ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: لماذا لم تشكروا رايس؟
كتب نصري الصايغ
استطاعت كونداليسا رايس، أن "تحرر" خمسين موقعاً فلسطينياً من الحواجز والعوائق الإسرائيلية. وتبلغ المساحة "المحررة" من أجل فلسطين المحتلة، صفر فاصلة صفر صفر واحد بالمئة = 0,001%.
بالفعل، تستحق رايس شكراً عربياً، من المحيط إلى الخليج، وتحديداً، لأنها قامت بذلك من تلقاء نفسها، ومن دون مطالب عربية، وتضرعات "الاعتدال"، وقرارات القمة العربية، المشغولة بتعميق الهاوية إلى أن تطال سقف الجحيم. ويجب أن نعذر رايس، لأنها لم تستطع أن تمنع الاستيطان وموجاته المتتالية، ذلك أن اسرائيل اعتادت على أن تأخذ الكثير مقابل القليل الذي تعطيه، وهو قليل، قابل للاسترداد بحجج أو من دون مسوّغ.
ويلزمنا الكثير من الوقت كي نبلغ، كعرب موزعين على كيانات وأعراق وأديان وطوائف ومذاهب وقبائل وبطون وأفخاذ وهلم جراً، في التاريخ الحجري والبرونزي وما بينهما، كي نصل إلى ما بلغه بعض يهود "اسرائيل"، في وصف وإدانة وتحقير واتهام اسرائيل بارتكاب جرائم العصر، في زمن الحرب وفي أزمنة "السلم" مراراً.
أنقل عن الكاتب دايفيد غروسمان من "هآرتس" عندما ضبطت باخرة السلاح ما يلي: "ما البرهان الذي تقدمه باخرة السلاح؟ البرهان أنك إذا احتللت شعباً وقمعته، وأهنت زعماءه، إذا عذبت وقمعت شعبه، إذا لم تقدم له بصيص أمل، فإن هذا الشعب سيلجأ إلى أي طريقة لإسماع صوته.. عندما نقوم نحن بهذه الأعمال لا نسميها إرهاباً (نقول:) إنه نضال شعوب بطريقة شرعية لبلوغ الحرية والاستمرار في الحياة.
وعندما يقومون (هم) أي الفلسطينيون، بمثل ما قمنا به سابقاً، نسميهم إرهابيين".
لا يجرؤ مسؤول عربي على تبني ربع هذا الكلام، ونجد عدداً من المسؤولين العرب وبطاناتهم السياسية وحوابيهم من رجال الإعلام والنفوذ و"الفكر" ينتفضون ضد سلاح المقاومة في لبنان، ويشهّرون به ويحقّرونه ويدينونه ويتهمونه، كما يتبارون مع "العالم المتحضر" الجبان، في قدح وذم صواريخ القسام، "الفقيرة جداً"، ويصمتون، صمت أهل الكهف، إزاء ما تجترحه "اسرائيل" من مجازر يومية، ضد أطفال ونساء ومدنيين فلسطينيين.
عندما أحس زعيم عربي ذات مرة، أنه أهين، قامت قيامة "العرب" مؤيدة ومنافحة وغاضبة صوناً للعرض السياسي، أما وقد طحنت اسرائيل عظام الفلسطينيين وأغدقت عليهم القنابل بالمئات وقصفت نومهم بالكوابيس الدامية، فإنه أمر مفهوم: فالحق على "القسّام"، طيّب الله سلامه.
ويحدثونك عن السلام.
حسناً، فلنذهب معهم إلى السلام، انما، وقبل المباشرة بمد اليد الفلسطينية نتلقى الخناجر الاسرائيلية، فنقرأ ما كتبته الصحافية اليهودية الشجاعة ميرة هاس في كتابها "شرب الماء في غزة": "كل ما قامت به "اسرائيل" من أوسلو، كان لكسب الأرض ومصادرتها وتعميق الهوة مع الفلسطينيين. فبعد كل مصافحة وتوقيع كانت المجنزرات والمصادرات والقمع والاغلاق تنشط بسرعة مذهلة، وبينما كانت مفاوضات السلام تسير كالسلحفاة كان المجتمع الفلسطيني يسير بسرعة إلى الكارثة، استمر الاحتلال، القوات الاسرائيلية خرجت من المدن إلى المدن، الاقفال تضاعف عشرات المرات، رخص العبور تقلصت، منع التجوال ازداد، بارت الحقول، توقفت الصناعة، ازداد عدد العاطلين عن العمل".
وترسم أميرة هاس صورة الاذلال في مدينة الخليل: "انه من الطبيعي أن يخضع 40 ألف فلسطيني لمنع التجوال لمدة شهر كامل، لحماية 500 يهودي (فقط)، إنه لمن الطبيعي أيضاً، أن تقفل 34 مدرسة، يؤمها آلاف التلامذة الفلسطينيين، لمدة شهر كامل، وأن يبقى الفلسطينيون في منازلهم المكتظة، فيما جيرانهم اليهود، أحرار في التنزه والتجوال في الشوارع وسط الجنود الاسرائيليين، انه لمن الطبيعي ان تقف أم فلسطينية على حاجز اسرائيلي، تتوسل جندياً اسرائيلياً كي يسمح لها بشراء دواء لابنها المصاب بالربو أو لشراء خبز لعائلتها" (هآرتس).
تعليق:
انه لمن الطبيعي، لمن يسير على جبهته، أن لا يرى جريمة اسرائيل، أما من يسير على جراحه فسيكون، من سلالة القسّام، ومن سبط البنادق.
تعليق آخر من الشاعر محمود درويش:
"ويرحلون من البيوت إلى الشوارع
راسمين إشارة النصر الجريحة
قائلين لمن يراهم:
لم نزل نحيا، فلا تتذكرونا"
الانتقاد/ العدد1261 ـ 4 نيسان/أبريل 2008