ارشيف من : 2005-2008
بعد محاولات الفريق الحاكم زيادة مخالفاته الدستورية: قطعاً يستحيل على حكومة السنيورة تعيين أيّ وزير
إمعاناً من قوى فريق السلطة في انتهاك الدستور وتمزيق القانون وضربه عرض الحائط، وسنّ أنظمة خاصة بها وعلى مقاسها تتخفّى وراءها لتدير البلاد نحو المزيد من التهلكة والضياع والفوضى في الإدارات والمؤسّسات والمرافق العامة، خرجت بعض الأصوات تقول إنّ قراراً داخلياً اتخذ ليقوم مجلس الوزراء بتعيين وزراء جدد مكان الوزراء المستقلين والمتوفين انطلاقاً من أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية انتقلت وكالةً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة فؤاد السنيورة.
وأبرز من تلفّظ بهذه البدعة الدستورية الجديدة، القانوني المخضرم والمشرّع اللبيب رئيس الهيئة التنفيذية في "القوّات اللبنانية" سمير جعجع خلال وجوده في حضن الولايات المتحدة الأميركية في زيارة عمل لتلقّي تعليمات إضافية عن كيفية قيادة البلاد إلى الخراب. وهذه ليست المرّة الأولى التي يخرج بها جعجع علينا بتشريعات غير مألوفة، بل سبقتها مغالطات وخطايا كبرى، ما استدعى تعليقاً من قاض كبير: "فليسكت أو فليسأل المحامين والقانونيين المحيطين به".
والغريب أنّ إدارة جورج بوش لم تطلع بما فيه الكفاية على النظام المعمول به في لبنان، فتراها تطلق بين الفينة والفينة تعابير ومصطلحات قانونية خاطئة لم ترد مطلقاً في الدستور اللبناني. ومنها أنّ "الحكومة منتخبة ديمقراطياً"، وهو ما ليس له أساس من الصحّة، ولم تكن في يوم من الأيام على هذه الصورة "الديمقراطية" البهية التي تريدها أميركا، لا في ميثاق العام 1943 ولا في اتفاق الطائف الصادر في العام 1990.
فالوضع الحكومي في الأساس غير سليم إطلاقاً، فهناك ستّة وزراء قدّموا استقالاتهم في 11 و13 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2006، هم: محمّد فنيش، وطراد حمادة، وفوزي صلوخ، وطلال الساحلي، ومحمّد جواد خليفة، ويعقوب الصرّاف، ولم تقبل لكي يجري تعيين بدلاء عنهم. وكان رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في سدّة الحكم، ثمّ اغتيل الوزير بيار الجميل، ولم يعيّن خلف له، ومع ذلك واظبت حكومة السنيورة على خرق الدستور واستمرّت متحصّنة في السراي الحكومي، برغم أنّها صارت بالدرجة الأولى والأهمّ غير ميثاقية لتعارض وجودها وبقائها مع الفقرة "ي" من مقدّمة الدستور، إذ صارت طائفة كبرى وبكاملها خارج الحكومة، وهو ما يحصل للمرّة الأولى في تاريخ لبنان.
ولكي تتوضّح الصورة أكثر، لا بدّ من الجزم واستناداً إلى الدستور، أنّه من الصعب على أيّ مجلس وزراء أن يرمّم الشغور الحاصل في بنيانه من تلقاء نفسه، سواء كان رئيس الجمهورية موجوداً أو انتهت فترة ولايته من دون العودة إلى هذا الرئيس ونيل توقيعه.
فمن المعروف أن تعيين الوزراء اختلف بين ميثاق العام 1943 واتفاق الطائف. فبعدما كان هذا الأمر من اختصاص رئيس الجمهورية منفرداً، وهو واضح في المادة 53 من الدستور، طرأ تعديل عليها ينصّ على أن تعيين الوزراء يحصل بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ويصدر مرسوم التعيين حاملاً توقيعهما معاً، وهو ما جرى في كلّ الحكومات المتعاقبة ما بعد اتفاق الطائف.
وإذا ما صمّمت حكومة السنيورة استناداً إلى القراءة الأميركية المغلوطة للدستور والدعم الجارف منها لها، على قبول استقالة الوزير الأرثوذكسي الصرّاف وحده دون سائر الوزراء على سبيل المثال، وتعيين وزيرين مكانه ومكان الجميل المقتول، فإنّها ترتكب مخالفة جديدة تضاف إلى سجّلها المليء بالموبقات القانونية، وسيكون من الصعب عليها مع مرور الزمن، تنظيف سجّلها العدلي.
ويستحيل بحسب مراجع قانونية، أن يصدر مجلس الوزراء برئاسة السنيورة مرسوم تعيين وزراء لإكمال عدده، حاملاً توقيع السنيورة بصفته رئيس هذا المجلس، وتوقيع المجلس مجتمعاً بكونه يمثّل رئيس الجمهورية وينوب عنه، فالأمر مرتبط بمبدأ دستوري عام وشامل ومستقرّ، ويشدّد على أنّ الصلاحيات الدستورية لا تفوّض فضلاً، عن أنّ مجلس الوزراء لا يملك صلاحية تعيين أعضائه، حتّى لو كان ناقصاً واحداً في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، فكيف الحال وهو ناقص سبعة وزراء دفعة واحدة؟!
والأهمّ من هذا كلّه أنّ الوكالة المعطاة لمجلس الوزراء نتيجة شغور مركز الرئاسة الأولى، لا تخوّله الحلول مكان رئيس الجمهورية في تعيين وزير واحد أو عدد من الوزراء، حتّى لو سلّمنا جدلاً بأنّ الغاية منه هي تأمين استمرارية المرفق العام، ما دام المجلس المذكور لا يكفّ عن إصدار المراسيم وإدارة البلاد على هواه.. وبحسب مزاجه الأميركي.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1261ـ 4 نيسان/ أبريل 2008