ارشيف من : 2005-2008
ملاحظات على نص وثيقة وزراء الإعلام العرب لتنظيم البث الفضائي
إعلاميين) إلى جانب مخاوف عبّر عنها عاملون في حقليّ السياسة والثقافة والإنتاج التلفزيوني والإذاعي. وقد تختلف مستويات التحفظ وأنواعها تبعاً لمواقع المؤسسات الإعلامية من السلطات الحاكمة في البلدان ذات النظام التعددي (حالة لبنان) أو تبعاً لمواقف بعض المحطات العربية من القضايا الراهنة والساخنة. فتغلّب إحدى المحطات الجانب التجاري على السياسي لأن الأخير مرتبط بالتوجه العام للجهة المالكة أو السلطة الحاكمة، وهي غالباً واحدة. وتغلب محطات أخرى الجانب السياسي، لأنها تفترض ان دوراً وطنياً وقومياً يجب أن تلعبه انطلاقاً من ترابط القضايا الوطنية والقومية في هذه المرحلة المصيرية. انطلاقاً من ذلك سنعرض فيما يلي أبرز الملاحظات المتعلقة بالوثيقة وفق محاور.
المحور الأول: حول مدى إلزامية الوثيقة
جاء في البند الثالث مصطلح «تطبق هذه المبادئ على هيئات البث...»، ثم ورد في البند الرابع مصطلح «تلتزم هيئات البث...». وكذلك ورد المصطلح نفسه في البندين الخامس والسادس وصولاً إلى البند الثاني عشر الذي يعطي الوثيقة قوتها الإلزامية من خلال ما جاء فيه حرفياً: «تقوم الدول الأعضاء بوضع الإجراءات اللازمة في تشريعاتها الداخلية لمعالجة حالات الإخلال بمبادئ هذه الوثيقة من قبل المخاطبين بهذه المبادئ وبصفة خاصة هيئات البث الفضائي وإعادة البث ومقدمي خدمات البث الفضائي التابعة الموجودة على أراضيهم ولو كانت تعمل من خلال مناطق خاصة أو مناطق حرة وحتى لو كانت تخضعها لتشريعات خاصة لهذه المناطق أو غيرها من التشريعات».
إن هذا البند ينطوي على إشكالات كبيرة منها ما هو: سياسي ـ تشريعي يتصل بمدى أحقية السلطة التنفيذية في إبرام تفاهمات وإقرار وثائق تقفز فيها فوق المجالس التشريعية، خاصة ان القوانين الناظمة لعمل الإعلام والبث الفضائي لا يمكن تعديلها إلا بقوانين. فهل وثائق أو حتى قرارات صادرة عن مجلس وزاري عربي أقوى من قوانين داخلية للبلدان العربية؟
كما ينطوي البند على إشكالات مالية ـ وتجارية باعتبار ان التراخيص صدرت وفق معايير عمل معينة، تحاول الوثيقة تقويضها بشكلٍ من الأشكال وبالتالي التأثير على انتشار المؤسسة مهنياً وإعلامياً وتجارياً.
المحور الثاني: المرجع القضائي المختص
نظراً لغياب المرجعية القضائية المستقلة في لبنان وفي سائر البلدان العربية التي تنظر في الشكاوى أو في قضايا النزاع المتكوّنة بين الأطراف المعنية وهم ثلاثة: السلطة، المؤسسة، والرأي العام، فإن ثمة أسئلة هامة:
أـ كيف يمكن حماية المؤسسات الإعلامية صاحبة الرأي المختلف عن رأي السلطة؟
ب ـ كيف يمكن الفصل بين الدور الوطني للمؤسسة الإعلامية والدور القومي؟
ج ـ هل تغطية نشاط لقوى معارضة في دولة عربية أو لقاء مع أحد المعارضين لأي سلطة عربية يمثل «تأثيراً سلبياً على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة»، كما نصّت الفقرة 5 من البند الرابع؟ أو أنه يمثل خرقاً «لاحترام مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة على أرضها»، كما نصّت الفقرة 2 من البند الخامس.
د ـ ما هو موقف لبنان فيما لو اعتبرت إحدى الدول العربية ان ثمة خرقاً للوثيقة وعليها التزام الموجبات التي نصّت عليها الفقرة 3 من البند الخامس. او الفقرة 1 المدرجة تحت عنوان «الأعمال المخالفة لمبادئ هذه الوثيقة»؟ والأخطر ما وصلت إليه الفقرة 3 والتي عبّرت بوضوح عن الهدف الأساسي للوثيقة: «وفي جميع الأحوال ومتى رصدت السلطات المختصة بالدولة العضو التي منحت السلطة المختصة بها الترخيص أو تم إبلاغها بأي مخالفة لأحكام القانون الداخلي أو الأحكام الواردة بهذه الوثيقة، فإنه يحق لها سحب ترخيص المخالفات أو عدم تجديده أو إيقافه للمدة التي تراها مناسبة».
وتبادر أسئلة استطرادية هنا عن المعنى الملتبس لما جاء في الفقرة 1 (البث دون ترخيص) وما جاء في الفقرة 3 (رصدت أو أُبلغت بأي مخالفة!).
المحور الثالث: المفاهيم والقيم الوطنية والأدبية
ان ما ورد من مصطلحات ومفاهيم وعبارات في الوثيقة تضمنته أغلب القوانين الناظمة لعمل هذا القطاع نظرياً، ولكن كيف يمكن توحيد فهم هذه القيم؟ كيف يمكن توحيد مفهوم: المصالح العليا للدول العربية (بالمفرق)، وللوطن العربي (بالجملة)، السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام الآداب العامة، إحترام مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة على أرضها، التفريق بين الإرهاب والحق في مقاومة الاحتلال. وغيرها مما ورد في الوثيقة. إن الموقف إنما تحدده مواقع الأفراد والقوى والكيانات والأنظمة من القضايا المطروحة وهي في هذه الآونة موضع تقلبات صراعية كبيرة ومفصلية.
المحور الرابع: حقوق الوكالات الحصرية
تتحدث الوثيقة في الفقرة 4 من البند الخامس عن «الالتزام بمبدأ حرية استقبال البث وإعادة البث بمعنى حق المواطن العربي على امتداد أراضي الدول الأعضاء في استقبال ما يشاء من بثٍ تلفزيوني صادر من أراضي أي من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية». وتعكس هذه الفقرة دلالة إيجابية تبقى أضعف من الإشارات السلبية الواضحة والتي جاءت في نص الوثيقة وتتحدث عن استنساب السلطات بطلب وقف أي محطة من المحطات العربية في دولة المنشأ، إذا أخلت بأحد مبادئ الوثيقة. كما وتخالف الوثيقة مخالفة صريحة مبدأ حقوق الملكية الأدبية والحقوق التجارية المعمول بها في كل قوانين التجارة العربية لدى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية من خلال ما جاء في الفقرة 5 من البند الخامس وفيها: «ضمان حق المواطن العربي في متابعة الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية الكبرى، خصوصاً الرياضية منها، التي تشارك فيها فرق أو عناصر وطنية وذلك عبر إشارةٍ مفتوحة وغير مشفرة أي كان مالك حقوق هذه الأحداث حصريةً كانت أم غير حصرية». وهي تتناقض بذلك الفقرة التي تلتها والتي تتحدث عن «الالتزام بحقوق الملكية الفكرية في كل ما يبث من برامج طبقاً للقوانين الدولية في هذا المجال». وهو تناقض مع مبدأ حفظ الحقوق الخاصة وحقوق الوكالات الحصرية.
لقد وضعت الوثيقة نفسها أمام إشكالٍ حقيقي مع المبادئ التجارية ومع المؤسسات والكيانات المهنية صاحبت العلاقة والتي تفترض أن تنظيم هذه الفعاليات يرتبط بمجموعة عناصر، تشكل الكلفة المالية عنصراً هاماً في قيام فعاليات كهذه، وبالتالي لا يمكن فصل الإعلام عن الناتج الاقتصادي والتجاري لذا كان من الأفضل أن تتحدث الوثيقة عن تعويضات يتوجب على الدولة العضو في جامعة الدول العربية دفعها لصاحب الحق الحصري فيما لو رغبت هذه الدولة بفك التشفير الخاص بنشاطٍ ما أو فعاليةٍ ما.
خـاتـمــة
ان هذه الملاحظات تشكل مادة أولية للنقاش يمكن تطويرها من الجوانب المهنية والقانونية بما يخدم فلسفة «الوثيقة» وأهدافها.
(*) مستشار سابق في وزارة الإعلام اللبنانية