ارشيف من : 2005-2008
برو: الحد الأدنى المطلوب لتجاوز خط الفقر مليون ونصف مليون ليرة
"مؤشر غلاء الاسعار الى تصاعد".. والواقع المعيشي يتهاوى.. الازمة تتفاقم أمام أعين المسؤولين، ولا من يتحرك ليضع حداً لهذا الانهيار الذي يأخذ معه فئات اجتماعية واسعة الى وادي الجوع والفقر والعوز. الامر ليس من المفردات السياسية اللبنانية في مقاربتها للقضايا.. بل حقيقة تقرأها في وجوه كل المواطنين الذين لم يعد من شيء يشغلهم أكثر من قوت يومهم.
كما أن هذه ليست حقيقة مجردة.. بل لها دلائل وبالارقام التي لا تكف جمعية حماية المستهلك عن اعلانها لتؤكد أن الغلاء شمل مختلف السلع الأساسية وغير الأساسية...
مع انتهاء الفصل الأول من سنة 2008 زاد مؤشر الغلاء 5.6 بالمئة عما انتهى إليه مؤشر العام 2007 (37% من تموز 2006) وبذلك يكون المؤشر قد تخطى عتبة الأربعين بالمئة منذ تموز 2006 ولغاية نهاية شهر آذار الماضي.
واذا كان المؤشر يقف عند هذه الحدود في تحديد علمي وموثق لنسبة ارتفاع الاسعار فإن المواطنين يؤكدون أن ارتفاع الاسعار قد تجاوز هذا الحد بكثير، ويشيرون الى الكثير من السلع الاساسية التي ارتفع سعرها اكثر من مئة بالمئة.
أسباب الغلاء
ويظهر المؤشر الذي تنشره جمعية المستهلك بشكل فصلي أن ارتفاع الأسعار منذ 1-7-2006 حتى نهاية العام 2007 بلغ 37.4 بالمئة، ويعتبر هذا الرقم خطيرا ومذهلا في الوقت الذي لم يتحرك الحد الأدنى للأجور منذ العام 1996. كما انه يعتبر بادرة اقتصادية غير جيدة كما قالت لـ"الانتقاد" عضو الجمعية الدكتورة ندى نعمة، التي اعتبرت ان "غياب وسائل الإنتاج في لبنان والاعتماد على الاستيراد زاد من أسعار السلع بسبب الاحتكار الذي تفرضه الوكالات الحصرية، وعدم قيام الدولة بواجباتها وتحرير الأسعار وغياب المنافسة ورقابة الدولة".
بداية لاحظت الجمعية أن تطور الأسعار وخاصة للسلع الأساسية (غذائية واستهلاكية) حصل بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف تموز 2006. لكن تبين فيما بعد أن جشع التجار زاد من قيمة هذه الارتفاعات، بالرغم من إغراق السوق اللبناني بآلاف الأطنان من المساعدات المقدمة من الدول المانحة, لكن الأسباب الحقيقية لموجة الغلاء لخصتها الجمعية بعدد من النقاط. منها الصراعات السياسية الحادة وتراجع دور الدولة المركزية في تنظيم العملية الاقتصادية وضعف إدارتها وانتشار الفساد، ومنها الرقابة على الأسعار ووجود آليات للاحتكار وللفساد مكرسة منذ سنوات طويلة في العديد من القطاعات الاقتصادية الأساسية. وهذه الاحتكارات جعلت مستوى الأسعار في لبنان الأعلى في المنطقة، وربما في العالم (اتصالات، كهرباء، ماء، مواصلات، وكالات حصرية) فضلا عن اختلال التوازن بين القطاعات الاقتصادية لمصلحة القطاع المصرفي والسياحي على حساب القطاعات الرئيسية الأخرى، والسياسات المالية والضريبية غير العادلة التي تعمل بشكل منهجي على تحميل الفئات الفقيرة والمتوسطة أعباء الأزمات.
لكن الأخطر من كل ذلك هو تراجع دور الدولة والاهتمام الحكومي أو السياسي بالناحية الاقتصادية والمعيشية، يضاف إليها إلغاء وزير الاقتصاد القرارات الخمسة الخاصة بتحديد نسب الأرباح على السلع الغذائية، إذ يعتبر هذا القرار شرطا من الشروط التي يفرضها الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية لكي يصبح لبنان شريكا تجاريا معهما. وفضلا عن ذلك رفض الوزارات المعنية التدخل لمصلحة المستهلكين عبر تصدير البطاطا والخضار والعلف الى الدول المجاورة، ما أدى الى ارتفاع أسعارها بشكل كبير خاصة البطاطا والحليب ومشتقاته.
حلول مقترحة
ومن اجل وقف التدهور الاقتصادي وفلتان الأسعار، اقترحت الجمعية بعض الحلول، منها تشكيل لجنة مشتركة لكل قطاع اقتصادي أو مهني يضم الوزير أو الوزراء المعنيين واللجنة النيابية المختصة والهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص والنقابات المعنية في كل قطاع، إضافة الى جمعية المستهلك. ومن ثم تتخذ اللجنة الإجراءات الفورية الضرورية وعلى المدى المتوسط بما فيها التدخل في هذا القطاع أو ذاك بغية تحريره موقتا أو بشكل دائم وحمايته بشكل أفضل أو وقف التصدير أو فتح الاستيراد في السلع الغذائية التي تتعرض لضغوط كبيرة أو ترتفع أسعارها بشكل غير طبيعي. والمقياس الوحيد في كل ذلك يجب أن يكون مصلحة الاقتصاد والمستهلك أولا وليس المصلحة الضيقة لاحتكارات تشمل البلاد والعباد.
ورأت الجمعية ان الأمر يتطلب عقد اجتماع اقتصادي طارئ للحكومة يجمع القوى الاقتصادية والنقابية من اجل وضع الأسس لاقتصاد يوازن بين كافة القطاعات الاقتصادية، بديلا لهيمنة بعضها على مجموع القطاعات الأخرى، وإلغاء كافة إشكال الاحتكار المعلن والمبطن ومراجعة كافة أشكال الدعم والحماية التي غالبا ما ينتفع منها سياسيون وبضعة أشخاص فقط، كما وإصدار قانون المنافسة وقانون الإغراق وقانون سلامة الغذاء وكافة التشريعات التحديثية الضرورية، وزيادة الأجور لإعادة بعض التوازن الى القدرة الشرائية.
الفرق بين مؤشر الجمعية ومؤشر الدولة
تؤكد جمعية المستهلك ان أرقامها التي تنشرها هي الأدق مقابل الأرقام التي تنشرها الدولة ممثلة بدائرة الإحصاء المركزي، والسبب برأي الجمعية أنها تنزل الى الأرض وتعاين الأسعار مباشرة من السوق، بينما تعتمد الدولة على إعلان التجار أكثر منه على الواقع، لان كثيرا ما تدخل بعض السلع والخدمات في دهاليز السوق السوداء، فترتفع الأسعار بشكل كبير بدون ان يلحظها أي مؤشر، بالرغم من كونها حقيقة، إضافة الى ذلك فإن مؤشر الحكومة عام وغير واقعي ولا يعني حياة الناس لأن لها حسابات سياسية.
برو
وفي حديث لـ"الانتقاد" يؤكد رئيس جمعية المستهلك زهير برو ان "الارتفاعات في الأسعار كانت لأسباب داخلية ولم تدخل الأسباب الخارجية إلا في صيف عام 2007". ويشير الى "ان عدم تدخل الدولة لوضع توازن للعملية الاقتصادية واستقالة وزارة الاقتصاد عن شؤون المستهلكين، سمح للاحتكارات ان تأخذ مداها في العديد من القطاعات، وتحولت الى كرة ثلج كانت تكبر يوما بعد يوم". وأوضح برو أننا "أصبحنا أمام وضع انخفضت فيه قيمة الألف ليرة الى ما يوازي 620 ليرة، أي ان القيمة الشرائية للراتب الذي كان يقبضه المواطن انخفضت أكثر من الثلث". لافتاً الى أن "ارتفاع الأسعار لن يتوقف لنفس الظروف بسبب سوء الوضع واستقالة الدولة عن مشاكل الناس".
ويؤكد برو ان "الحد الأدنى للأجور يجب ان يكون مليون ونصف مليون ليرة لكي تتمكن العائلة من ان تلبي احتياجاتها العادية، أي تصبح فوق خط الفقر".
كيف تضع جمعية حماية المستهلك مؤشر الأسعار
تعمل جمعية المستهلك على مراقبة دورية لأسعار تشمل 159 سلعة وخدمة، موزعة على 11 فئة مختلفة. وتعمل على جمع المعلومات عبر جولات ميدانية مباشرة في عشرات المتاجر ومحلات البيع، في مناطق بيروت والضاحية، وحسب الآليات العلمية المتبعة. وحذفت جمعية المستهلك من المؤشر بعض السلع القليلة أو الموسمية الاستهلاك (ثياب، مفروشات، ترفيه، مياه معدنية،...) بحيث ان التركيز يعتمد على السلع والخدمات التي تشكل أساس استهلاك الأكثرية الساحقة من العائلات اللبنانية: خضار، فاكهة، لحوم، ألبان وأجبان، بيض، معلبات وزيوت، مواد منزلية وشخصية، خبز، مشروبات غازية وعصير، محروقات، مواصلات، خط هاتف جديد، خط تعبئة.
مصعب قشمر
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008