ارشيف من : 2005-2008
السنيورة بين قمتين..على من يكذب؟
كتبت ليلى نقولا الرحباني
طالعنا الرئيس فؤاد السنيورة بمطالعة كبيرة وعظيمة، يوضح فيها اسباب قرار الحكومة اللبنانية بعدم المشاركة في قمة دمشق، معتبرا ان "السبب المباشر لعدم حضور هذه القمة هو التأكيد أن لبنان إنما يتمثل طبيعياً، في أي قمة عربية، برئيس الجمهورية الذي يميّز بحضوره لبنان المميز بخصوصيته وتنوعه وصيغته الفريدة، وهو الرئيس العربي المسيحي الوحيد بين القادة العرب"... كلام رائع وجميل يصدر عن رئيس حكومة لبنان، ولكن ان يصدر عن السنيورة بالذات، فهو أمر يوحي بالتأكيد ان السنيورة اما يحاول فيه ان يتذاكى على اللبنانيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص، وإما يدّعي الطهارة والبراءة وهما بعيدتان عنه كل البعد.
من أين أتت النخوة للرئيس السنيورة ليتذكر الآن احترام موقع رئيس الجمهورية اللبنانية "المسيحي" كما قال، وهو منذ تسلم رئاسة الحكومة اللبنانية وهو وفريقه يهمشون رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، ويفتعلون المشكلة تلو الاخرى خاصة خلال القمم العربية.
واذا كان الرئيس السنيورة يعتقد ان ذاكرة اللبنانيين قصيرة جداً وانهم سوف يصدقون تباكيه على رئيس الجمهورية "الماروني"، فإننا هنا لنذكر بما حصل في قمة الرياض في السنة المنصرمة وفي قمة الخرطوم سنة 2006.
في قمة الرياض، أصرّ السنيورة على الذهاب في وفد منفصل عن رئيس الجمهورية الى القمة وجلس ليس في المقاعد المخصصة للبنان، بل في المقاعد المخصصة لضيوف الشرف، وقال عند استقباله في المطار: "مشاركة رئيس وزراء لبنان هي مشاركة طبيعية جدا. ففي كل مؤتمرات القمة العربية التي كانت تعقد مدى كل الأعوام الماضية كان يشارك فيها كل رؤساء الوزراء".... عظيم!! اذا كانت مشاركة رؤساء الوزراء هي طبيعية في كل الاعوام الماضية، فلماذا هي محظرة على قمة دمشق؟
اما في قمة الخرطوم والذي كان لافتاً فيها وصول فؤاد السنيورة بشكل "مفاجئ"، والذي شكل برأي المراقبين والمتابعين تحدياً للرئيس لحود، وبعدما تسرّبت معلومات، قبيل وصوله، بأنه يأتي ليطرح استقالة الرئيس لحود، ووجوب مغادرته قصر بعبدا، وليطرح بصفته رئيساً للحكومة، على جدول أعمال القمة، موضوع العلاقات اللبنانية السورية، إلا أن عمرو موسى نجح انذاك في احتضان الموقف المتفجّر، وسارع الى زيارة السنيورة في مقر إقامته بعيد وصوله الى الخرطوم وعقد معه اجتماعا مطولاً أسفر عن مخرج بأن يشارك رئيس الحكومة في حفل الاستقبال، الذي يُقام عادة في صالون مجاور لقاعة الاجتماعات، قبيل افتتاح القمة. وقد قاطع السنيورة جلسة الافتتاح، وجلس في الجلسات المغلقة الى جانب الأمين العام للجامعة عمرو موسى، ولم يلتحق بالوفد اللبناني برئاسة الرئيس لحود.
اذاً، موقفان في قمتين متتاليتين اصر فيهما السنيورة على تحدي رئيس الجمهورية اللبنانية ومحاولة تهميش دوره، وذهب ليفرض نفسه فيهما، فما الذي حرّك فيه اليوم مشاعر الاحترام والتقدير لموقع رئيس الجمهورية وضرورة وجوده في القمة العربية في دمشق؟
وفي القمتين السابقتين نذكر أيضاً ان السنيورة حاول افتعال المشاكل واحراج الرئيس لحود، ونشر غسيل الخلافات اللبنانية على سطوح القمم العربية. ففي قمة الخرطوم افتعل مشكلة حول تعبير "المقاومة اللبنانية" وأراد نزع حق المقاومة عن لبنان من خلال اعتراضه على عبارة "المقاومة اللبنانية هي تعبير صادق وطبيعي عن حق الشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته، في مواجهة الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية"، ولكن الرئيس لحود وقف موقفاً وطنياً شجاعاً وفوّت على السنيورة ومن وراءه امكانية تسجيل هدف سهل لالغاء حق لبنان في المقاومة من اجل تحرير ارضه.
وفي قمة الرياض أيضاً، لم يحترم السنيورة دور الرئيس لحود ولم يطلعه على الورقة التضامنية مع لبنان، والتي حاول فيها إمرار عبارة "التضامن مع الحكومة اللبنانية" بدل التضامن مع "الدولة اللبنانية" التي استطاع الرئيس لحود فرضها على القمة.
قد يكون السنيورة فعل خيراً وخدم لبنان بعدم ذهابه الى القمة العربية، وذلك لأن تاريخه في حضور القمم العربية "كرئيس حكومة" مليء بالتواطؤ ومحاولة إمرار عبارات وقرارات مشبوهة بحق لبنان. ولعل السبب الحقيقي لعدم ذهاب السنيورة الى القمة العربية في دمشق هو تأكده من عدم قدرته على إمرار مشاريع وبيانات مشبوهة بحق لبنان والشعب اللبناني خدمة لمصالح أسياده في واشنطن والسعودية.
على من يكذب السنيورة؟ وعلى من يدّعي الحرص؟ قد تكون ذاكرة اللبنانيين قصيرة ولكن ليس الى هذا الحد... لم يذهب السنيورة الى قمة دمشق الا بعدما تأكد وفريقه السياسي ان المؤتمرين في دمشق لن يسمحوا له بفرض وجهة نظره، وهو اصلاً وبالرغم من كل الدعم الخارجي الذي كان يحصل عليه لم يستطع فرض وجهة نظره في القمم السابقة.
أيها الرئيس السنيورة: رأفة بالبلاد والعباد، واحتراماً لعقول اللبنانيين وذكائهم... ليتك كنت أذكى في اختراع عذر لعدم الحضور، فـ"عذرك أقبح من ذنب".
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008