ارشيف من : 2005-2008
نجاح القمة أفشل مشروع حصار المعارضة وتداعي "آخر الأوراق" يخرج الرياض إلى الانحياز الفاضح
ماذا بعد نجاح القمة العربية في دمشق برغم عواصف الضغوط التي مارستها الولايات "وعرب الاعتدال"؟ وما هو انعكاس نتائجها على الساحة المحلية اللبنانية؟ ولماذا انتقلت السعودية من "الانحياز الصامت" إلى جانب فريق السلطة طول العامين الماضيين إلى "الانحياز الفاضح" في المرحلة الراهنة؟ وهل يستمر "الستاتيكو" الراهن أم أن أحداثاً ما ترتقبها الساحة المحلية يمكن أن تغير رتابة المشهد؟ العديد من التساؤلات المطروحة بقوة حالياً يمكن أن تستشرف الإجابة عنها بعض معالم المرحلة المقبلة.
ترى مصادر سياسية متابعة أن النجاح الكبير الذي حققته القمة العربية في دمشق والذي تعددت أبعاده، شكل "صفعة مدوية" للولايات المتحدة وأدواتها على الساحة الداخلية اللبنانية. فبعدما كان الأميركي يسعى بكل ما أوتي من قوة لإفشال هذه القمة وإكمال مشروع حصار سوريا ومن بعدها المعارضة الوطنية في لبنان، جاءت النتائج معاكسة، حيث خرجت سوريا من هذه القمة بأفضل حال من الاحتضان العربي، "وكسرت العزلة" التي حاولوا فرضها عليها، وهو ما انعكس ايجاباً على المعارضة في لبنان التي تمسكت بنظرتها للحل من دون أن تنجح الضغوط التي مورست على سوريا من قبل أميركا وعرب الاعتدال، لدفعها نحو الضغط على المعارضة "لإلغاء نفسها" وإرغامها على القبول بالمعادلة التي تكرّس هيمنة واستئثار فريق السلطة بالبلاد.
وهذا النجاح لسوريا ارتاحت له المعارضة، حيث انعكس في أحد مستوياته تكريساً للمبادرة العربية تجاه لبنان كما أقرت سابقاً من قبل وزراء الخارجية العرب، على أن يسعى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في مرحلة لاحقة لاستئناف مهمته في لبنان بين فريقي المعارضة والموالاة عندما يجد الظروف مناسبة، ليكمل من حيث انتهى سابقاً. أي السعي للاتفاق على إقرار قانون الانتخاب على أساس قانون الستين، وحكومة على أساس العشرات الثلاث. وفي هذا الإطار تلفت المصادر المتابعة إلى أن النتيجة التي انتهت اليها القمة العربية أكدت معادلة "أن ما بعد القمة هو كما قبل القمة"، وهو ما كان أكده الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في ذكرى أربعين الشهيد القائد الحاج عماد مغنية.
كذلك توقفت المصادر عند الموقف الذي عبّر عنه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون في تصريح أدلى به الاثنين الماضي بعد الجلسة الأسبوعية للتكتل، والذي شكر فيه موقفي كل من سوريا وإيران الداعم للحل التوافقي في لبنان، وعدم ممارستهما أي ضغوط على المعارضة للقبول بما لا يتناسب ورؤيتها للحل.
"رفض المبادرة"
وفي سياق البناء على نتائج القمة العربية، فإن المبادرة التي كان أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة إلى العودة لطاولة الحوار لا تزال في مرحلة الإعداد من خلال الزيارات والاتصالات التي شرع بها الرئيس بري، بدءاً من زيارته الأوروبية حيث عقد العديد من اللقاءات المهمة، التي سيتابعها بزيارات لدول عربية عدة لها تأثيرها في الوضع في لبنان. لكن ما توقف عنده المراقبون كان التردد الذي أبداه فريق السلطة تجاه دعوة الرئيس بري للحوار، حيث غاب حتى الأيام الأخيرة أي موقف موحد تجاه هذه المبادرة، وتراوحت الردود المتفرقة لأطراف فريق السلطة بين "الصمت" و"الرفض"، وبين من "اشترط" أن يسبق الحوار انتخاب رئيس جمهورية، على أن يقوم هذا الرئيس بإدارة الحوار. وترى مصادر المعارضة أن هذا الرفض لفريق السلطة للحوار واستمراره في تعطيل البلد يأتي في سياق استمرار التصعيد الأميركي والتصعيد الذي مارسته كل من السعودية ومصر غياباً عن القمة العربية، ولاحقاً في الموقف السعودي الذي عبّر عنه وزير الخارجية سعود الفيصل، والذي شنّ فيه حملة غير مسبوقة على المعارضة، متهماً إياها بتعطيل الحل. والأغرب اتهامها بتعطيل مؤسسة الجامعة العربية، وكأن المعارضة هي التي خفضت تمثيل السعودية في فعاليات القمة ودفعت فريق السلطة إلى مقاطعتها!!
"الانحياز السعودي"
المعارضة التي ردت ببيانات عدة على الموقف السعودي المستغرب والمرفوض، رأت أن هذا الخروج السعودي عن "حالة الوسطية" والسعي للمساعدة في الحل إلى الانحياز الكامل لفريق السلطة يدخل السعودية طرفاً في النزاع الداخلي اللبناني، وهو أمر خطير.
مصادر متابعة حاولت تفسير الموقف السعودي مشيرة إلى أن السياسة السعودية تمرّ في هذه المرحلة بحالة تأزم على أكثر من صعيد، وتحديداً مسألة الزعامة في العالم العربي والاسلامي التي سعت سابقاً إلى تكريسها، ثم اهتزت بقوة بسبب ارتباطها الوثيق بالمشروع وبالإملاءات الأميركية، وهو ما لمسه لمس اليد مرجع حكومي سابق حاول مؤخراً القيام بوساطة للمصالحة بين السعودية وسوريا، فلاقى تجاوباً كبيراً من الرئيس السوري بشّار الأسد دون أن يجد الحماسة ذاتها من الجانب السعودي بسبب ارتباط الرياض بالمشروع الأميركي. وتتابع المصادر: ان الرياض وجدت نفسها قد فقدت على مدى السنتين الماضيتين الكثير من الأوراق الإقليمية والعربية، فلم يعد لها أي تأثير يذكر في الساحة العراقية، وكذلك فقدت تأثيرها في الساحة الفلسطينية مع سقوط اتفاق مكة بين حماس وفتح. وتضيف المصادر: ان الساحة الوحيدة التي لا تزال السعودية تمسك فيها ببعض الأوراق هي الساحة اللبنانية من خلال فريق السلطة الموالي لها، وخصوصاً تيار المستقبل، وهي تسعى بكل قوة كي لا تفقد السيطرة والإمساك بهذه الساحة. من هنا محاربتها لسوريا التي رفضت التسليم لها بهذه المعادلة. وفي هذا السياق يأتي خروج السعودية عن صمتها مؤخراً والمجاهرة بانحيازها إلى فريق السلطة، لأنها وجدت أنها تدافع عن آخر أوراقها، وهي تخشى خسارتها أيضاً كما خسرت نفوذها في باقي الساحات، بفعل تداعي مشروع فريق السلطة في لبنان مقابل صمود المعارضة وتأكيدها موقفها الداعي الى تحقيق شراكة حقيقية في الحكم، وهو ما سيؤدي في حال الوصول اليه إلى وضع حد للتفرد والاستئثار الذي يمارسه فريق السلطة، وهو ما تعده الرياض خسارة لمشروعها على الساحة اللبنانية، ومن خلفه المشروع الأميركي. يبقى أن جميع الأطراف تقف في مرحلة استعداد لمواجهة تطورات المرحلة المقبلة التي تتضح معالمها بشكل كبير على مستوى المنطقة من الآن حتى آخر أيار المقبل.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008