ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: قمة الخلافات العربية في موعدها: فما حال ما بعدها؟

حدث في مقالة: قمة الخلافات العربية في موعدها: فما حال ما بعدها؟

كتب مصطفى الحاج علي
القمة العربية في موعدها، وهذا بحد ذاته انجاز كبير لدمشق التي استطاعت أن تتجاوز كل حملات ضغوط عرب أميركا، والضغوط الأميركية والأوروبية، التي حاولت أن تقايض مسألة انعقاد القمة بجملة من الشروط الأساسية، البارز منها كان الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
عجز المحور الأميركي عن منع انعقاد القمة في وقتها بعد جهد لتأجيل هذا الموعد، حاول هؤلاء ربط مشاركتهم بتوجيه دمشق دعوة الى رئيس الحكومة غير الشرعي فؤاد السنيورة. هنا كانت مفاجأة هؤلاء أيضاً، حيث تجاوزت دمشق كل حساسية علاقتها مع السنيورة، فوجهت اليه دعوة باسمه عبر وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ.. عندها انتقل الفريق الأميركي في لبنان إلى مناورة أخرى، فأدى دوراً متكاملاً موزعا بشكل مدروس بين راغب في المشاركة بتمثيل منخفض وداعٍٍ إلى رفضها بشكل جذري، وصولاً إلى اعتبار من يقوم بذلك خائناً. لكن كان واضحاً أن هذا الفريق لن يشارك سواء لمنع الانقسام  في صفوفه أو لعدم الوقوع في تناقض مريع بين موقعه ودوره في المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة، والقاضي بتحويل لبنان إلى منصة للهجوم وللضغط على سوريا، وجعلها هي العدو بدلاً من الكيان الاسرائيلي، والذهاب إلى القمة لتوظيفها في سياق إصلاح العلاقات وإعادة تأسيسها على قاعدة من الأخوة والجيرة الحقيقيتين، أو استجابة مباشرة لأمر العمليات الأميركي الداعي إلى عدم المشاركة كما أعلن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير السابق في لبنان ساترفيلد ذلك بصراحة تامة.
من هنا لم يكن قرار فريق واشنطن في لبنان بعدم المشاركة أمراً مستهجناً، خصوصاً بعد قرار الرياض أيضاً خفض التمثيل والحضور إلى مستوى ممثلها في الجامعة العربية، وهو تمثيل أقل ما يقال فيه انه يساوي عدمه.
ولا شك في أن القرار بعدم المشاركة لا يكشف فقط عن فشل كل المساعي المبذولة والسابقة لانعقاد القمة في إحراز أي تقدم على صعيد ايجاد مخرج للأزمة اللبنانية، بل هو كاشف أيضاً، وهذا الأهم، عن نوايا ورهانات مستبطنة لدى هذا الفريق وحلفائه في المنطقة على خطوات تصعيدية ما، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار رفض فريق أميركا السريع مبادرة الرئيس بري بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان.
بكلام أوضح يمكن القول ان مسار الأمور عربياً يمكن أن يتخذ أحد الاحتمالات التالية:
الأول: ان يشرع العرب في حركة اتصالات حثيثة لترتيب علاقاتهم في ما بينهم مستفيدين من كل التجارب السابقة، خصوصاً عرب واشنطن الذين حان الأوان ليدركوا أن هذه الإدارة لن تفيدهم بشيء، وأنها باتت حصاناً خاسراً، خصوصاً في ظل تخبطها الاستراتيجي في المنطقة، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها الولايات المتحدة، وفي ظل مناخ الانتخابات الداخلية التي تجد نفسها فيها محاصرة بالكثير من المعطيات التي تحول دون عبورها لها بنجاح.
الثاني: أن يبقى عرب أميركا على رهاناتهم السابقة، وفي هذا الإطار يمكن استحضار مسار الأمور قبل القمة كمؤشر بارز على ما سيكون بعدها. وفي هذا الإطار يمكن ايراد المؤشرات التالية:
أ ـ الهجوم الاسرائيلي على غزة، الذي وُضعت له أهداف كبيرة تمثلت بالإجهاز على حركة حماس تمهيداً لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، إلى تمكين سلطة "أبو مازن" من الإمساك بمقاليد الأمور، كمقدمة ضرورية لتوقيع أي تسوية مع الكيان الإسرائيلي، تسمح بدورها بنزع القضية الفلسطينية من محور المقاومة والممانعة لمصلحة محور الارتهان والاستسلام، وبما يسمح بالتالي بحرمان ما يعتبره هؤلاء حصان طروادة ايراني لمد النفوذ في المنطقة، وخطوة استراتيجية لحصار دمشق والمقاومة في لبنان.
إلا أن هذا الهجوم ما لبث أن توقف لاعتبارات عدة أبرزها: حجم المقاومة التي واجهها، وبالتالي توقع أن تطول المعارك أكثر مما هو مطلوب، وتحول الملف الفلسطيني إلى مسألة ضاغطة ونقطة أولى على جدول الأعمال في القمة، بما يفيد سوريا وإيران وحركات المقاومة والممانعة في المنطقة. ولذا كان المطلوب ايقافا سريعا للهجوم حتى تقطيع القمة، وهذا بدوره ما يفسر الإجهاز السريع على اتفاق صنعاء بين حماس وفتح.
ب ـ الحضور الاميركي العسكري في مياه البحر الأبيض المتوسط.
ج ـ الحركة الاميركية المكثفة على دول المنطقة من بوش إلى رايس إلى تشيني إلى رايس، عدا عن حركة الموفدين الأقل موقعية.. هذه الحركة التي تبدو مشبوهة إلى العظم.
د ـ حاجة إدارة بوش إلى انجاز سياسي تعوض فيه إخفاقاتها الداخلية والخارجية لتعويم نفسها انتخابياً، وهذا لا يتأتى إلا عبر ممر أساسي هو التخلص من حماس على طريق انجاز تسوية.
هـ ـ حاجة العدو الإسرائيلي نفسه إلى ما يوازن به نفسه بعيد هزيمته في عدوان تموز، وذلك عبر انتصار عسكري ظاهر وأكيد، وهنا تبدو مسألة غزة حاضرة أيضاً.
و ـ استحالة التوصل إلى توافقات أو تفاهمات على الملفات الخلافية بين الدول العربية، أو بين محور أميركا ومحور المقاومة والممانعة.
ز ـ رهانات فريق السلطة على التصعيد في المنطقة، وكلامه المتزايد عن مرحلة ما بعد القمة واعتبارها مرحلة مختلفة، والعودة إلى تلويحه بخيارات تصعيدية.
كل هذه الاعتبارات قد تجعل مرحلة ما بعد القمة حافلة باحتمالات التصعيد والتفجير للأوضاع، إلا إذا تنبه العقلاء وأدركوا ـ ولو متأخرين ـ أن حسابات المصالح قد تعمي البصيرة، وبالتالي لا بد من رؤية واقعية تدرك أن واقع محور المقاومة بات أقوى بكثير، وقادرا على إلحاق الهزيمة بكل المخططات  المشبوهة والمتآمرة.. وعندها لن ينفع هؤلاء الندم. إنها مغامرة بكل ما في الكلمة من معنى، فهل يفيق هؤلاء قبل فوات الأوان، فيقدموا خيار التفاهم والتوافق على ما عداه؟ الكرة في ذاك الملعب.
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008


2008-03-28