عليهم وأظفره بهم، لم يشكّوا أنه سيثأر منهم، وينكّل بهم، فما زاد أن قال لهم: ما تقولون إنّي فاعل بكم؟! قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخٍ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فهذه هي حقيقة النبوة في باطنها وظاهرها وبكل ما تحمله من مواصفات وفضائل يختص بها النبي محمد (ص)، وما يمثّله من قدوة وأسوة حسنة، وهذه هي الصورة التي يجدر بالمسلمين تقويمها للآخرين عن نبيّهم العظيم الذي ما استطاع أحد من البشر على الإطلاق أن يضاهيه أو يصل إلى ما وصل إليه في الرقيّ والكمال الإنساني.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك تلك المعتقدات في الفكر الإسلامي عموماً والإمامي خصوصاً فسوف تكتمل الصورة وتظهر بشكلها الأوضح، فعلى المستوى العقائدي يؤمن المسلمون بأن النبي الكريم (ص) هو رجل العقل، والكمال ومثال الحكمة، والوقار والجلال، وأنه الرجل المعصوم من الخطأ المبرأ من الزلل، أكمل الخلق وأفضلهم، وحتى أنه لا يخطئ ولا يسهو وغيرها من القضايا والمعتقدات التي تجعله إنساناً فريداً من نوعه، وحيداً في مزاياه وخصائصه.
وإذا كانت هذه هي مواصفات النبي (ص)، فلنا هنا أن نسأل وخصوصاً في مثل هذه الأيام عن هذه الهجمة الشرسة ومحاولات النيل من قدسية الرسول (ص)، وكل أشكال التحدي التي يواجهها المسلمون للدفاع عن قداسة نبيّهم؟!
فمرة نرى الأقلام الحاقدة تصوره وتقدّمه للمجتمع على النقيض التام مما هو عليه في حقيقته، وأخرى نشاهد ما يسمى بالرسوم الكاريكاتورية، وغيرها من أنواع وضروب الإساءة لشخص رسولنا الكريم الذي هو بالنسبة إلينا مصدر الخير وينبوع الكمال والقدوة الحسنة والأسوة الصادقة.
لا شك بأن هناك دوافع وأسباباً تكمن وراء ذلك، وهي تعود إلى سببين رئيسيين، أحدهما: داخلي، وثانيهما: خارجي.
فأما العامل الداخلي فإنه يحتاج إلى وقفة مع الذات، وإبداء شيء من النقد والانتقاد لبعض ما قدّمه المسلمون من صورة معاكسة لما قدمناه عن النبي (ص)، ونعني بذلك تلك القصص الخيالية والأساطير الموهومة والأحداث المكذوبة والأباطيل التي رويت في الكتب الصادرة عمن يسمّون أنفسهم بأتباع النبي محمد (ص)، والتي تدور كلها في فلكٍ واحد يقدّم لنا هذا الرسول على هيئةٍ لا يمكن أن تنطبق على أفراد عاديين من بني البشر لجهة تصرفاته وأفعاله وأقواله، فضلاً عن الإساءة التاريخية من قبل الحكّام الأمويين وسياساتهم ضده نظراً للحقد الدفين الموجود في قلوبهم والذي أعمى بصيرتهم وبصرهم فحاولوا الحطّ من قدرة وتشويه صورته في نفوس المسلمين في محاولةٍ منهم لإبعاد الأمة عن شخصية نبيها.
أما العامل الخارجي فيرجع إلى وجود فئة لا تؤمن بما نؤمن به من قداسة للنبي (ص)، بل هي حتى لا تعترف به كشخص مرسل من قبل الله تعالى، وأنه قد أوحي اليه، وفي اعتقادي أن اليهود هم العمود الفقري في هذه الهجمة الشرسة والحملة المسعورة، مع العلم بأن بصمات أياديهم السوداء طاولت حتى غيره من الأنبياء كعيسى وموسى (عليهما السلام).
فاليهود هم أصحاب كل تلك المحاولات الإجرامية الحاقدة ضد أنبياء الله، كيف لا، وهم الأمة التي ما آمنت ولا اعترفت، ولا صدّقت الأنبياء، وكانت سيرتهم في التاريخ على الدوام هي تكذيبهم وقتلهم وتعذيبهم.
تجاه كل هذه المحاولات لنا أن نقول إن الأمة الإسلامية بكل فرقها ومذاهبها وتياراتها تواجه تحدياً هو بمثابة الاختبار لمدى صدقها ووعيها بحيث تضع كل هذه النعرات المذهبية جانباً، وتقف صفاً واحداً في خندق المواجهة للدفاع عن قيمها وكرامتها وعزّتها المتمثلة بالصادق الأمين ورسول رب العالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين (ص).
ومن جهةٍ أخرى فإن على علماء هذه الأمة أن يتفقوا على تقديم صورة موحدة، وهي الصورة المشرقة الوضّاءة عن الرسول الأكرم (ص)، تبيّن فيها من هو هذا الإنسان الذي أراده الله تعالى أن يكون القدوة والأسوة، وإلا فنحن أمام خيانة عظمى للتاريخ وللأمة وللإنسانية جمعاء، وسنبقى نتجرّع هذه الغصة وهذه المرارة، ونتوه في ظلمات الجهل ووحول التشرذم والاختلاف.
ويجب الالتفات أيضاً إلى أن التعدي والهجوم على شخص الرسول (ص) لا يمكن وضعه في إطار ضيق وفصله عن سلسلة من الأهداف المرسومة لهذا العمل، إذ أن من أهداف هذه الأعمال هو التطاول على الدين الإسلامي وكذلك على المسلمين، فهي تحديات ومواجهات ذات أبعاد متعددة ومختلفة، وهذا ما ينبغي أن تقف الأمة الإسلامية في قبالته صفاً واحداً لتكون كالبنيان المرصوص.
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008