ارشيف من : 2005-2008
حرب أميركية في البحر الأصفر.. أيضاً وأيضاً
صرح قائد القوات الأميركية المرابطة في كوريا الجنوبية يوم الجمعة الماضي (28/3/2008)، "بي بي بيل"، بأن قواته التي تعد 28 ألف جندي والقوات الكورية الجنوبية التي يبلغ تعدادها 670 ألف جندي يمكنها بكل سهوله أن تسحق جيوش كوريا الشمالية البالغ عددها مليونا و200 ألف جندي. تزامن هذا التصريح مع تهديدات صدرت عن الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثاً بقصف المنشآت النووية الكورية الشمالية وبوقف المساعدات التي دأب أسلافه من يسار الوسط على تقديمها إلى كوريا الشمالية بهدف دعم الاستقرار في شبه القارّة الكورية. ولم ينتظر الكوريون الشماليون طويلاً للرد، فطردوا معظم المسؤولين الكوريين الجنوبيين العاملين في مجمع صناعي مشترك يقع في مدينة حدودية ويشكل رمزاً للشراكة بين شطري كوريا المنقسمة على ذاتها منذ العام 1950. كما أطلقوا في اليوم نفسه ثلاثة صواريخ قصيرة المدى باتجاه مياه البحر الأصفر، معلنين أن ذلك يأتي في نطاق تدريبات روتينية. وعلى الفور برزت في الإعلام الغربي معلومات عن امتلاك كوريا الشمالية ألف صاروخ، منها ثمانمئة صاروخ بالستي يمكنها أن تصيب أهدافها على كامل الأراضي الكورية الجنوبية ومعظم الأراضي اليابانية، حيث يرابط أكثر من خمسين ألف جندي أميركي.. إضافة إلى صواريخ عابرة للقارات يقال إنها قادرة على الوصول إلى السواحل الأميركية على المحيط الهادئ. والحديث عن الصواريخ يستتبع التذكير بأن كوريا الشمالية هي أيضاً ذات أنياب نووية، وذلك منذ تفجير قنبلتها الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر 2006.
لكن المراقبين لم يعيروا بالاً لكلام الشماليين عن التدريبات، واعتبروا أن إطلاق الصواريخ هو تحذير مزدوج لكل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة: لكوريا الجنوبية التي اعتمدت خطاباً متشدداً تجاه كوريا الشمالية منذ وصول اليميني "لي ميونغ باك" إلى سدة الرئاسة في سيول، وللولايات المتحدة التي تأخذ على بيونغ يانغ عدم تقديم لائحة كاملة بأنشطتها النووية، وتتهمها بإقامة علاقات مع سوريا.. في إشارة إلى احتمال وجود علاقات نووية بين البلدين.
وكانت كوريا الشمالية قد أجرت تجارب صاروخية في حزيران/ يونيو 1997، في وقت كان مفتشو وكالة الطاقة الذرية الدولية يقومون بمهمة مراقبة إجراءات بيونغ يانغ في مجال وقف العمل في برنامجها النووي. وتأتي هذه التطورات في سياق تعثر المفاوضات الجارية منذ ولاية الرئيس كلينتون، والتي أفضت إلى اتفاق قبلت بيونغ يانغ بموجبه بتفكيك برنامجها النووي مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وبدا للحظة أن أي عقبات لم تكن تعترض التنفيذ حتى بدء المراوحة مع وصول المحافظين الجدد إلى الحكم بقيادة الرئيس بوش في العام 2000. وبعد أخذ ورد أطلقت في العام 2003 مباحثات شاركت فيها كل من الكوريتين والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان، لتفضي في شباط فبراير 2007 إلى اتفاق مشابه لذاك الذي كان قد أبرم من قبل مع إدارة الديمقراطيين. وبناءً على الاتفاق أظهرت كوريا الشمالية صدقيتها عندما أوقفت العمل في مفاعلها المركزي ووافقت على تقديم لائحة بأنشطتها النووية في كانون الأول/ ديسمبر 2007، وصولاً إلى تفكيك كامل منشآتها وترسانتها النووية في غضون العام 2008. لكن الأمور عادت إلى التعقيد وسط تحفظات من واشنطن شككت في احترام بيونغ يانغ لكامل بنود الاتفاق لجهة وقف التخصيب والعلاقات النووية مع بلدان أخرى. ومن جهتها أبدت بيونغ يانغ استياءها من العراقيل الأميركية المتزايدة في مجال تقديم المساعدات المتفق عليها، ولم يُحرز أي تقدم في آخر مفاوضات عقدت في جنيف بين الطرفين الكوري الشمالي والأميركي في 14 آذار/ مارس المنصرم. كما أن اتصالاً هاتفياً جرى مؤخراً بين وزير الخارجية الصيني وكوندوليسا رايس وصل إلى استنتاج مفاده أن المفاوضات السداسية قد وصلت إلى الطريق المسدود. وترافق ذلك مع وصول اليمين المحافظ إلى الحكم في كوريا الجنوبية، وصدور تصريحات لاهبة في سيول طالبت بيونغ يانغ بالتفكيك الفوري لبرنامجها النووي، وإعادة حوالى ألف محتجز أو مخطوف يحتجزهم الشمال منذ الحرب الكورية في الفترة بين 1950 و1953.
الحديث عن تلك الحرب وبروز الميل إلى استعراض القوة المسلحة عبر المناورات المشتركة بين القوات الأميركية والكورية الجنوبية في البحر الأصفر، واستعراض أعداد الجنود والمعدات، كل ذلك يحول منطقة شمال شرق آسيا إلى منطقة توتر متصل بالتوتر الناشب لجهة الصين في تايوان ثم في التيبت، ولجهة روسيا في القفقاس والبلقان والدرع الصاروخية، ليضاف إلى الصراع المركزي في الشرق الأوسط وما يحيط به من صراعات في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ليعطي الانطباع بأن الرئيس بوش يستعجل إحراق العالم قبل تزحزحه، بعد تسعة أشهر طويلة جداً، عن كرسيه في البيت الأبيض. ولو افترضنا أن بوش قادر على إشعال الحرائق هنا وهناك، فهل يمكننا الافتراض أن ذلك سيفعل شيئاً آخر غير تأكيد اتجاه التاريخ بسمته المتمثلة بأفول العصر الأميركي؟
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008