ارشيف من : 2005-2008
"أبو الياس" يحضر للانتخابات باكراً
من قصر المؤتمرات في الضبيه اطل النائب ميشال المر بمواقف قد تكون جديدة على بعض اللبنانيين غير المطلعين على كواليس وتفاصيل الحياة السياسية اليومية اللبنانية، لكنها بالتأكيد لم تفاجئ أحداً من المطلعين او الاعلاميين او السياسيين.
منذ مدة ليست بقصيرة والنائب ميشال المر يحاول ان يميّز نفسه عن تكتل التغيير والاصلاح ويحاول ان يفرض نفسه معادلة سياسية وطنية لها وزنها الفاعل، كما كان طيلة فترة الوجود السوري في لبنان عندما كان يطلق على نفسه اسم "الوزير القبضاي"، وحيث كان يفرض ارادته ومشيئته على الساحة السياسية تماماً كما حصل خلال الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي عام 2002 عندما مارس الكيدية السياسية مع اخيه غبريال، فانتزع منه المقعد النيابي بقرار قضائي واقفل له محطته التلفزيونية MTV.
ولكن منذ عودة العماد عون من المنفى وخوضه الانتخابات النيابية وتحالفه الانتخابي مع المر في المتن الشمالي، والمر يحاول ان يحافظ على نفسه معادلة اساسية في اللعبة السياسية، الا ان حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، فالزعامة التي بناها المر بواسطة الخدمات والغياب القسري للزعامات المسيحية، لم تعد كما كانت في السابق، ولم يعد يستطيع البناء عليها بعد ان اهتزت الارض تحت قدميه، وماجت الاصوات الانتخابية لتعود الى مواقعها السياسية الحقيقية.
صمت ابو الياس طيلة سنتين، وبدأ توزيع الادوار بينه وبين ابنه الياس الذي التحق بالموالاة ورفض الاستقالة من الحكومة، بينما استمر ميشال المر في تكتل التغيير والاصلاح المعارض، الى ان تمت انتخابات المتن الفرعية التي اظهرت ان قواعد المر الانتخابية لم تعد بالاهمية التي يحسب لها حساب حيث انخفضت النسبة التجييرية للمر من 14% عام 2005 إلى قرابة 3% عام 2007، بل ان غالبية أصوات المر ذهبت في الانتخابات الفرعيّة الأخيرة إلى المرشح الخاسر أمين الجميل. وقد اعتبر المراقبون ان هذه الاصوات اما تفلتت من سطوة ابو الياس ولم تعد تدين بالولاء له، واما انه اتفق مع مرشح الموالاة من تحت الطاولة فجير له الاصوات الانتخابية في الساحل وبعض المناطق الاخرى واكتفى بتجيير الاصوات لمرشح التيار الوطني الحر في المناطق المكشوفة كبتغرين وجوارها. وفي كلا الحالتين، فإن الانتخابات النيابية القادمة ستتأثر بطبيعة الحال بنتائج انتخابات المتن الفرعية 2007.
اما بالنسبة لترشيح العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً والذي يقال ان المر كان وراءه، فالمر كان يهدف الى توزير ابنه الياس في اي حكومة وحدة وطنية قد تنشأ بعد الانتخابات الرئاسية في حال وصول سليمان الى الرئاسة، وقد استطاع ان يحصل على تعهد من قائد الجيش بذلك.
اذاً، في ذهن ميشال المر اليوم وحركته السياسية أمران: حفظ مستقبل ابنه السياسي بعدما دخل الى حكومة السنيورة وزيراً محسوباً على رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، ثم انقلب عليه والتحق بالموالاة، وحفظ مقعده النيابي وزعامته في المتن الشمالي.
وانطلاقاً من هذين الهاجسين يتحرك المر في حركته التي اطلق عليها صفة "المستقلة" بالرغم من ان طروحاته هي اقرب الى الموالاة منها الى المعارضة، وبالرغم من انه يتبنى الترتيب الذي تتبناه الموالاة للاستحقاقات. ولكن المر يعلم ان الموالاة محرجة به، فهي لا يمكن لها ان تتخلى عن شقيقه غبريال وعن رئيس حركة التجدد الديمقراطي نسيب لحود كرمى عيون ابو الياس، لذا فهو يدرك ان لا مكان له على طاولة الموالاة الرئيسية، وانه لا يستطيع ان يطمح الا الى صفقات من تحت الطاولة معها.
اما بالنسبة للمعارضة، فالمر يعلم ايضاً ان بينه وبين جمهور التيار الوطني الحر تاريخا طويلا من القمع والاضطهاد والابتزاز الذي كان يمارسه المر ـ بصفته وزيراً للداخلية ـ على مناصري التيار الوطني خلال عهد الوصاية. والمر يدرك تماماً ان العماد عون مارس نفوذاً شخصياً على مناصريه لتقبل تحالفه مع المر، بل ان كثراً من مؤيدي التيار امتنعوا عن التقدم لاستصدار البطاقات الحزبية بسبب وجود المر على طاولة تكتل التغيير والاصلاح، وسارعوا الى التقدم مرتاحين عندما اعلن المر انفصاله عن التكتل. كما يعلم المر ان انتخابات المتن الفرعية عام 2007 كشفته امام جمهور التيار الذي بدأ يطالب قيادته بكشف المستور والاعلان عن أسرار المعركة الفرعية وما حصل خلالها وقبلها.
وهكذا يبقى للمر وابنه امل واحد، ان يأتي العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ويكونا من "حاشية الرئيس" كما كانا خلال عهد الرئيس لحود.. انه الامل الوحيد المتبقي لابو الياس لفرض نفسه من جديد على الساحة السياسية اللبنانية كما كان دائماً "رجلاً لكل العهود".
باختصار ان استلهام المر فجأة للاوضاع المعيشية المتردية والفقر والجوع الذي ضرب البلاد، وانعدام فرض العمل والهجرة، وتعطيل المؤسسات والسلطات العامة الخ.... كل هذه "النخوة" التي هبطت فجأة على "الوزير القبضاي" يمكن ادراجها ضمن محاولة التأكيد على زعامته المتنية، وأنه لا يقبل بأن يُحلّ أو يربط شيء في المتن من دونه، بالاضافة الى حجز مقعد وزاري لابنه في اي تركيبة حكومية جديدة... وفي ما عدا هذين الهاجسين، فإن اي تحليلات سياسية اخرى تعطي حركة المر الاستعراضية اهمية اكبر من حجمها بكثير.
ف ـ س
الانتقاد/ العدد1262 ـ 11 نيسان/ أبريل 2008