ارشيف من : 2005-2008
السنيورة يبعث برسائل مشفرة: "أنا حالة مستقلة ومستعد للتعاون"
منذ فترة ليست بالقصيرة يتصرف رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة على أساس أنه صاحب مشروع خاص بدأ يستقل عن "ولي نعمته" الذي أوجد له حيثية سياسية، وهو مشروع آل الحريري.
كل الذين هم على مقربة من السرايا الحكومي يأخذون هذه الخلاصة على محمل الجد، ويتحدثون بصريح العبارة عن جفاء خفي بين هذا الرجل (السنيورة) من جهة والنائب سعد الحريري وفريقه القريب من جهة أخرى، لدرجة أن أوساط تيار "المستقبل" بدأت تأتي على ذكر السنيورة كأنه حالة أخرى منفصلة تماماً عن التيار، يحلو لها أن تباهي بأنها تمتلك "ثقة" الأميركيين الذين ينظرون اليه على أنه "رجلهم" الناضج صاحب الخبرة الذي يمضي في تنفيذ توجيهاتهم من "دون أن يرف له جفن"، في حين أن الحريري هو من وجهة النظر الأميركية رجل "سطحي الخبرة" "مربك دوماً"، و"لا يستطيع استيعاب كل التوجيهات" و"سرعان ما يطلق تعهدات ثم يتراجع عنها".
وتظاهر هذا "التباين" بين السنيورة كمشروع مستقل يملك دعماً من الادارة الاميركية وعطفاً خاصاً من عواصم عربية كثيرة، إذ ان فريق العمل الخاص المحيط بالسنيورة والذي يضم حسب المعلومات نحو (30) شخصاً، بينهم مستشارون أبرزهم القيادي السابق في حزب الكتائب محمد شطح، و(4) وزراء بينهم طارق متري وأحمد فتفت، ولا بد من الاشارة إلى أن السنيورة يتمثل في اجتماعات قوى 14 آذار بشخص شطح، على أنه حالة مستقلة. وإضافة إلى ذلك فإن العلاقة شبه معدومة بين السنيورة والنائب الحريري، فضلاً عن جفاء تام ومزمن يحكم العلاقة بين السنيورة والسيدة نازك رفيق الحريري، وهو أمر يعززه كلام قالته الأخيرة أصلا عن معارضتها وصول السنيورة إلى منصب رئاسة الحكومة وتفضيلها شخصاً آخر عليه هو النائب بهيج طبارة.
ولم تعد خافية أبعاد ظاهرة اختفاء غالبية صور السنيورة التي ارتفعت في بعض شوارع العاصمة وأحيائها بعدما كانت ارتفعت في مناسبات سابقة بشكل لافت. وقد كان واضحاً أن هذه الظاهرة جرت إنفاذاً لأوامر من قريطم.
كما لم تعد خافية ظاهرة عدم الإتيان نهائياً على ذكر السنيورة في خطب رموز "الحريرية" و"تيار المستقبل" في بيروت والمناطق، بعدما كانت تحفل بالسابق بعبارات "الثناء والتمجيد" لصمود السنيورة في السرايا الحكومية.
وقد زاد من مخاوف قريطم والدائرين في فلكها، "أطماع" السنيورة وجنوحه لبناء حالة خاصة به ذات حسابات خاصة، وما أشيع أخيراً عن عرض قوامه أن يبقى السنيورة رئيساً للحكومة في عهد الرئيس الجديد على أن يتعهد هو ـ السنيورة ـ بإعطاء المعارضة ما تريده من وزارات سيادية.
كما أن أوساطاً في المعارضة وصلتها مراراً رسائل مشفرة ومضمرة من السنيورة، بأنه على استعداد تام، أي سيكون ايجابياً ومرناً في المرحلة المقبلة اذا ما قبلت بفتح خطوط خلفية معه في المرحلة الأولى. والأمر ليس غريباً على تاريخ هذا الرجل الذي بقي طول حياته يتعامل مع الأِياء كأنها أرقام جامدة، فيغير مواقعه ومواقفه. وهو يتغنى بأنه انضم ذات يوم في عقد الستينيات إلى حركة القوميين العرب، ولكن الكثيرين من الذين ساروا في ركب هذه الحركة الثورية في هاتيك المرحلة ما زالوا يذكرون أن هذا الرجل فُصل من الحركة وطُرد طرداً بعدما ثبت لديها أنه كان على علاقة بجهازي مخابرات: الأول أميركي والثاني عربي.. كان ذلك في عام 1964، ومن يومها والرجل يُعد ويُربى ليلعب دوراً، فكان أن "زُرع" إلى جانب الرئيس الحريري، كما يؤكد النائب والوزير السابق محسن دلول.
وفي كل الأحوال الأمر ليس مستغربا، والطموح ليس عيبا، فالرجل المغمور الذي كان دائماً خلف الأبواب الموصدة يدقق في الفواتير والحسابات والأرقام، وجد لديه الآن فرصة ليكون في الضوء إذا ما أحسن لعبة مد الجسور والأقنية مع الآخرين.
إ ـ ص
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008