ارشيف من : 2005-2008
المناورة الكبرى: إقرار إسرائيلي بالمعادلة التي فرضها إدخال الصواريخ في الصراع
للاهتمام بهذا الحدث وتناول أبعاده، وخاصة أنها تعكس إلى حد كبير تشخيص العدو لطبيعة وحجم الأخطار التي يواجهها. وضمن هذا الإطار يمكن إيراد التالي:
- لقد كان جليا أن قرار إجراء مناورة بهذا الحجم كان نتيجة لحرب تموز وما تخللها من فشل إسرائيلي على مستويات عديدة. وخاصة ان أحد شعاراتها الأساسية، بحسب ما يقوله المسؤولون الاسرائيليون، أنها تنفيذ لعبر حرب لبنان الثانية. وعليه فإن القدر المتيقن الذي يمكن قوله بخصوص هذه المناورة أنها تتويج وترجمة لمسار مكثف من الجهوزية والاستعداد.
- انطلاقا مما يقوله المعلق الأمني في صحيفة يديعوت احرونوت "رون بن يشاي" ان الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية اخفتا عن الجمهور الإسرائيلي طبيعة وحجم التهديدات التي تُحدق بإسرائيل. إلا ان هذه المناورة بمضمونها وشعاراتها وحجمها شكلت إقرارا وإعلانا إسرائيليا عن حجم وطبيعة الأخطار التي تواجهها إسرائيل. وأن على الجمهور الإسرائيلي أن يوطِّن نفسه انه في أي حرب مقبلة لن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل التي عليها أن تودِّع الحروب التي كانت تستمر لأيام معدودة، او تلك التي تضمن حسمها، فضلا عن حسمها السريع، وخاصة انه لم يعد هناك جبهة داخلية آمنة فيما تجري الحرب على الحدود وفي قلب مناطق العدو (العربي) فقط. وبالتالي تمثل المناورة الكبرى التي اجراها كيان العدو اقرارا اسرائيليا صريحا حول المعادلة التي فرضها ادخال الصواريخ في المواجهة، وانه لم يعد بوسع اسرائيل تجاهل هذه الحقيقة وان كان على حساب معنويات وبث الرعب في صفوف الجمهور الاسرائيلي.
- إن ملاحظة طبيعة المناورة وسيناريوهاتها واتساعها، فضلا عن تصريحات ومواقف قادة العدو، تبين أن محورها الأساسي يتناول كيفية مواجهة والتعامل مع ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ. وعليه من الجدير التوقف عند النظرة الإسرائيلية للقوة الصاروخية لحزب الله باعتبارها مدماكا أساسيا في إستراتيجيته العسكرية.
في هذا السياق يحضر أمامنا ما قاله رئيس شعبة التخطيط الحالي وقائد سلاح الجو الاسرائيلي المعين (لكنه لم يتولَّ منصبه حتى الان) اللواء عيدو نوحشتان في محاضرة له في كانون الثاني من العام الجاري في مركز القدس للعلاقات العامة:
فبعدما دعا إلى التواضع في قراءة مسارات المستقبل استدل على صحة دعواه بالقول "إذا ما نظرت إلى ما قبل 3 سنوات وسألت كيف ستكون الحروب المستقبليّة أو كيف سيبدو الشرق الأوسط بعد 5 أو 10 سنوات؛ وللتذكير، قبل 4 سنوات بعد عمليّة "تحرير العراق" مباشرةً، كان الشرق الأوسط المرتقب يبدو بشكل مختلف عمّا هو الآن. كان يبدو كأنّه سيسير باتّجاه، ولكنّه سار بالاتّجاه المعاكس". ثم لفت الى مشكلة كبيرة يواجهها الجيش الاسرائيلي في عملية بناء قدراته "إنّنا نواجه معضلة دائمة في هذه العمليّة لأنّ التغييرات تحدث فجأة وبشكل غير متوقّع من حين لآخر، بينما تستغرق هذه العمليّة ـ عمليّة بناء القدرات وبنية القوّة ـ وقتاً طويلاً جدّاً".
وقبل انتقاله الى تطوير قدرات الطرف المقابل لاسرائيل اشار الى ان اسرائيل لا تلعب الشطرنج لوحدها، "يوجد هناك طرف آخر، يفكّر، ويطوّر، وليس أقلّ ذكاءً منّا ـ وهذا أقلّ ما يُقال ـ لديهم القدرة والموارد، وهم خصوم، وأحياناً أعداء، وأحياناً أعداء متطرّفون".
وبعد هذه المقدمة تحدث نوخشتان عن الاستراتيجيات العسكرية التي اعتمدت في مواجهة إسرائيل:
"في الأيام الأولى، توصّلنا إلى إدراك أنّ التفوّق الجوّي يخدمنا كثيراً، ففي حرب الـ67 في غضون ساعتَيْن كان القصف الاستباقيّ كفيلاً بتدمير تفوّق القوّة الجوّيّة للطرف الآخر...
لكنّ الطرف الآخر أخذ العبر وتأقلم، ففي حرب العام 1973، كان هناك كمّيّات كبيرة من الدفاعات الجوّيّة المصمّمة من روسيا عند ظهور صواريخ أرض ـ جوّ، والرادارات، ومخابئ للطائرات على سبيل المثال.
وبعدها أثبتت حرب العام 1982 أنّنا تأقلمنا مرّة أخرى وتبنّينا إستراتيجيّة جديدة وأدوات جديدة لمواجهة الدفاعات الجوّيّة، (في اشارة الى القصف الاسرائيلي لبطاريات الصواريخ السورية في البقاع اللبناني).
في هذا السياق دخلت الصواريخ ارض ـ ارض، بحسب نوخشتان، على خط الصراع باعتبارها ركيزة أساسية في المواجهة نتيجة التفوق الجوي الإسرائيلي وكبديل عن عدم امتلاك القوى المضادة للقدرات التكنولوجية والعسكرية الموازية التي تمتلكها اسرائيل.
وفي هذا السياق شخَّص نوخشتان قدرات حزب الله الصاروخية على الشكل التالي:
"إنّ حزب الله.. أصبح أقرب إلى ما يشبه الجيش. ويمكن ملاحظة ذلك في أدواته وأسلحته وحتى أعدادها التي قد لا تكون لدى الكثير من الجيوش في العالم. مثلاً، ترسانة صواريخه الآخذة بالازدياد والتنوّع مع مرّ الأيّام حتى بعد الحرب.... يصل مداها لـ10 كلم أو 50 أو 150 أو 300... لا أعتقد أنّه يوجد لهذه الترسانة مثيل في العالم، حتى ضمن الجيوش. اذ قلّما تجد جيشاً لديه هذه الأعداد أو الكمّيّة من الصواريخ والقذائف. وكما يمكن ملاحظة ذلك في التحكّم والسيطرة، وفي صواريخ البر - بحر. حتى نحن ليس لدينا من تلك الصواريخ، وعدد الدول التي تمتلك مثل هذه الصواريخ ليس كبيراً.... وكذلك الامر بخصوص الاعداد الكبيرة للصواريخ المضادّة للدبّابات".
هل تشكل المناورة الإسرائيلية الكبرى مؤشرا على حرب وشيكة؟
لا شك ان اجراء مناورة بالحجم الذي أُعلن عنه ووفق السيناريوهات التي تمت على اساسها، تشكل في احد اوجهها استعدادا لحرب مستقبلية قد تحصل وقد لا تحصل. وعليه فإن اجراء المناورة لا يعني بالضرورة نشوب حرب فورية او حتى مستقبلية. لكن مناورة بهذا الحجم وفي ظل الظروف السياسية الدولية والاقليمية الحالية وفي اعقاب حرب تموز يصبح لها معنى خاص ـ وان كان لا يعني ذلك ايضا حتمية نشوب الحرب ـ فالظروف السياسية الاسثتنائية التي تشهدها المنطقة وفشل المشروع الاميركي بأوجهه وطرقه المتعددة، سواء عبر الاحتلال الاميركي في العراق، او عبر الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز 2006، او من خلال فرض تسوية سياسية أميركية في فلسطين. يجعل دوافع محاولة جديدة لتغيير الواقع التي تأتي في ظلها هذه المناورة مرتفعة، ولكن لا ينبغي ان يُنسينا ذلك قراءة وتشخيص كيان العدو لقدرات حزب الله الآخذة بالتراكم وفق التوصيف الاسرائيلي كماً ونوعاً، وانها غدت ضعفين او ثلاثة اضعاف عما كانت عليه قبل حرب تموز.
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008