ارشيف من : 2005-2008
إعلان صنعاء.. اتفاق خامس بين فتح وحماس يغضب الاميركيين و"إسرائيل"
غزة ـ عماد عيد
خطوة يمكن البناء عليها ويمكن التراجع عنها.. هكذا ينظر إلى اتفاق صنعاء الذي جرى التوقيع عليه من قبل رئيس وفد حماس إلى صنعاء نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الدكتور موسى أبو مرزوق وعزام الأحمد ممثل حركة فتح في وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى صنعاء، الذي يرأسه صالح رأفت الأمين العام لحزب "فدا" الذي توارى عن الأنظار ساعة التوقيع وفي الجولة الأخيرة من المفاوضات في صنعاء. الخلاف بين الجانبين حول هذه الاتفاقية ربما يلخص باختصار الخلاف بين الجانبين حول كل القضايا أو القضية الأساسية التي تشكل أم الخلاف بين الجانبين، والذي يجسدها البند الأول من المبادرة اليمنية للرئيس اليمني المتمثل في عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس على قطاع غزة قبل تسعة أشهر.
الرئيس اليمني أراد تجاوز هذه العقبة حتى لا يزيد الطين بلة ولا يعمق من بون الخلافات التي أصبحت كبيرة جدا بين فتح وحماس، وأراد توقيعا أو توصلا إلى أي اتفاق حتى لا يحدث هذا بالإعلان عن فشل المفاوضات، ولذلك حاول كل ما في جهده تمديد الجولات من اللقاءات مع الجانبين، واقترح مع الطرفين صيغا كثيرة، ولكن في كل مرة كانت عقبة عودة الأمور إلى ما كانت عليه تفشل في التوصل إلى أي اتفاق، الأمر الذي أدى إلى وضع الصيغة الأخيرة التي تقول بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس في الوطن بشكل عام في الضفة وغزة من خلال حوار بين حركتي فتح وحماس يعقبه حوار موسع مع كل الفصائل لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإنشاء قوات أمن حيادية ومهنية وتمثيل كل الفصائل في أي حكومة وحدة وطنية قادمة بما تمثل من ثقل في البرلمان الفلسطيني.
حركة فتح اعتبرت أن هذه البنود غير قابلة للنقاش، وأنه يجب البدء بتنفيذها على الأرض كما كانت قبل سيطرة حماس، وهو أمر لا تقبله حماس ويبدو أنها لن تقبله حسب ما يرى مراقبون لسببين: لأن عودة الأوضاع تحتاج إلى آلية دقيقة حتى لا يحدث فراغ في القطاع تتخلله فوضى عارمة وانتشار الجرائم والثارات، وثانيا لأن حماس لم تطمئن الى مستقبل القطاع ومستقبلها هي. فلو تخلت عن السلطة في القطاع فكأنها تخلت عن كل أوراق القوة التي تفاوض من خلالها في هذه المرحلة، وإن أي حل بعد ذلك سيكون على حسابها حتى لو أرادت العودة إلى السيطرة على القطاع من جديد، فإن ذلك سيكلفها حسما عسكريا جديدا سيكون له ثمنه الجديد وإخفاقاته الوطنية الجديدة وتفاعلاته وتبعاته على المستوى الوطني والعربي والدولي، وهو الأمر الذي هي في غنى عنه الآن وينبغي أن تكون الأمور واضحة من وجهة نظر حماس حتى لا تصل إلى هذه اللحظة، ولذلك هي تتمترس وراء هذا المطلب ولا تتنازل عنه.
ولكن بما أن الطرفين فتح وحماس ذهبا إلى اليمن مجاملة إلى اليمن ورئيسها، فإن التوقيع على الاتفاقية المعدلة كان أيضا مجاملة وخروجا من لعنة الفشل وغضب اليمن على الطرف الذي سيتحمل فشلها، ولذلك سعت الأطراف بطلب من اليمن إلى التوصل إلى أي إعلان في العاصمة اليمنية صنعاء وعدم العودة كل إلى قاعدته تحت مظلة الفشل الذي سيزيد الأمور تعقيدا على كل الصعد. وبما أن هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها وفدان من حماس وفتح على هذا المستوى في مكان واحد بغرض الحوار واللقاء، فقد اعتبر ذلك كسرا للحاجز النفسي وللبون الشاسع الذي عممته سلسلة من القرارات والوقائع على الأرض في الضفة وغزة، والذي يباعد بشكل خطير بين الطرفين في كل يوم، ولذلك اعتبرت أنها خطوة كان لا بد منها على الأقل من الناحية النفسية التي يمكن أن تكسر هذا الحاجز، ويمكن أن تشكل خطوة أولى قد يأتي من يستطيع البناء عليها ويراكم عليها بخطوات أخرى قد تقود إلى تفاهم بين الجانبين.
ولكن حتى أصحاب هذه الوجهة غير متفائلين كثيرا ويخشون من قضيتين: الأولى هو الأمر الواقع الذي يفصل بين الجانبين واستمرار المناكفات السياسية على الأرض إلى جانب الملفات الكبيرة والاستحقاقات الأكبر لأي اتفاق قادم بين الجانبين والثاني وهو الأخطر والأكثر حساسية تمثله التدخلات الخارجية وبالتحديد الأميركية والصهيونية التي أعلن مسؤول كبير فيها أن الكيان سوف يوقف أي مفاوضات مع الرئيس محمود عباس إذا توصل إلى اتفاق مع حماس، وهو ما سينعكس على الأرض، ولكن رب ضارة نافعة كما تقول الأمثال.. فهناك من المراقبين من يقول ان الرئيس عباس أراد من وراء هذا التوقيع الذي جاء في صيغة تراجع فتح عن شرطها الأساسي وهو عودة الأمور للتنفيذ فورا أراد من خلاله أن يضغط على الأميركان والصهاينة لتحريك ملف المفاوضات والتسهيلات ويضع حدا للمماطلات الصهيونية وسياسة التخريب التي تنتهجها إسرائيل لما تقوم به السلطة على الأرض في مدن الضفة الغربية، كما هي الحال في نابلس إلى جانب الاستمرار في الاستيطان وتهويد القدس ومنع الأنشطة العربية فيها، وهو ما دفع الكيان الصهيوني إلى الموافقة على نشر نحو ستمئة رجل شرطة فلسطيني تدربوا في الأردن في مدينة جنين شمال الضفة الغربية لتعقب في ذلك مدينة طولكم ونابلس حتى يكون بذلك شمال الضفة الغربية تحت السيطرة الفلسطينية من الناحية الداخلية، لكن ذلك لا يعني توقف التدخلات والاجتياحات والاعتقالات والاغتيالات الصهيونية بحق هذه المناطق كما هو حاصل حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
لكن أصحاب هذا التحليل يقولون ان هذا التطور على صعيد الموقف الصهيوني مرتبط بشكل أساس بجولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الذي وصل إلى المنطقة، ويعتقدون أيضا أن تشيني أصلا كما هو الحال في الادارات الأميركية المتعاقبة تلعب من خلال الورقة الفلسطينية من اجل تسهيل سياساتها في المنطقة، فمثل هذه الانجازات وغض الطرف عن التفاهم الذي توصل إليه الطرفان في اليمن ومنح السلطة الفلسطينية بعض التسهيلات بما في ذلك نشر رجال الأمن في جنين هو من قبيل امتصاص غضب ونقمة الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية وإنقاذ مسار وخيار المفاوضات من الموت وحاملي هذا الخيار من الإحباط وتأجيل الطريق المسدود الذي كانت تسير الأمور نحو بشكل متسارع بسبب السياسية الصهيونية. وهذا كله بسبب التوجه الأمريكي الذي يريد للقمة العربية في دمشق أن تمر دون قرارات متشددة على صعيد القضية الفلسطينية بشكل أساسي، وأن تبقى القضية الأولى هي قضية لبنان ولصالح غياب فريق السلطة في لبنان عن هذه القمة أيضا، وبالتالي تفريغ هذه القمة من أي مضمون لها والذي بدأت بغياب بعض الزعماء العرب وخفض التمثيل للبعض الأخر ورفض الرئيس بشار الأسد تسلم رئاسة القمة من أي احد اقل من الملك السعودي، وعليه تبقى الوجهة الأمريكية والصهيونية بعد القمة مستمرة نحو معالجة الملف الأهم من وجهة نظرهما والمتمثل بملف إيران النووي وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهو أمر توافق عليه الأنظمة العربية الحاكمة كما يقول كثير من العارفين والمراقبين للتطورات في المنطقة. وعليه فقد عززت الإدارة الأميركية زيارة تشيني إلى المنطقة بزيارة أخرى لوزيرة الخارجية الأميركية رايس نهاية الأسبوع تستمر ثلاثة أيام للإشراف على ما يجري في الأراضي الفلسطينية كمفتاح لنجاح السياسية الأميركية التي جرى الحديث حولها. ولذلك كان القول بأن تفاهم اليمن، وهو خطوة يمكن البناء عليها ويمكن التراجع عنها فيما الأوضاع على الأرض تستمر على ما هي عليه بانتظار القادم، وقد يكون الأسوأ.
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008