ارشيف من : 2005-2008
محكمة الضمير تدين إسرائيل والوفود الدولية تتعهد بتنفيذ الحكم
أن تكون رسمية قابلة لإحالة إسرائيل إلى العقاب في اللحظة التالية.
الكلَّ أعرب عن إعجابه الشديد بمهارة العمل وتقنيته، فالشهود كانوا شهوداً حقيقيين من عائلات الضحايا ورؤساء البلديات ولم تسنح لهم الظروف أن ينقلوا كل معاناتهم وكل مرارتهم، لكنهم نقلوا ما تسنى لهم من بعض الحقيقة بالصوت والصورة والحكاية المؤلمة. الخبراء نقلوا بدورهم بعض المأساة وجزء من الجرائم في تقارير مصورة وأبحاث عميقة. الجمعيات الدولية نقلت بدورها نتائج عملها أثناء العدوان وأثبتت نتائج أبحاثها والفحوصات المخبرية في المختبرات الدولية.
جمعت الأيام الثلاثة بين الحدث والبحث العلمي وبين العلم والقانون، لكنها كانت غنية ومفيدة. إنما هي نقطة بداية وليست نهاية المطاف. فالحكم الذي تلاه القاضي هو حكم حقيقي قابل للتنفيذ أكثر من حكم "الشرعية الدولية" الجائرة، وقد أرادته الوفود حقيقياً حتى وفق الطقوس. اعترضت على إظهار بعض من صور جرائم خلف القضاة، قبل إعلان الحكم، لأنها رغبت أن تتفرج الشهادات بحكم ملائم دون تعكير المؤثرات الإضافية.
كان متوقعاً إصدار إدانة بجريمة الحرب والجرائم الاقتصادية والبيئية والجرائم ضد الإنسانية، فالهيئة القانونية في لبنان، أعدت ملفاتها ودعوتها بشكل أذهل القضاة والخبراء. وتولت كذلك هيئة الادعاء الدفاع عن دعوتها وملفاتها.
إنما لم يكن من المتوقع إصدار إدانة بجريمة الإبادة. فهذه الإدانة تحتكرها إسرائيل وحدها في القانون الدولي وفي الأعراف والفقه القانوني وهي بتعريفها لا تنطبق إلا على ضحايا النازية من اليهود.
فكل الإبادات الأخرى التي حصلت في التاريخ الحديث، لا تدخل إلى القانون الدولي بحسب تأويلات وتفسيرات أصبحت عرفاً لكن هيئة الادعاء في محكمة الضمير تحررت من هذه التأويلات وأثبتت أن القانون الدولي يلحظ جريمة الإبادة على قدم المساواة بين كل الشعوب التي تتعرض لجريمة الإبادة.
صدر حكم المحكمة بإدانة إسرائيل بجريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة. إنما تضمّن الحكم لأول مرة جريمة العدوان، وهي جريمة لم تدخل بعد في الأعراف، لكنها في صلب القانون الدولي، إنما في صلبه غير المستعمل. المهم في الأمر أن الادعاء اللبناني والدولي تجاوز الجدل السطحي حول ما يسمى في القانون الدولي "حادثاً حدودياً"، لا يستدعي الحرب على الإطلاق، وتجاوز أيضاً ما هو معروف في القانون الدولي حول حق المقاومة في شن عمليات عسكرية، حتى داخل أراضي العدو، طالما بقيت أراضيها محتلة، بل اثبت الادعاء أن إسرائيل دولة مجرمة ينطبق عليها ما انطبق على النازية. وذلك دون أن يلفظ الادعاء أي كلمة خارج مواد القانون الدولي ودون أن يستعمل أي لفظ سياسي أو أخلاقي.
وهو الأمر الذي أدى إلى اعتبار هذه المداخلة القانونية مدرسة قائمة بذاتها تستحق الدراسة والاهتمام.
الوفود الدولية لم تغادر قاعة المحكمة طيلة الوقت المرهق. سجل كل فرد ما استطاع من معلومات وشهادات ومواد قانونية. انكبت الطلبات على الهيئة التنظيمية تطلب الوثائق والأبحاث والشهادات والحكم. الكل يريد بين يديه مادة للنشر وتوظيف الحكم. الكل يعرب عن شكره ويعتذر عن التقصير بحق الضحايا. وكل واحد يفكر بتوظيف الحكم، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، وعدت بإثارة القضية في البرلمان الأوروبي، النواب الآخرون وعدوا أثارتها في برلماناتهم، الأحزاب الإيطالية وعدت بعمل كبير على المستوى الأوروبي والعلاقة بين الضفتين اقتراحات كثيرة تم تداولها بشأن المتابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية واقتراحات أخرى على مستويات أخرى تدعو للتفاؤل. الكل علم ورأى ولم يسكت والكل أدرك أن لضحايا العدوان، علينا حق محاسبة المجرمين.
وعلى هامش المحكمة عقدت ندوة سياسية خاصة بالوفود الأوروبية اشترك فيها جورج لبيكا وجان بركمون وجان كلاتينوتو والدكتورة رانيا المصري والدكتور مصطفى بدر الدين. أدار الندوة راوول جينار وتطرقت إلى موضوع مسؤولية أوروبا في استمرار الجرائم الإسرائيلية وكيف يمكن أن يتحمل المواطن الأوروبي مسؤولية مواطنته. الموضوع قابل لمزيد من البحث والتداول وهو موضوع مثل مغامرة المحكمة نقطة بداية تفتح آفاق جديدة في كسر الحصار وجدار الصمت.
التاريخ: 25/2/2008