ارشيف من : 2005-2008
--------
نور الولاية: للقرآن أيضاً إخلاد إلى الأرض ومن وساوس الشيطان ولا بد من الاستعاذة بالله منها
إن مهجورية القرآن الكريم لها مراتب كثيرة ومنازل لا تحصى، ولعلنا متصفون بالعمدة منها.أترى أننا إذا جلّدنا هذه الصحيفة الإلهية جلداً نظيفاً وقيّماً وعند قراءتها أو الاستخارة بها قبّلناها ووضعناها على أعيننا ما اتخذناه مهجوراً؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده وجهاته اللغوية والبيانية والبديعية قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجورية؟ هل أننا إذا تعلمنا القراءات المختلفة وأمثالها قد تخلصنا من عار هجران القرآن؟ هل أننا إذا تعلمنا وجوه إعجاز القرآن وفنون محسّناته قد تخلّصنا عن شكوى رسول الله؟ هيهات.. فإنه ليس شيء من هذه الأمور مورداً لنظر القرآن ومنزّلها العظيم الشأن، إن القرآن كتاب إلهي وفيه الشؤون الإلهية. القرآن هو الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق، ولا بد أن يوجد الربط المعنوي والارتباط الغيبي بتعليماته بين عباد الله ومربّيهم، ولا بد أن يحصل من القرآن العلوم الإلهية والمعارف اللدنيّة. إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال حسب ما رواه الكافي "إنما العلم ثلاثة: آية محكمة وفريضة عادلة وسنّة قائمة". فالقرآن الشريف حامل لهذه العلوم، فإن تعلمنا من القرآن هذه العلوم فما اتخذناه مهجوراً، وإذا قبلنا دعوات القرآن وأخذنا التعليمات من قصص الأنبياء عليهم السلام المشحونة بالمواعظ والمعارف والحكم، إذا اتعظنا نحن من مواعظ الله تعالى ومواعظ الأنبياء والحكماء المذكورة في القرآن فما اتخذناه مهجوراً، والا فالغور في الصورة الظاهرية للقرآن أيضاً إخلاد إلى الأرض ومن وساوس الشيطان ولا بد من الاستعاذة بالله منها.
من الحجب المانعة من الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية: الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا بما كتبه المفسّرون أو فهموه. وقد اشتبه على الناس التفكّر والتدبّر في الآيات الشريفة بالتفسير بالرأي الممنوع، وبواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة الباطلة جعلوا القرآن عارياً من جميع فنون الاستفادة واتخذوه مهجوراً بالكلية، في حال إن الاستفادات الأخلاقية والإيمانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسير، فكيف بالتفسير بالرأي، فمثلاً إذا استفاد أحد من كيفية مذاكرات موسى مع الخضر وكيفية معاشرتهما وشدّ موسى رحاله اليه مع ما له من عظمة مقام النبوّة لأخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده، وكيفية عرض حاجته إلى الخضر كما ذكرت في الكريمة الشريفة: "هل أتبعك على أن تعلّمني مما علمت رشداً"، وكيفية جواب الخضر والاعتذارات التي وقعت من موسى، عظمة مقام العلم وآداب سلوك المتعلم، مع المعلم، ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدباً فأي ربط لهذه الاستفادات بالتفسير، فضلاً من أن تكون تفسيراً بالرأي والاستفادة من هذا القبيل في القرآن كثيرة، ففي المعارف مثلاً إذا استفاد أحد من قوله تعالى "الحمد لله رب العالمين" الذي حصر جميع المحامد لله، وخصّ جميع الأثنية للحق تعالى التوحيد الأفعالي، وقال بأنه يستفاد من الآية الشريفة أن كل كمال وجمال وكلّ عزّة وجلال الموجودة في العالم وتنسبها العين الحولاء والقلب المحجوب إلى الموجودات من الحق تعالى، وليس لموجود من قبل نفسه شيء، ولذا المحمدة والثناء خاص بالحق ولا يشاركه فيها أحد، فأي ربط لهذا إلى التفسير حتى يسمّى بالتفسير بالرأي أو لا يسمى؟
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008