ارشيف من : 2005-2008

عاشق حزب الله و"السيد حسن": الشهيد "محمد شحادة"... رجل المقاومة والوحدة ونصير المظلومين و"الأمهات"

عاشق حزب الله و"السيد حسن": الشهيد "محمد شحادة"... رجل المقاومة والوحدة ونصير المظلومين و"الأمهات"

بيت لحم - خاص بـ"الانتقاد"

أربع دقائق فقط استغرقتها وحدة الموت التي أرسلها الجيش الإسرائيلي بعد جهد جهيد لتصفية حساب طويل مع رجل طال البحث عنه واستعصت معه أساليب أقوى جهاز استخباراتي في المنطقة... أربع دقائق فقط.. قتل محمد شحادة وثلاثة من رفاقه، وسط مدينة بيت لحم..
في 12 آذار/ مارس الجاري، كان محمد شحادة رجل المقاومة المعروف في منطقة جنوب الضفة الغربية، يفرغ من "تسليم بعيد على زوجته أم شحادة التي وقفت تنظر إليه للمرة الأخيرة على الطرف الآخر من الشارع" لوح لها بيده وذهب.. وبعد أقل من ساعة وصلتها الرسالة على شكل رصاصات كثيفة، و"شعرت بأن أبو شحادة هو المستهدف" كما قالت..
محمد، الرجل الذي أثار جدلية كبيرة في صفوف الشخصيات الفلسطينية الأكثر شعبية في الضفة الغربية، بسبب تسببه في هزيمة إسرائيلية امتدت لأكثر من 10 أعوام، وفشلت "في التقاطه حيا أو ميتا"، بسبب " حماية الناس الذين أحبوني" كما قال الشهيد محمد شحادة يوما.
الاعتقال والإبعاد..
ولد محمد شحادة عام 1963، ونما في عائلة محافظة، ثم انتمى منذ بداية شبابه إلى صفوف حركة فتح، إلى أن تمكن قبل الخروج من مرحلة الفتوة "من الحصول على مسدس" من مكان ما، وتطبيقا لنزعة رفض الظلم والذل التي لطالما ردد كرهه لها، أقدم على إصابة جندي إسرائيلي بعد أن امتطى سورا قريبا من مدينة القدس وأطلق النار عليه مباشرة، وهو الأمر الذي كلفه لاحقا حكما بالسجن لمدة 25 عاما، استثمر بدايتها في القراءة والتعلم والتقرب من أصحاب الخبرات المقاومة، إلى أن أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1985.
فيما بعد، تزوج "أبو شحادة"، وبدأ البناء لمرحلة أخرى في حياته، عنوانها رفع الظلم عن المظلومين وبناء الجيل الإسلامي الواعي، وعمل مسؤولاً للأمن في مستشفى المقاصد بمدينة القدس، قبل أن تعتقله سلطات الاحتلال وتقوم بإبعاده مع 400 شخصية فلسطينية إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، وهو المكان الذي حظي بالحضور الأقوى في مسيرة حياته فيما بعد، خاصة في تعلقه بنموذج حزب الله ونهجه في المقاومة..
أمهات كثر بكين...
في 12 آذار/ مارس، ومع مجموعة رصاصات كررتها وحدة "يمام" التي ارتدت ملابس المستعربين، للتأكد من قتله، قضى محمد شحادة مع ثلاثة من زملائه هم: عماد الكامل، وعيسى مرزوق، وأحمد البلبول.
وتستذكر أم شحادة بصعوبة وألم، تلك الدقائق الخاطفة، قائلة: "كنت أصلي بقلب مقبوض عندما سمعت صوت إطلاق نار قريب من المنزل"، وخرجت أم شحادة مع أبنائها على غير عادتها، "و يدها على قلبها"... وتضيف: "صرنا نسمع تردد اسم محمد شحادة على ألسنة الناس، ولم نعرف أنا وأبنائي ماذا نفعل أو أين نذهب، بعد أن أيقنا جميعا أنه استشهد، برغم تطمينات بعض الأهل انه مصاب في قدمه".
أمهات كثر من ذوي الأسرى والشهداء، تراكضن باكيات، وبعد قليل أسرع الأطفال السبعة الذين سبقتهم الدموع، مع والدتهم إلى المستشفى، "وعندما دخلنا رأيناه مسجيا على سرير المستشفى مستشهدا بالقرب من زملائه، ولم أشعر أن ذلك أمرا مفاجئا، فلطالما انتظر أبو شحادة هذا اليوم بكل صبر..".
وقد كتب محمد شحادة في إحدى مقالاته أنه يشعر بهؤلاء الأمهات التي يزورهن دوما في اعتصاماتهن الأسبوعية، بأنهن أمه، وبأنه ابنهن الذي يرين فيه أولادهن المغيبين خلف السجون، وهو الرجل الذي أبكاهن غيابه طويلا إثر ذلك المساء الحزين في بيت لحم..
الحياة في ظل المطاردة
وتستكمل أم شحادة، التي ما خلا صوتها من عزّ المنتصرين، سيرة زوجها الذي فارقها مرات سبعاً أثناء اعتقالاته المتكررة وسنوات طويلة منذ بدأت ملاحقته عام 1998، تستكمل بداية غيابه عن المنزل، وتقول: "بدأت ملاحقة أبو شحادة منذ العام 98 على خلفية مشاركته في أعمال مقاومة الاحتلال، ولكن بعد العام 2002 وخاصة عمليات السور الواقي بات مطاردا بشكل مكثف وفي كثير من المرات فقدنا الاتصال به وافتقدنا وجوده في البيت، وحاول الاحتلال قتله عدة مرات دون أن ينجح في ذلك".
وتضيف: "برغم تعرض منزلنا لاقتحامات متكررة من جيش الاحتلال وبرغم غياب زوجي إلا أن مجرد زياراته الخاطفة كانت كافية بالنسبة لي وللأبناء، وكنا نتفهم طبيعة حياته ونضاله لأنه زرع فينا جميعا حب العطاء والوطن والدين والعمل من أجل رفض الذل والظلم أينما كان..".
الرجل الزاهد..
وتحاول أم شحادة، التي خزّنت بداخلها كل هذا الحب لرجل لم تره سوى سويعات بين غياب وآخر، تحاول اختزال صفات زوجها دون تردد، وتذكر: "أبو شحادة كان زاهدا في هذه الدنيا، و كان يردد إن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولم يكن يهتم يوما بالمال أو المناصب أو أمور الدنيا المادية برغم العروض الكثيرة التي أتيحت له، وكان يكره الظلم والذل، وكان دائم التساؤل كلما ضاقت الأمور وصعبت: إلى متى هذا الظلم؟".
الناس أخوان..
وبرغم آلاف الشهداء الذين مضوا منذ بداية انتفاضة الأقصى، إلا أن قصة غياب "رجل بيت لحم" كانت الأكثر ألماً بالنسبة للكثيرين، حيث تقول زوجته: كان يعيش أبو شحادة لكل الناس، للمسلم والمسيحي وللفقير والمحتاج ولأهالي الأسرى والشهداء... وكان شعاره في هذا: "الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو شبيه لك في الخَلق".
وتمتع "أبو شحادة" كما اشتهر في مدينته، بعلاقات مميزة مع كافة الفصائل الفلسطينية، برغم انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي بحكم تدينه، حيث تؤكد زوجته أنه كان رافضا للتهجم على أي فصيل وينادي على الدوام بأهمية أن يعذر بعضنا بعضا مهما بلغت الأزمة بيننا.
وتذكر زوجته أنه رأى في الفصائل الفلسطينية الجانب الإيجابي في مقارعتها للاحتلال فقط، ولم يكن يحب الحديث عن الجوانب السلبية، ولم يكن مهتما بها. كما أنه ظل ملجأ للصلح بين المتخاصمين من أبناء الفصائل أو العائلات طيلة فترة حياته.
قصة عشق..
وأثناء تشييع جثمانه مع الشهداء الثلاثة زملائه، لف جثمان أبو شحادة بعلم حزب الله الأصفر، وهو الذي فتح المجال واسعا للحديث عن قصة عشقه القديمة للسيد حسن نصر الله، وإيمانه بانتصار المقاومة مهما طال الزمن.
تقول الزوجة: كان أبو شحادة قلبا وقالبا مع حزب الله، وكان يعشق السيد حسن نصر الله، واعتبر مأساة سيدنا الحسين مأساة كل المظلومين في الأرض. وقد تأثر جدا بتجربة المقاومة خلال حرب تموز عام 2006.
وبرغم أن زياراته إلى المنزل في حينها قليلة جدا، إلا أن الشهيد وكما روت زوجته، "عاش خلال حرب تموز بأعصاب مشدودة صامتا لا يتخلل ذلك إلا الدعاء، لكن مع يقين تام أن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان لن تهزم بإذن الله بسبب إيمانهم بنصر الله. وكان يردد أن ما يحدث ليس حربا إسرائيلية على لبنان، ولكن حرب عالمية على حزب الله.
"ولا يهمك...فداكِ"
وجاء استشهاد أبو شحادة بعد ستة أيام فقط من هدم منزل العائلة، الذي قصفته القوات الإسرائيلية بُعيد عملية المدرسة الدينية في القدس بوقت قصير، ظناً منها أنها استطاعت أخيرا تحديد مكان أبو شحادة والقضاء عليه، إلا أنها وكما في مرات كثيرة فشلت ولم يهدم سوى الطوب بينما ظل الرجل بعزته باقيا..
تقول أم شحادة انها قابلت زوجها واستطاعت التحدث معه مطولا للمرة الأخيرة بعد هدم منزل العائلة، وتشردها مع أبنائها، وبرغم ذلك تضيف: نسينا مأساة هدم المنزل بعد أن جاء يقوّينا ويحدثنا عن الجهاد والصبر، وقال لي "ولا يهمك يا إم شحادة فداكِ انتِ والأولاد" ثم أوصاها بشدة بالأبناء وصلاتهم ودراستهم وذهب لتبق ذكراه فقط هذه المرة...
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008

2008-03-28