ارشيف من : 2005-2008

مأساة تضرب جنوب الضفة: آلاف الأيتام بلا مأوى خلال أيام

مأساة تضرب جنوب الضفة: آلاف الأيتام بلا مأوى خلال أيام

فلسطين المحتلة ـ "الانتقاد"
يجلس الطفل عيسى حوامدة (11 عاما) في مقعده بالصف الخامس في مدرسة ذكور الرحمة الأساسية وسط مدينة الخليل الفلسطينية، ويقرأ بقلق آيات من القرآن الكريم في حصة التربية الإسلامية.. ثم يصمت (35) طالبا عند انتهاء الحصة على غير عادتهم.
ومنذ السادس والعشرين من آذار/ مارس المنصرم أبلغ أكثر من أربعة آلاف يتيم يدرسون في المدارس التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية الشبان المسلمين، ويسكنون في بيوت الأيتام المخصصة لهم، أبلغوا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قررت اغلاق هذه المدارس وملحقاتها من بيوت ومكتبات ومخابز. بمعنى آخر يقول الأيتام: "قررت اسرائيل تشريدنا في الشوارع".
وجاء في القرار الاسرائيلي الذي نفذ بعد هجمة واسعة على عدد كبير من الجمعيات الخيرية والمدارس والمراكز التابعة لها ومصادرة محتوياتها، إغلاق الجمعية الخيرية الإسلامية بكل فروعها ومراكزها وبيوتها، وكذلك جمعية الشبان المسلمين، ونقل ملكياتها ومصادرة وإغلاق كل المرافق والممتلكات التابعة لها، ووضع اليد على هذه الممتلكات من قبل سلطات الاحتلال، بدعوى مسؤولية هذه الجمعيات عما سُمي "الدعم بالبنى التحتية للإرهاب، وخاصة دعم حركة حماس".
وإذا نفذ القرار فإن الحديث يدور عن تشريد أكثر من (4000) يتيم يحصلون على كفالة كاملة تتضمن الدراسة في مدارس وروضات الجمعيات الخيرية والإقامة في بيوت الأيتام، و(7000) طالب محتاجين يدرسون في المدارس ذاتها، و(5000) أسرة فقيرة تتلقى مساعدات دورية منها، و(800) موظف يتلقون رواتبهم من الجمعية الخيرة الإسلامية ومراكزها وجمعية الشبان المسلمين وملحقاتها.
ويتعلق القرار بإغلاق مقر الجمعية الخيرية الإسلامية والمؤسسات التابعة لها وهي: مدرستا الشرعية للذكور والإناث، وبيت الخليل الخيري للأيتام، وبيت اليتيمات، ومخابز الرحمة، وعمارة القاسمي السكنية، وسوق الهدى التجارية، والمكتبة الإبراهيمية للأطفال، ومدرسة الرحمة الأساسية للذكور وأخرى للإناث.
أما في ما يتعلق بجمعية الشبان المسلمين، فيقضي القرار بإغلاق مقرها ومدرسة مصباح أبو حنك للبنات ومدرسة أخرى للذكور، وعدة رياض أطفال ومحلات تجارية استثمارية خيرية.
ويعيش الطفل اليتيم عيسى حوامدة وهو من قرى جنوب الخليل، حالة من القلق مع الآلاف من زملائه مترقبين ما ستؤول إليه حياتهم في ظل تنفيذ قرار اغلاق كل فروع وممتلكات الجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية الشبان المسلمين، الذي كان مقررا في الأول من نيسان الجاري، وجمد النظر فيه إلى السابع من نيسان.
سأفقد حياتي..
يقول عيسى: توفي أبي بسبب مرض منذ سنوات، ولم أعش حياة عائلية حتى استقبلتني الجمعية الخيرية الإسلامية منذ دخولي الصف الأول الاساسي، وصار لي عائلة.. أذهب إلى المدرسة وأتعلم وأعود الى بيت الأيتام الذي أحبه مع أصدقائي.
ويوفر بيت الأيتام التابع للجمعية الخيرية الإسلامية خدمات صحية وترفيهية ومأكلا وملبسا ومصروفا يوميا لآلاف الأيتام النزلاء فيه.
يضيف عيسى: ليس لدي أخوة ولا أهل خارج الميتم سوى أمي المريضة بالسرطان.. لقد زرتها قبل أيام في عطلة نهاية الأسبوع وكانت مريضة جدا وبحاجة إلى عملية جراحية في الرحم.
ومؤخرا شارك عيسى مع مئات من أقرانه في فعالية حملوا فيها أسرّتهم ونصبوها في شوارع مدينة الخليل وناموا في العراء، في محاولة للفت نظر المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية العالمية إلى عواقب مأساة اغلاق بيوت الأيتام واليتيمات ومصادرة ممتلكات الجمعيات التي ترعاهم.
وبرغم صغر سنه، إلا أن عيسى بادر وسائل الإعلام التي غطت المكان بالقول: أطالب العالم بالتدخل لوقف قرار اغلاق الجمعيات الخيرية في الخليل، لأنني بذلك سأفقد حياتي ومدرستي وأصدقائي.
مبررات دعم الإرهاب
وفي ظل حالة من الغليان يشهدها الشارع الفلسطيني في جنوب الضفة الغربية، حيث تحتل محافظة الخليل أكبر نسبة سكان بين المحافظات الفلسطينية، ويتعدى عدد الفلسطينيين فيها أكثر من (300) ألف نسمة، نحاول الذهاب أكثر إلى عمق المشكلة.
 يقول المستشار القانوني للجمعية الخيرية الإسلامية عبد الكريم فرّاح: إن الجمعية تأسست عام 1962 كهيئة خيرية لمساندة الأيتام في محافظة الخليل. وفي الشهور الأخيرة باتت هذه الجمعية الى جانب مؤسسات خيرية أخرى في الضفة الغربية مسرحا لهجمات واقتحامات اسرائيلية متكررة لعرقلة عملها.
وفي السادس والعشرين من آذار/ مارس الماضي، كما يروي المحامي فرّاح، شن الجيش الاسرائيلي أكبر عملية بحق الجمعية الخيرية الاسلامية واقتحم مستودعاتها وصادر كل المواد الغذائية التي تطعم الأيتام، والقرطاسية والكتب وكل الأجهزة الكهربائية وحافلات نقل الطلبة التابعة للجمعية. وقدرت الخسارة في المداهمة الأخيرة بحوالى مليون شيكل.
وحول مبررات الاحتلال التي يسوقها في حملته لإغلاق بيوت الأيتام ومصادر دخل الجمعيات الخيرية في الخليل، يوضح المحامي فرّاح أن سلطات الاحتلال تتحدث عن حادثة معينة جرى فيها خرق القانون أو القيام بعمل مساند "للإرهاب"! وإنما كانت دعاوى عامة تتهم هذه الجمعيات بدعم البنية التحتية للإرهاب من خلال ارتباطها بحركة حماس وتمويل رواتب أهالي الأسرى "المخربين كما وصفهم القرار". كما اتهم القرار حركة حماس باستغلال هذه الجمعيات كواجهة لجمع الأموال وبث أفكار "الإرهاب".
ويفند فرّاح الدعاوى الإسرائيلية بملكية أموال الجمعيات الخيرية لحركات فلسطينية، من خلال التأكيد أن كل المعاملات المالية التابعة للجمعية تمر عبر حسابات معلنة وواضحة ومشرف عليها من قبل وزارة المالية الفلسطينية.
ويوضح المستشار القانوني ان قرار الإغلاق والمصادرة الذي رفضت سلطات الاحتلال التماسا ضده في 31 آذار/ مارس الماضي، لا يدور الحديث فيه عن جمعية خيرية عادية، وإنما عن هيئة ضخمة من المؤسسات والمراكز والمدارس وبيوت الأيتام والمكتبات والمصانع والمزارع والمخابز ومعامل المواد الغذائية، وتقدر مصروفاتها الشهرية بنصف مليون دينار أردني تتوزع بين رواتب نحو (800) موظف ومصروفات أكثر من (7000) يتيم وعائلة محتاجة.
مصادر الدخل
ولكون خلفية قرار الإغلاق والمصادرة الذي اتخذته سلطات الاحتلال يستند إلى تهمة نقل أموال لدعم "بنى الإرهاب" كما تسميها السلطات الاسرائيلية، أوضح المستشار القانوني للجمعية الخيرية الإسلامية في الخليل ان مصادر دخل الجمعية واضحة ومكشوفة للجميع.
وتتوزع هذه المصادر على مستويين داخلي وخارجي، وهو الأهم. أما الممول الداخلي فيعتمد على التبرعات المادية من جمهور واسع من التجار ورجال الأعمال وأصحاب الأملاك والثروات في محافظة الخليل والضفة الغربية، إضافة إلى مردودات المشاريع الاستثمارية التي أنشأتها الجمعية على مدار أكثر من أربعة عقود، مثل المخابز والمزارع والعمارات السكنية، والتي تقوم أيضا بتوفير المواد الغذائية من لحوم وخبز وخضار للأيتام والعائلات الفقيرة، إضافة إلى الملابس والمستلزمات المعيشية.
أما المصادر الخارجية التي تمثل نحو 80% من تمويل الجمعية فتأتي من مؤسسات خيرية معروفة على مستوى العالم العربي والإسلامي، وتجري كل التحويلات المالية عبر أرقام حسابات معلنة في البنوك الفلسطينية، بشفافية مطلقة ومراقبة من قبل السلطات الفلسطينية المختصة.
ما ذنبنا؟
وتختصر الطالبة ربيحة من مدرسة إناث الشرعية الثانوية التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية معاناة الأيتام ومخاوفهم بالقول: "مدرستنا هي إحدى المدارس القليلة التي تقدم خدمات تعليمية للفقراء والأيتام في الضفة الغربية.. نحن لا نفهم لماذا قام الجيش الاسرائيلي بمصادرة ممتلكات المدرسة وبيت الأيتام الذي يضمنا ويحمينا من التشرد، كما صادر محتويات المخابز  ومستودعات الطعام التي تسد جوعنا!! نريد من العالم أن يجيبنا.. هل إطعام الأيتام وتعليمهم هو إرهاب"؟
وبعد اختناق طويل انتابتها الدموع كما الكثيرات من رفيقات بعمر الصبا استشعرن الخطر الحقيقي قريبا، تنهي ربيحة حديثها: "نحن مجرد أطفال فقدنا آباءنا وأمهاتنا ولا يوجد لنا في هذه الدنيا سوى الله، ثم الجمعيات الخيرية ودور الأيتام".
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008

2008-04-04