ارشيف من : 2005-2008
الى السفير والسمير: "خيطوا بغير هالمسلّة"!!
كتبت ليلى نقولا الرحباني
طالعتنا الصحف المحلية اللبنانية بتصريحين فيهما تزامن غريب بين محاضرة السفير الاميركي الاسبق في بيروت جيفري فيلتمان في واشنطن وحديث قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في لوس انجلوس.
الاول يتهم العماد عون "بتنفيذ الأجندة السورية"، ويضيف ما حرفيته: "مناصرو عون يشتركون في الاهداف مع "تحالف 14 آذار"، وإنهم يعارضون حروب حزب الله وإضعاف الدولة والاحتلال السوري". واقترح "ان ينضم مناصرو عون الى قادة 14 آذار".
وفي تزامن غريب يقول جعجع في اليوم نفسه: ان سوريا كانت تريد افتعال حرب أهلية، وقد حاولت القيام بذلك من خلال العونيين، ولكن الخطة كُشفت من قبل الدولة اللبنانية واعتقلت البعض منهم!! وأوضح ان هناك جزءاً من القاعدة العونية يرفض الدخول في هذه اللعبة، وأنهم ضدها!
وكما ساقا الاتهامات والتوصيفات نفسها للسوريين، جزم الاثنان أيضاً بأن حزب الله لا يريد الحرب الاهلية، وأنه لن يستعمل سلاحه في الداخل. والغريب واللافت ان الاثنين ذكرا اسمي الوزيرين وئام وهاب وعبد الرحيم مراد تحديدا.
وهنا يحق لنا كمطلعين على السياسة اللبنانية ان نسأل: هل هو توارد أفكار بين سمير جعجع وفيلتمان؟ وهل هي صدفة أن يطلقا تصريحين يتضمنان العبارات ذاتها ام ان الكاتب نفسه وزع نصيّن على ناطقين مختلفين؟
بكل الاحوال سوف نأخذ الجزء المتعلق بالتيار الوطني الحر لنفند الأقوال التي سيقت فيه:
بداية ان العماد عون بتاريخه النضالي الطويل ومسيرته الاستقلالية منذ أن كان قائداً للجيش، لا يحتاج الى "شهادة" في الوطنية او في حسن السلوك من سفير أميركي، ولا من رئيسه حتى.. وكان الاجدى بهذا السفير أن يحترم البروتوكول الدبلوماسي والقوانين والأعراف الدولية وأن لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، مهما كانت هذه الشؤون ومهما كان موقفه منها.. فكيف يسمح بتنصيب نفسه قاضياً على اللبنانيين وخياراتهم، ويسمح لنفسه بتصنيفهم بين "وطنيين" و"عملاء"!!
ثانياً: ان الادعاءات التي يسوقها السفير وقائد القوات اللبنانية عن تعارض القاعدة العونية مع زعيمها العماد ميشال عون وخياراته، وخاصة وقوفه وتفاهمه مع حزب الله، ليست جديدة مطلقاً.. والغريب ان ما يتهم السفير الاميركي سوريا بالقيام به هو نفسه ما يفعله هو اليوم.
خلال فترة الوجود السوري في لبنان وخلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، قام الحكم اللبناني المدعوم من السوريين ومخابراته بتسويق مقولة "عونيون بلا عون"، في محاولة لتضليل الرأي العام، لذا أخذوا يشنون الحملات الترويجية والتضليلية التي تقول ان القاعدة العونية منفصلة عن رأس الهرم، وإنها لا تواكبه في خياراته الاستقلالية.. ثم تكرر المشهد نفسه والحملات الترويجية نفسها بعد ادلاء العماد عون بشهادته في الكونغرس الاميركي عندما انطلقت الحملات تقول ان العونيين يرفضون ما قاله قائدهم وخطابه في الكونغرس الذي أكد فيه ما كان قد قاله سابقاً، من "ان لا عداء بين الجارين لبنان وسوريا اذا انسحب السوريون من لبنان".
اذاً، يبدو ان البروباغندا الاعلامية والتحريضية والترويجية لخلاف بين القاعدة العونية والعماد ميشال عون هي قديمة جداً، ينبشها الآن جعجع وفيلتمان، ويحاولان التهويل بها على من لا يعرف طبيعة التيار الوطني الحر الحقيقية، وعلى من لا يعرف ان العونيين لا يرتبطون بشخص، بل هم مرتبطون بمبادئ ونهج استقلالي سيادي.. مبادئ تدعو الى تحرر الانسان من التبعية والإقطاعية والطائفية والتعصب، وتعتبر ان السيادة اللبنانية لا تتجزأ وترفض الوصاية الخارجية، وتؤكد دائماً ان هدفها هو حماية الجمهورية وصونها، وليس الوصول الى رئاسة الجمهورية.. هذه هي "العونية"، وهذه هي المبادئ التي يعتنقها مناصرو التيار الوطني الحر.. وبما ان هذه المبادئ باتت اسلوب حياة بالنسبة اليهم، فلا يمكن لأحد أن يفصل بينهم وبينها، لذلك لا يمكن لأحد ان يفصل بينهم وبين مجسد هذه الطموحات العماد ميشال عون.
تواريخ وشواهد كثيرة تفيد ان هذه المحاولات البائسة لن تصل الى اي مكان. فكما فشلت المحاولات الدائمة لثني العماد عون عن أخذ المواقف الوطنية الجريئة، خاصة عندما أعلن عام 1989 انه يريد أفضل العلاقات مع سوريا عندما تصبح في سوريا، هكذا اعتبر بعد خروج السوريين من لبنان. وكذلك عندما لم تثنه جميع الضغوط الدولية والمحلية والإقليمية عن الوقوف مع شعبه خلال حرب تموز، واتخذ الخيار الحقيقي الذي نبع من صلب الإرادة العونية الصحيحة.. وكما صمد معه مناصروه في أوقات القهر والنضال والنفي ولم يتخلوا عن المبادئ السيادية التي يجسدها، وقفوا معه وأيدوه في تفاهمه مع حزب الله. وهكذا سيبقون معه في خياراته الوطنية المستقبلية.
جميع هذه الشواهد وغيرها تدفعنا الى القول للسفير والسمير معاً: "خيطوا بغير هالمسلّة".
الانتقاد/ العدد1260 ـ 28 آذار/ مارس 2008