ارشيف من : 2005-2008

هل إسرائيل هي العدوّ ؟! ما يقوله اللسان يكذبه البيان

هل إسرائيل هي العدوّ ؟! ما يقوله اللسان يكذبه البيان

الآخر في هذا الموقف، ومن شدة تكرار هذا الكلام كاد الجميع أن يصدق ذلك. بينما العاقل يدرك تماماً أن اللبنانيين لو اتفقوا على هذا الموقف لكفاهم ما هم فيه من مشاكل وأزمات، لأن الحقيقة هي خلاف ذلك، والشاهد هو الواقع والتاريخ والنظرة الشاملة الموضوعية للأمور، ولكن من يملك جرأة الخطاب السياسي المتزن الذي يسمي الامور بأسمائها بعيداً عن البروباغندا الإعلامية والضغط الإعلامي الذي يشوه الحقائق ويُلبس الشيطان ثوباً من التقوى فتظنه الناس ناسكاً متعبداً.‏

إسرائيل دولة عنصرية مغتصِبة احتلت الأرض الفلسطينية وهجّرت الشعب الفلسطيني، وكانت سبباً في كل ما لحق ذلك من ويلات وردات فعل وآثار سلبية اقتصادية واجتماعية وسياسية، أخذت بيد العالم العربي وخصوصاً دول المواجهة (أو ما كان يعرف بذلك سابقاً) إلى التخلف والفقر، حيث كانت الأموال توجّه للمجهود الحربي بينما إسرائيل كانت ولا تزال تتلقى أحدث الاسلحة من الولايات المتحدة الامريكية والمساعدات المالية السنوية التي تسمح لها ببناء المستوطنات وبتكوين القوات المسلحة المتطورة القادرة على التوسع وتحقيق الانتصارات على الجيوش العربية بسلطاتها السياسية القائمة.‏

إن التخلف القائم في الدول العربية أصله متعلق بوجود الدولة العبرية، إلا أن السلطات القائمة كعادتها تقدس القوة وتنكبّ على الضعيف، فاتجهت لتدمير الفلسطينيين والإمعان فيهم تشريداً وتقتيلاً للتخلص من نتائج الوجود الإسرائيلي ظناً منهم أن المشروع الصهيوني قد يقف عند هذا الحد، إلا أن ما يقومون به وفقاً لأرض الواقع هو خدمة لإسرائيل من أجل السلام المزعوم المنتصب على جماجم الفلسطينيين، حيث إن المعبر للسلام الموهوم لن يمرّ دون كسر شوكة الفلسطينيين وإنهاء قضيتهم وفقاً للرغبة الصهيو-أمريكية، فتتالت حروب الإضعاف والإجهاض والمجازر المتنقلة، وترسخت فكرة أن الفلسطينيين هم سبب المشاكل والازمات في المنطقة ونسي الناس وتناست الانظمة أن الفلسطيني هو الضحية وأن الإسرائيلي هو الجلاد.‏

وفي لبنان لنا تجربة معها، فإسرائيل دولة مغتَصِبَة احتلت أراضي لبنانية وهي بالمفهوم الدولي دولة محتلة يحق للشعب اللبناني مواجهتها بكافة أشكال المقاومة وفقاً للقانون الدولي وللشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وعندما كان فريق من اللبنانيين قد بنى أمجاده واستراتيجيته وفق سياسة الصداقة مع اسرائيل، فلم تشمله المقاومة اللبنانية التي ضمت اطرافاً إسلامية ويسارية ووطنية تعاقبت وفق أطر زمنية وواقعية جغرافية، وبقيت أقلية من اللبنانيين كالسمّ في الدسم حريصة على نجاح العدو حرصها على مشروعها بما يوحي بتلازم المشروعين. وما إن تمكنت المقاومة من تحقيق التحرير حتى خفَتَ صوت العمالة وتقلصت مظاهره وأصبح يعمل في الخفاء والسر من خلال التفجيرات المتنقلة والتجسس، وقد تم الكشف عن بعض المجموعات المتعاملة مع العدو وعن دورها في تنفيذ أهداف إسرائيلية.‏

ولم تبرح المقاومة أن أنجزت النصر المنشود حتى ظهرت براثن الثأر اليهودية بوجه أمريكي وقرارات دولية وأبواق من الداخل اللبناني، فبدأ التحريض على المقاومة في شكل لم يسبق له مثيل إلا ان زهد المقاومة اللبنانية بالسلطة دفع بالآخرين إلى التطاول والعودة إلى إحياء مشروعهم الانعزالي القديم الجديد بقناع مختلف وبتأييد شعبي موهوم مبني على اختطاف الرأي العام بواسطة الضخ الإعلامي والتأييد الدولي واستيعاب السذّج من السياسيين. وشَكّل العدوان الإسرائيلي في تموز باباً واسعاً لإجهاض المقاومة وتحميلها مسؤولية نتائج العدوان، في استعادة كاملة للسيناريو الذي جرى مع الفلسطينيين، حيث يُبَرّأ المعتدي الإسرائيلي ويتحمل المسؤولية المعتدى عليه، في ظل غباء سياسي ظهر عند الكثيرين من الذين بدأ عندهم تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي عند خطف الجنديين الإسرائيليين على أطراف الجنوب! ورغم كل ما كتب في الصحف الإسرائيلة والامريكية لاحقاً عن الاستعداد الإسرائيلي السابق لعملية تموز والتحضير للعدوان وبأنه لم يكن مرتبطاً بعملية خطف الجنديين، وبالرغم من تقرير فينوغراد الذي اعتبر ذلك العدوان فاشلاً ولم يحقق أهدافه.‏

صحيح أن لبنان لم يدخل التسوية مع إسرائيل بسبب روح المقاومة التي أجهضت الرقاب المشرئبة إلى اتفاقية 17 أيار المشؤومة، إلا أن ما يجري تداوله في وسائل الإعلام وعلى أفواه بعض السياسيين اللبنانيين يعتبر خطوات متقدمة من التطبيع مع العدو الإسرائيلي، فهم يصرحون مرة في الشهر من باب رفع العتب أن إسرائيل هي العدو، وبالمقابل يتحدثون كل يوم في انسجام واضح وترداد ببغائي لمفردات وعبارات تجسد الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية، وكانت مجازر غزة شاهداً على ذلك، حيث تحدث من سار في الركب الأمريكو – صهيوني من اللبنانيين عن مسؤولية صواريخ القسام كسبب لمجازر غزة متناسين أن الأرض هي أرض الفلسطينيين والضحايا هم الفلسطينيون وأدوات الموت أمريكية واليد الضاربة إسرائيلية والمهللون هم من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، وحتى كلمة «الشهداء الفلسطينيين» سحبت من تداولهم وأصبح خطابهم يساوي بين القاتل والمقتول وكأنهم خارج الزمن والحدث، يعيشون الحلم الامريكي الذي سيودي بهم إلى الهاوية في نهاية المطاف، لأن أمريكا لا تحمي المغفلين.‏

وهكذا اصبح العدو في لبنان غير مجمَعٍ عليه، وبدأ العمل الدؤوب بتحويل الانظار إلى عدو مختلف من خلال تنشيط العصبيات العنصرية والمذهبية، حيث ازداد مؤخراً الكلام عن الجهة الإيرانية للإيهام بأن هنالك تساوياً في الموقف، والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا إيران بالتحديد؟ مع العلم أن عشرات دول العالم لها ارتباطات وتدخلات في الواقع اللبناني. الإجابة تأتي على لسان المسؤولين الأمريكيين والصهاينة، حيث يجمعون على أن إيران تشكل خطراً كبيراً عليهما وهي المعادية لمشروعهما السلمي بحسب تسميتهم في المنطقة، وهي المنتصرة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وبالمفهوم الامريكو- صهيوني هي المنتصرة للإرهاب، وهي التي تسعى لتطوير منشآتها النووية من أجل فرض توازن مع العدو الإسرائيلي، بينما تراه إسرائيل وأمريكا ومن يردد من ورائهما إرهاباً دولياً، وإيران وفقاً لتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين هي العدو الأول الذي يشكل خطراً على كيانهم.. بعد كل ذلك لماذا إيران؟! أليس ذلك تكريساً لصداقة مع إسرائيل؟!!‏

إن صداقة اللبنانيين مع إيران أمر طبيعي، ويجب أن يكون استراتيجياً في ظل استمرارية الصراع مع العدو الإسرائيلي، فإيران بشهادة العدو هي عدوة له، وفي المعادلة السياسية أن عدوّ عدوي صديقي. أما العمل على إذكاء روح العصبية والمذهبية واستجلاب العداء مع إيران فإنه لن يخدم قضايانا في شيء بل سيزيد من التشتت والفرقة لمصلحة الكيان الصهيوني الذي لا يفرق في عدوانه بين مذهب وآخر وبين قومية وأخرى، فالجميع بعرفِهِ «غوييم»‏

على الساسة اللبنانيين أن يتحلوا بالشجاعة وليسموا الأمور بأسمائها، فالعدوّ هو العدوّ، والصديق هو الصديق، ولنقل للظالم شُلّتْ يداك وللصديق تَرِبَتْ يداك، وليُفتَح باب الحوار بين أبناء الوطن الواحد بكافة أطيافه ومكوّناته حول هل إسرائيل هي العدو؟ وليكن ما يقوله اللسان ما يؤكده البيان.‏

التاريخ: 18/3/2008‏

2008-03-18