ارشيف من : 2005-2008
كواليس الدعاية الأميركية لعبد الحليم حمود: ذخيرة إعلامية للباحثين والدارسين في الكواليس الدعائية
إذا كان القول القائل: "الكتاب يُقرأ من عنوانه" صادقاً وعادلاً ومحقّاً، فإن كتاب الزميل والصديق عبد الحليم حمود، يحوز بامتياز، شرف هذه المصداقية، لأنه أتقن بالفعل عملية الغوص والبحث والتنقيب، داخل هذه الكواليس الخاصة بالدعاية الأميركية، وعملية "صناعة" الإعلام، و"صناعة" الرأي العام، والنظريات والتوجهات المختلفة.
وللحديث عن كواليس الدعاية الأميركية، لا بد من امتلاك عدة بحثية ومعرفية، من أهم أدواتها، كل مقولات المفكّر الأميركي نعوم تشومسكي، وكواليس حروب فيتنام والخليج وأفغانستان والعراق.. وتاريخ عائلة بوش والأدوار التي لعبتها في ميادين شتّى، وصولاً إلى بعض الأدوار الخبيثة التي تقوم بها أجهزة ومؤسسات مثل: "إف.بي.آي" و"سي.إن.إن" وشبكة "الفوكس نيوز" ومؤسسات الفكر والرأي والإعلام المتعددة والمختلفة.
هذه الأدوات وغيرها، تشكّل جميعها الشبكة الأخطبوتية الكبيرة التي يحملها ويشكّلها ويمثّلها "الإعلام" بشكل عام، فما بالنا إذا كان الحديث أو البحث عن "الإعلام الأميركي" بالتحديد.. هذا الإعلام شاء أن يضاعف ويزيد جرعات حربه الدعائية بعد أحداث 11 أيلول على وجه الخصوص، حيث شكلت المرحلة السابقة لهذا التاريخ صفحة من الماضي.. لتفتح صفحة جديدة تشكل الانعطافة والانقلاب بالنسبة للمرحلة التالية للتاريخ المعروف والمشهور.
فبعد 11 أيلول، تضاعفت الأهداف الأميركية أيضاً، والإعلام هو الوسيلة الأهم والأكبر والأبرز لإمرار معظم المشاريع. وغدا على لائحة مشاريع هذا الإعلام خلق وإيجاد الأجواء المناسبة للتأثير والإقناع وتشكيل رأي عام، لا يعارض الحرب على أفغانستان، ولا على العراق، ولا على دول العالم الأخرى.
عبد الحليم حمود، الزميل المتسلّح على الدوام بريشته الكاريكاتيرية الساخرة، ينحّي رسوماته وألوانه هذه المرة ليوغل في البحث والتنقيب في الأرشيف الخاص بالسياسة الاعلامية الأميركية، وهو لهذه الغاية جمع بعض الكتب والوثائق والآراء، لمتخصصين في دراسة ونقد الإعلام الأميركي، ولمترجمين ومحللين لهذه القضية. وتكون المحصّلة التي يحوزها قارئ الكتاب أنه يضع يده على هذه العناوين، سواء كانت لكتب أو لمرجعيات إعلامية وسياسية أو حتى لشخصيات.. وسيحصّل الاستفادة منها دون شك، لكن المشكلة تكمن في عملية "التجميع" التي بدت كنوعٍ من التراكم، لمقولات على مقولات! وأنا لا أدّعي أنها غير مفهومة أو أنها تسيء إلى السياق.. لكنها تفتقد إلى الرؤية التحليلية الخاصة بالكاتب، فالزميل عبد الحليم اكتفى بعملية الإعداد والتجميع والتبويب، ثم نشر المادة بشكلها الخام، ما جعل القارئ يتساءل عن عدّة أمور، أسوق مثالاً:
في بداية الكتاب، وأثناء الحديث عن "الرأي العام" ينقل الكاتب مقولة تعريفية لغولت Goult وأخرى لـدووب Doob ثم ثالثة لكورنهوسر، ورابعة لـ هينيسي.. الخ.. من دون أي تعريف ـ ولو موجز ـ لهذه الشخصيات التي تمر أسماؤها مرور الكرام.. ومن دون
أن يعرف القارئ من هو غولت ولا من هو دووب ولا كورنهوسر ولا هينيسي؟! ويصبح مجال التأويل هنا مفتوحاً على مصراعية: هل هم خبراء إعلاميون؟ هل هم فلاسفة اجتماع؟ أساتذة دعاية ورأي عام أم ماذا؟ ويكون الجواب هنا، أن الكاتب اكتفى بنقل الرأي والمقولة، من دون أن يهتم كثيراً بخلفية هؤلاء الأشخاص..
ولعلّه هو نفسه لم يملك التعريف الكافي لهم، لأنه في سطور أخرى يناقض هذا المبدأ المبهم، فنقرأ مثلاً: "ذكر عالم التربية الأميركي المعروف جيروم برونر، المشهور بدراسته عن التفكير وعن التربية من خلال الاستكشاف والإبداع" (ص 17)، وهنا طبعاً يبدو التعريف واضحاً ومفهوماً لأي قارئ لأنه يتضمن إحالة إلى جنسية المقصود واختصاصه ومجال عمله وتجاربه.. وهذا ما كنا نتمنى حصوله في كافة الفصول، لأنه يزيد من معرفة القارئ، وينوّع في خياراته البحثية ويقدّم له آفاقاً موثوقة ومدروسة.
ومن بعض هفوات الكتاب أيضاً ورود بعض الأخطاء النحوية، لكن وبكل الأحوال.. لا أستطيع أبداً أن أنكر أن الكتاب يحوي ذخيرة إعلامية مهمّة لأي باحث أو دارس أو مفتّش عما يدور وراء كواليس الإعلام الأميركي، ولا أستطيع النكران أيضاً أن زميلنا الرسام غاص في موضوع يحتل واجهة الاهتمام العالمي كله، ليوغل جمعاً وإعداداً وتبويباً، في مادة خصبة وحيّة، قدمت بالشكل والمضمون اللذين خرج بهما الكتاب مؤخراً، عن دار الهادي في بيروت ضمن 200 صفحة من القطع المتوسط..
فاطمة بري بدير
الانتقاد/ العدد1261ـ 4نيسان/ أبريل 2008