ارشيف من : 2005-2008
آلية تنفيذ القرارات أكثر ما يشغل الفلسطينيين من نتائج قمة دمشق
غزة ـ عماد عيد
كما كان متوقعا من قبل الفصائل الفلسطينية، جاءت القمة ممثلة بقراراتها وكذلك في المواقف التي ترتبت عليها.. فلم يكن في جعبة هذه الفصائل أي أمل بأن تتخذ القمة مواقف جذرية من القضية الفلسطينية ولا من القضايا الساخنة في العالم العربي، وإن كانت فلا آليات للتنفيذ بسبب الضغط الأميركي على الدول الأعضاء في القمة أو على الزعماء، وهو ربما ما تجسد بشكل كبير في صراع الإرادات الذي رافق التحضير للقمة، حيث حاولت أميركا جاهدة إفشال القمة ووأدها قبل أن تبدأ أصلا، ليس لأنها ضد انعقاد القمة، ولكن لأنها ضد انعقادها في دمشق التي تسعى أميركا لحصارها وعزلها عن محيطها العربي.
وهذا ربما ما كان مرحبا به من قبل الفصائل الفلسطينية، خصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين اعتبرتا أن القرار حول فلسطين يسجل لسوريا، وإن بدت هذه الفصائل غير مكتفية بمثل هذا الموقف. فقد طالبت حركة حماس على سبيل المثال بضرورة وجود آليات لتنفيذ القرارات التي صدرت عن القمة، خصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وقد ركزت حماس في بياناتها وتصريحات قادتها التي أعقبت القمة على ما يتعلق بالانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وعبرت عن خيبة أملها من القرارات التي صدرت بهذا الخصوص، بل اعتبرته التفافا على مبادرة اليمن.. لكنها حملت الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسؤولية إحباط مبادرة اليمن وبنودها والتنصل من التوقيع الفتحاوي على المبادرة عندما عاد عباس وأكد في خطابه ضرورة أن تكون المبادرة للتنفيذ وليس إطارا للتفاوض، كما تريد حركة حماس. وأكثر من ذلك، فقد اتهمت حماس القمة العربية بالرضوخ للضغوط التي مارسها الرئيس عباس عليها في هذا الموضوع، وأنها اكتفت بالدعوة إلى ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني والبدء بتنفيذ مبادرة اليمن. غير أن حماس عبرت عن استعدادها للتعاون مع أي جهود لإنهاء هذا الانقسام في ضوء التصريحات السورية مع الأمين العام للقمة العربية التي قالوا فيها ان الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره رئيس القمة سيواصل اتصالاته مع حركة حماس وفتح لإنهاء الانقسام.
حركة الجهاد الإسلامي رحبت بالبيان الختامي الصادر عن القمة العربية العشرين, داعية إلى تبني استراتيجية عربية موحدة ترتكز على برنامج المقاومة لطرد الاحتلال من كل الأراضي العربية، والتحرر التام من التبعية.
وثمنت الحركة ما حملته القمة من حرص كبير على التضامن العربي والعمل العربي المشترك, ودعم المقاومة ورفع الحصار وتفعيل دور الجامعة العربية, وتعزيز قيم التضامن العربي والعمل العربي المشترك.
وحذرت الجهاد مما وصفته بالدور الذي تلعبه رايس لتعميق أزمة العلاقات العربية, وهي تتخذ من بعض التباينات بين القادة العرب مدخلاً لحالة انقسام في النظام العربي، ما يسهم في إضعاف وانهيار الجامعة العربية, تمهيدا لإقامة نظام الشرق الأوسط الجديد الذي تبشر به. وأعربت الحركة عن أملها بأن يتجاوز العرب خلافاتهم سريعاً، ويعيدوا حساباتهم وترتيب أولوياتهم بشكل ينسجم مع روح إجماع الأمة وتطلعات شعوبها.
كما تطلعت الحركة لدور عربي فاعل في سبيل استئناف الحوار وإنهاء حالة الانقسام والتوحد في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وإنهاء حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية.
رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية انضم إلى حركة الجهاد الإسلامي في الإشادة بالجوانب الايجابية التي تضمنتها قرارات القمة، غير انه أعلن وحكومته عن خيبة أملهم لعدم وجود آليات واضحة تضمن وتكفل تنفيذ مثل هذه القرارات، الأمر الذي يفرغ هذه القرارات من مضمونها. ودعا هنية إلى ضرورة العمل بجدية لإنهاء الحصار عن الشعب الفلسطيني وفق قرارات قمة الرياض السابقة. واعتبر أن نجاح القمة أو فشلها يتحدد في ضوء القدرة على فك الحصار عن الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة الفلسطينية في وجه الضغوط الأميركية وآلة الحرب الصهيونية.
الشارع الفلسطيني لم يبتعد كثيرا عن هذه المواقف إلا بعدم الاكتراث الذي ميز الشريحة الكبرى من الشارع الفلسطيني جراء الإحباط من إمكانية أن يتمخض عن القمة قرارات عملية يمكن أن يحصد الشعب الفلسطيني أو أي من القضايا العربية أي شيء يصب في مصلحة هذه القضايا.
وعلى احد مقاهي مدينة غزة قال الحاج أبو محمد العبد: "ينصر دينك يا سوريا، والله انك زلمة يا بشار، أي والله اللي بيقف في وجه أمريكا بهالزمن والله انو راجل". وأضاف وهو ينفث دخان نرجيلته ويشاهد التلفاز: "ما أجوا الزعما العرب!! خليهم مع أمريكا، خلي أمريكا تنفعهم في الآخر". الحاج أبو سامر الذي يصغره سنا رد عليه بالقول: "أي والله، لكن في تحسن في موقف القمة، بشوفهم متجرئين شويّ المرة، صايرين بدهم يدعموا التضامن العربي والمقاومة.. يا سيدي إن شاء الله". لكن يقاطعه رجل بدا الهم على وجهه بشكل خاص: "والله انك متفائل كثير يا أبو سامر، يا راجل لو قالوا ايش ما قالوا ما في واحد فيهم بيقدر ينفذ إشي من اللي قالوا! إي إحنا إلنا من يوم ما أجينا على هالدنيا وإحنا بنسمع حكي، اي نفسنا يوم نشوف قرار نفذ على ارض الواقع، نفسنا يوم نعيش بحرية في بلادنا، اي ايش بدهم فينا، الله يكسرك يا أمريكا ويا إسرائيل وكل اللي بيقف معهم، إحنا زمان اسمعنا إنو اليهود ارتموا في البحر، وهنيئا لك يا سمك القرش، لكن لقينا الطيارات الاسرائيلية في السويس.. يا شيخ خليها على الله.. يا سيدي ان شاء الله ربنا يهديهم هالزعما العرب ويعودوا لرشدهم، وكلهم يرجعوا لكلام الشيخ حسن نصر الله، أي والله هو اللي فش خلقنا". وعندما سألناه عن اسمه قال: "يا شيخ إحنا شبعنا حكي في الجرايد وتسجيل أسماء.. أنا فلسطيني بديش اقولكوا اسمي يا سيدي". ولكن في المقابل كان في داخل القهوة كثير من الناس انغمسوا في الأحاديث والألعاب دون أن يلتفتوا إلى البيان الختامي للقمة ولا حتى للتصريحات، وعندما حاولنا سؤالهم رفضوا الخوض في الحديث قالوا: "لشي نتابع القمة.. مهي زي القمم السابقة، يعني بدها تجيب جديد، زهقنا حالنا من القمم ومن القرارات اللي بتضلها حبر على ورق، الله يسهل عليكوا شوفوا غيرنا يحكيلكوا عن القمة".
ولعل ما دار داخل هذه القهوة يعبر بشكل دقيق عما يدور في خلد الفلسطينيين بشكل عام، الذين أبدى عدد كبير منهم تخوفا من قيام إسرائيل بعملية واسعة في غزة بعد انتهاء القمة.
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008