ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: "الولايات العربية المتحدة"
كتب نصري الصايغ
ماذا تفعل الولايات المتحدة، عندما تنتهي من حرب تخوضها؟
هل تقول وداعاً للسلاح! هل تشبع من غزو؟ هل تقول كفى؟ لا يبدو أن الادارات الأميركية المتعاقبة، قد شبعت من حروبها، فكل حرب هي أم لحرب أخرى، وهكذا، بعد الاشتراك بحربين عالميتين، انتصرت فيهما، مارست سياسة القتال في كوريا، فيتنام، اميركا الوسطى، كوبا، الدومينيك، باناما، وساهمت في حروب الآخرين في افريقيا وآسيا، ثم سجلت انتصاراً كاسحاً على الاتحاد السوفياتي.
اقتاتت السياسة الاميركية من العداء لموسكو، وبالغت في توظيف العداء البارد، حتى ماتت الشيوعية السوفياتية، بالسكتة الاخلاقية على يد غورباتشيف.
وفجأة، بدل أن ترتاح واشنطن، قررت أن يكون "الشرق الأوسط" عدوها الجديد، فبعدما صادقت دولاً، وأنظمة، وسياسات، انقلبت وقررت أن تكون "عديقاً" لاصدقائها القدامى، وعدواً معلناً لمن يخالفها الرأي والسياسة.
حربها الأولى على العراق، حربها الثانية على افغانستان (وبالمناسبة لا تزال طالبان حية ترزق، وابن لادن قيد التجوّل في "قواعده" (القاعدة) ثم حربها الثالثة على العراق، وهي تستعد عبر سفيرها الاعلامي واستنفارها الدبلوماسي لشن حرب على ايران، أو على سوريا، أو على لبنان، إما مباشرة، وإما بالواسطة، وإن لم تفعل، فقد تبحث عن مكان آخر في العالم، لشن عملية جديدة، تنفذها في إخراج عسكري محتمل، بسبب عدم اطمئنانها إلى نتائج الحرب الاقليمية ـ العالمية الجديدة، في الشرق الأوسط.
أمس، كانت الذكرى الخامسة لسقوط بغداد، والذكرى الألفية لتدمير العراق، انما يسجّل وبعد كل هذه الحروب، عدد من النتائج.
أ ـ خاضت واشنطن حروبها بشعارات وأهداف ساطعة: محاربة الإرهاب، نشر الديمقراطية، الانتهاء من الطغيان، وإعادة ترسيم صورة الشرق الأوسط الجديد.
ب ـ وكنتائج حتمية لحروبها في المنطقة، فإن الإرهاب أكثر انتشاراً من الديموقراطية الموؤودة والطغيان الحي، أما الشرق الأوسط الجديد، وفق الترسيمة الاميركية فجحيم فوق التخيل.
ج ـ وكنتيجة أيضاً، لسياستها، أمّنت الحماية الدائمة، لمن كانت تشكو منهم، كأنظمة مفرّخة للإرهاب بسبب قمعها وفكرها وسلفيتها.
د ـ وكنتيجة أيضاً، سقطت أنظمة "الاعتدال العربي"، في سياسة التطرف، ومارست وقاحة لم تجرؤ عليها واشنطن فباتت تستأسد في اميركيتها، وتعتبر من ليس اميركياً، هو معادٍ لها.
هـ ـ اما الشعوب العربية فلم تكن بحاجة إلى رسم صورة الاميركي البشع، اذ، لم يمر عقد، من دون ان تزداد صورة الاميركي قبحاً.
الخطير، أن اميركا الراغبة في رسم خريطة طريق لخروجها من العراق تمتنع عن تنفيذ رغبتها، لأسباب تتعلق بالنفط والمستقبل الاميركي في المنطقة، وللهيبة التي لا تمس، إلا أن امتناعها عن وضع روزنامة لانهاء احتلالها العسكري، يعود إلى خوف حلفائها في المنطقة، لأنهم باتوا بسبب هزالهم السياسي، وفقدان مواقعهم السابقة، بحاجة ماسة، إلى اميركا في عقر دارهم، وليس على تخومهم، وتتمنى هذه الأنظمة ان تعاملها واشنطن، بصيغة جديدة، هي صيغة "الولايات العربية المتحدة".
أميركا تلوح ببنادقها القاتلة، مودعة حروبها السالفة في المنطقة، قد تلجأ إلى سيناريو كارثي، ولكنها لا تضمن النجاح.
هل حان وقت الغروب؟
ربما، وبأسرع مما كان متصوراً.
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008