ارشيف من : 2005-2008
فريق السلطة خسر الرهان: نجحت القمة والاتفاق بين اللبنانيين ضرورة
كل الاعلاميين الذين قُيّض لهم أن يزوروا النائب وليد جنبلاط فترة انعقاد القمة العربية، وقبل وقت قصير من انعقادها، خرجوا من عنده بانطباع مفاده أن الرجل في حالة توتر عصبي غير مسبوقة، لدرجة أن بعضهم ندم على هذه الزيارة، لأنه لم يستطع أن يجعل على زاد اعلامي معقول، ولأن حالة العصبية التي لم يجهد ليخفيها جعلت جو الجلسات "مكهرباً".
التوتر الجنبلاطي أمر ليس بالجديد، ولكن اللافت أنه كان يزداد كلما ازداد يقينه بأن مؤتمر القمة العربي الذي تحضر له القيادة السورية في دمشق تكاد فرص نجاحه تكتمل، وتتلاشى أحلامه وتتداعى أمانيه بأن القمة لن تنجح، وأن سوريا ستفشل.
ولم يعد خافياً أن جنبلاط لم يجد من نعوت ليطلقها على هذه القمة بعد نجاحها المشهود له، سوى القول بأنها كانت باهتة، إذ لم يكن في مقدوره الزعم أنها كانت فاشلة.
وفي كل الأحوال، وبصرف النظر عن لغة "الشتائم" التي مارسها صغار المحسوبين على فريق السلطة للقمة، فإن هذا الفريق بات يدرك أن رهاناته على إخفاق القمة التي دفعته إلى إعلان مقاطعتها، لم تكن في محلها إطلاقاً، بل ان هذا الغياب الذي أراده هذا الفريق مدوياً، كان أيضاً غياباً للملف اللبناني عن جلسات القمة، فلم يجرؤ الفريق العربي الذي راهن عليه فريق السلطة على فتح ملف الأزمة اللبنانية في داخل أروقة المؤتمر وجلساته، ولم يؤثر هذا الغياب في سير أعمال المؤتمر.
ولقد رشحت من أوساط الموالاة أنه تملك الكثير من رموزها الأساسيين شعور فحواه أن العرب جميعاً بما فيهم ما صار يُعرف في القاموس السياسي بعرب الاعتدال، تعاملوا باحتقار مع القضية اللبنانية.
لا بل ان هذه الرموز بدأت تتحدث عن مخاوف تتملكها من أن الحسابات والمصالح العربية ـ العربية الكبيرة وخطوط التوازنات العربية ـ العربية، قد أطاحت في "غمضة" عين بملف الأزمة اللبنانية وسحبته من التداول والبحث، وهي التي كانت تتحدث بثقة زائدة أن هذا الملف سيكون مالئ الدنيا وشاغل كل العرب.
وتداعي حسابات ورهانات فريق السلطة على أن تكون القمة المطرح الذي تحقق فيه أحلامها وأمانيها كان على صعيدين:
الأول: لم يؤثر الغياب اللبناني المتعمد وغير المبرر عن القمة في سوريا نفسها، ولم تبدو سوريا وفق ما يشتهي هذا الفريق معزولة، فقد بدت بشكل واضح أنها قطب عربي أساسي على تماس وثيق بالقضايا والملفات الأساسية العربية، وأنها في المركز الذي لا يمكن تجاوزه في أي ملف من هذه الملفات.
ثانياً: ان نتائج القمة نفسها لم تكن وفق ما يشتهيه رموز هذا الفريق، إذ بدت سوريا معها أنها حريصة كل الحرص على الإبقاء على حد أدنى من التضامن العربي، وعلى الإبقاء على قنوات التواصل والحوار.
وعليه فقد صدم فريق السلطة بالخطاب الهادئ للرئيس الأسد في افتتاح جلسات القمة، وفي حرص سوريا على أن تكون نتائج هذه القمة معقولة وتفتح الأبواب أمام بحث جدي لكل القضايا الخلافية، بما فيها القضية اللبنانية.
بيد أن "المشاغبة" على القمة جاءت من مكان آخر غير مكان انعقادها، وتحديدا من الرياض وعلى لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي حاول تحميل المعارضة واستطراداً سوريا مسؤولية تعطيل المبادرة عبر الحيلولة دون انتخاب العماد ميشال سليمان. لكن الرد جاء من صلب البيان الختامي للقمة الذي أكد أن المبادرة تتألف من ثلاثة بنود رئيسية متكاملة ومترابطة ولا يمكن تجزئتها، وجعل فترات زمنية بين تنفيذ كل واحد من بنودها.
وكان جلياً في الأمر أن السعودية حاولت عبر كلام وزير خارجيتها عن الموضوع اللبناني تحديداً، أن تخفف من وطأة خطوتها الخاطئة بخفض مستوى تمثيلها في القمة، إذ بدت كأنها هي المتضررة سياسياً بهذه الخطوة.
ولم يعد خافياً أيضاً أن القمة لم تأخذ بوجهة نظر السنيورة وفريق السلطة الرامي إلى تحميل سوريا وحدها وزر الوضع اللبناني، إذ ان القمة سواء في جلساتها أو في بيانها الختامي، ركزت على مركزية دور سوريا في حل الأزمة اللبنانية من جهة، وعلى ضرورة تحسين العلاقات اللبنانية السورية من جهة أخرى كمدخل أساسي لحل الأزمة اللبنانية.
وعليه فإن فريق السلطة خسر مجدداً كل رهاناته لرفع المسؤولية عنه حيال تعقد الأزمة اللبنانية وتبرئة نفسه من "دم هذا الصديق"، وبالتالي قذف كرة المسؤولية تارة نحو دمشق وتارة أخرى نحو طهران.
فقد أكدت مناقشات القمة وبيانها الختامي "اللازمة مبتدأ وخبر"، فالمبتدأ أن هناك جذورا لبنانية ـ لبنانية عميقة لهذه الأزمة، تعود إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة، وأن الأمر ليس كما يصوره فريق السلطة بأن هناك فريقا أراد أن يخرج على القانون. والخبر أن هناك ضرورة لكي يتحاور اللبنانيون بعمق، وأن يتفقوا على خطوط السياسة للخروج من الأزمة.
وفي كل الأحوال غاب لبنان السلطة عن القمة، ولكن كان ثمة تمثيل لبناني آخر في عمق هذه القمة، يعرف حقيقته ومغازيه من قُيّض له الاطلاع عليها.. وحاولت السعودية أن تحور بوصلة الأزمة اللبنانية عن مجراها الحقيقي، فجاء بيان القمة نفسه مخالفاً تماماً، فأكد أن المشكلة اللبنانية أعمق من إلقاء التهم جزافاً وتحميل المسؤوليات اعتباطاً.
وفي النتيجة وجدت الأكثرية نفسها مجدداً أمام حقيقة أن الأزمة ستمتد ما دامت هي ممتدة في تعنتها ومكابرتها وتهربها من حقائق عنيدة.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008