ارشيف من : 2005-2008

قمة التحدي.. وشعرة موسى!

قمة التحدي.. وشعرة موسى!

دمشق ـ أنس أزرق
لم يكن أكثر المتفائلين بعقد القمة العربية العشرين العادية في دمشق ليتوقع ان تنتهي الى ما انتهت اليه من نجاح، فهي نجحت بداية باجتياز الضغوط التي أرادت الغاء القمة اولا، ثم تأجيلها او على الاقل نقلها الى دولة المقر، فكان القرار السوري بعقد القمة في مكانها وفي زمانها بمن حضر.
وما ان وزع السوريون الدعوات حتى كان اللغط يدور حول هذه الدعوات وحول من يحضر ومن لا يحضر، وحول شروط الحضور التي من خلالها استُخدمت الأزمة اللبنانية متراسا يقف وراءه مريدو الفشل لهذه القمة، واستطاعت دمشق بحنكة مشهودة اجتياز هذا المطب، وأوفدت معاون وزير خارجيتها ليسلم الوزير المستقيل فوزي صلوخ الدعوة السورية للحكومة اللبنانية. وفي الوقت ذاته كان نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد يمنع تمرير حكومة السنيورة قرارا يسقط المبادرة العربية بمشروع مقترح للقمة الاسلامية في دكار. لم تستجب دمشق لهذه الضغوط ومطالبتها بدفع ثمن سياسي لعقد قمة عادية جاءتها نتيجة دورها الأبجدي، وهي القمة الاولى التي تعقد فيها بعد اجتماع بلودان التحضيري لتشكيل الجامعة العربية عام 1946 م.
غياب لبنان!
انتظرت حكومة السنيورة القرار السعودي حتى اجتمعت وقررت الغياب، ولعل ابرز المفارقات في تبرير هذا الغياب ما قاله العريضي: "ان هذا لا يعني قطع العلاقة مع الشقيقة سورية". والشقيقة سورية علقت: إن قرار حكومة السنيورة لا يعبر عن هذا الحرص على العلاقة مع الشقيقة، ولا عبر عن مصالح لبنان وشعبه، وإنما يعبر عن ان قرار هذه الحكومة بيد غيرها.
غياب لبنان غيّب الأزمة اللبنانية عن القمة وعن قراراتها، ما خلا بندين يخصان لبنان: الاول دعم صموده ومقاومته في اطار القرارات في فقرة "القضية الفلسطينية والنزاع العربي ـ الاسرائيلي"، والثاني يدعم المبادرة العربية، ولم يثمر غياب لبنان الا في تقسيم جيرانه في كراسي القمة لعصائره وحلواه.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد ان حكومة السنيورة أضاعت فرصتين ذهبيتين على لبنان: الاولى بإمكانية ان تكون القمة مدخلا او مفتاحا للحل في لبنان، والثانية بمناقشة العلاقات السورية ـ اللبنانية. وأضاف: ان لبنان كان سيجد في الرئيس الاسد القلب الكبير بمناقشة العوائق والعقبات في العلاقات الثنائية.
انسوا رايس.. القمة نجحت!!
لم يخف الأمريكان حنقهم من هذه القمة، واستثمر السوريون هذا الامر، فكانت هذه القمة هي الاولى التي تنعقد برغم انف الاميركيين، وفي ذلك النجاح الاول للقمة، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية السوري.
قبل القمة دعا المسؤولون الاميركيون عرب الاعتدال الى مقاطعتها، وأوفدت الولايات المتحدة مسؤوليها لذلك. بل اكثر من ذلك كشف السوريون عن مذكرات كتابية وجهها الاميركيون، فقامت رايس بجولة على المنطقة يومي انعقاد القمة، وكاد ذلك يؤثر في حضور محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وربما أثر في حضور الملك الاردني الذي كان يؤكد حضوره جلسة الافتتاح وأوفد وزير خارجيته لحضور اجتماع وزراء الخارجية، ثم سحبه ليمثل بمندوبه في الجامعة العربية.
ومع ذلك لم ينفع هذا، وعقدت القمة وقال المعلم في مؤتمر صحافي مشترك مع عمرو موسى في ختام القمة: "انسوا رايس.. القمة قد نجحت".
مستوى الحضور
حضر القمة احد عشر زعيما عربيا، وتمثل المغرب بولي العهد، في حين تمثل اليمن بنائب الرئيس، وكان غياب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مفاجأة، لأن كل التحضيرات كانت تشير ليس فقط الى حضوره، بل ومكوثه في دمشق عدة ايام بعد القمة لمتابعة المصالحة اليمنية بين فتح وحماس.
غياب صالح عزته مصادر يمنية رفيعة المستوى للأوضاع الداخلية اليمنية، فيما ربطته مصادر مستقلة بجولة كوندوليزا رايس والاجتماع الذي عقد مؤخرا بين صالح والملك السعودي. وباستثناء الغياب اللبناني ومستوى التمثيل السعودي والأردني والمصري، فإن الحضور كان مرضيا، بل مرضيا جدا بالنسبة الى السوريين، ولا سيما الحضور المغاربي والخليجي، وهذا ما عزته مصادر عربية الى عدم قدرة احد على عزل سورية. وهذا الحضور هو ما جعل ـ حسب هذه المصادر ـ وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يؤكد عدم رغبة احد بعزل سورية في مؤتمر صحافي تزامن مع انعقاد القمة.
قمة فلسطين
اذا كانت مؤسسة القمة قد عادت للحياة في قمة عمان عام 2000م، فإن ذلك كان بفعل الانتفاضة الفلسطينية. وهذه القمة التي أرادها البعض قمة بلا لون ولا طعم ولا رائحة كانت فلسطين اول هواجسها، ومن هنا كان القرار المتعلق بالمبادرة العربية للسلام هو أهم قراراتها على الاطلاق، ولا سيما ذاك الجزء المتعلق بإجراء تقييم ومراجعة للاستراتيجية العربية وخطة التحرك العربي المتعلقة في ضوء هذا التقييم، والتأكيد ان استمرار الجانب العربي في طرح مبادرة السلام العربية مرتبط ببدء تنفيذ "اسرئيل" التزاماتها في اطار المرجعيات الدولية لتحقيق السلام في المنطقة.
والمفاجئ ان كل العرب تمسكوا بمبادرة السلام، وهذا ما تفسره أوساط سورية بأن سورية حرصت على المبادرة، خوفا من انها اذا سُحبت فلن يبقى سوى خارطة الطريق، وهذه المبادرة فيها تأكيد لحق العودة، بعكس خارطة الطريق.
المفاجأة الكبرى!
المفاجأة الكبرى لم تكن بانعقاد القمة ولا بقراراتها ولا بمستوى الحضور، وإنما بخطاب الرئيس السوري بشار الاسد في حفلي الافتتاح والختام. كثيرون توقعوا خطابا من الاسد على طريقة خطابه بعد عدوان تموز، الذي أطلق فيه عباراته الشهيرة "أنصاف الرجال"، و"أشباه المواقف". وقد توقعوا ذلك لأن الاستفزاز كان كبيرا والتحدي كان صعبا.. لكن الأسد فوّت عليهم هذه الفرصة وكان خطابه هادئا عقلانيا حريصا على الحوار مع الجميع، مؤكدا ان "اجواء القمة كانت ايجابية والنقاشات كانت صريحة وبناءة، وأن العمل العربي يبدأ بالحوار، وأن سورية ستبقى ركيزة اساسية في الحفاظ على ثوابت أمتنا العربية، وهي ستبقى في قلب الأمة العربية وفي قلب العمل العربي المشترك".
لقد صرح الاسد من قمة التحدي منتصرا بنقاط كثيرة، بدءاً من انعقاد القمة ورئاسته العمل العربي مدة عام، وانتهاءً بقرار عقد القمة القادمة في قطر، البلد الحليف له.
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008

2008-04-04