ارشيف من : 2005-2008
واشنطن تعمل لإطالة أمد الفراغ الرئاسي وتعطيل الانتخابات النيابية لتمديد بقاء السنيورة
أجرت "إسرائيل" مناوراتها العسكرية الكبرى، وأحيت حالة طوارئ شاملة وعامة، كانت ولا تزال سائدة في الكيان الصهيوني منذ الإعلان عن قيامه في العام 1948، وقيل الكثير في أسباب هذه المناورات وخلفياتها وأهدافها والرسائل التي تضمنتها، سواء على مستوى الداخل الإسرائيلي أم على مستوى الخارج الإقليمي والدولي، وارتباط نتائجها والعبر المستقاة منها بآفاق المرحلة المقبلة وتفاصيل خارطة التطورات المحتملة.
ولا يمكن فصل كل المعطيات والوقائع والعناصر المتعلقة بالمناورات الإسرائيلية، السياسية منها والعسكرية، عن مناورات أخرى يجريها فريق الوصاية الأميركية ويدور رحاها في الحقل اللبناني وارتباطاً بها على البيدر العربي، خصوصاً مع استمرار التأزم في مسار الحل الداخلي، والإمعان في الذهاب قدماً في النفق المغلق، على الرغم من أطواق النجاة الكثيرة التي ألقيت في خضم أمواج التجاذبات الراهنة.
كما لا يمكن فصل المناورات الشباطية عن الأجواء التي سادت قبل حرب تموز 2006 وخلالها وبعدها، منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري والفرز السياسي والحزبي الذي طرأ على الساحة اللبنانية، مروراً بانعقاد طاولة الحوار الوطني وتعطيل الإدارة الأميركية عبر أدواتها في الداخل تنفيذ بنوده فحرب تموز، وصولاً إلى سيادة حال الفراغ الدستوري والمراوحة السياسية في دائرة الحل المنشود.
ويبدو أن حلقات مترابطة أوصلت البلد إلى ما هو عليه، وكان من المقدّر أن تكون الحالة أشد سوءاً فيما لو قدّر للولايات المتحدة أن تنجح في تنفيذ مشروعها الشرق أوسطي، إلا أن انتصار المقاومة الاستراتيجي في تموز 2006، وما تلاه من مفاعيل وانعكاسات، أجهض هذا المشروع لتنتقل واشنطن إلى اعتماد وسائل جديدة وخطط بديلة، تمظهرت بشكل واضح في محاولة إسقاط قمة التضامن العربي في دمشق أواخر آذار الماضي، سواء عبر الإيعاز المباشر لفريق السلطة في لبنان بمقاطعتها أو عبر الرسائل التي بعثت بها عبر السفارات إلى عواصم الدول المشاركة في القمة تطلب فيها المقاطعة أو تخفيض مستوى تمثيلها، وهو ما استجاب له عدد من الدول العربية وأهمها السعودية ومصر، وهما الطرفان الفاعلان في ملاقاة التوجهات الأميركية - عربياً - على الساحة اللبنانية.
لا شك في ما حملته المناورات العسكرية الإسرائيلية من عدوانية واستعداد مفضوح لخوض أي حرب مقبلة قد تتوافر ظروفها وإمكانيات شنّها ضد لبنان وسوريا، وربما تتوسع لاحقاً لتطال إيران بالمشاركة والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن مناورات فريق الوصاية في الداخل ما هي إلا استمرار للعدوان، المقنّع تارة والسافر تارة أخرى، ضد وحدة لبنان وتلاقي أبنائه، وضرب لأي مسعى يقود إلى الاستقرار الداخلي، لبنانياً كان أم عربياً أم أعجمياً.
وقد أبرزت الزيارة التي قام بها مفوّض الوصاية الاميركية فؤاد السنيورة إلى كل من القاهرة والرياض الترجمة العملية لقطع كل السبل المؤدية إلى الخروج من النفق المظلم، من خلال المواقف التصعيدية التي أطلقها، وأهمها رفض المبادرة التي يسعى الرئيس نبيه بري إلى إرسائها ومحاولات التقريب بين الموقفين السوري والسعودي بما يخدم حل الأزمة اللبنانية.
وتقاطعت سياسة التخريب هذه مع لاءات الزائر القواتي العائد من واشنطن سمير جعجع، على الرغم من إعلان عدد من أفرقاء القوى الشباطية ترحيبهم بجهود الرئيس بري، في حين تشير معطيات إلى أن الهدف الذي يعمل عليه فريق الوصاية يتمثل بإطالة أمد الأزمة والفراغ في سدة رئاسة الجمهورية إلى حين حلول موعد الانتخابات النيابية، والعمل على تعطيل إجراء الانتخابات والاتجاه نحو تمديد ولاية مجلس النواب الحالي، ما يعني استمرار احتفاظ فريق السلطة بـ"الأكثرية" النيابية، واستمرار أمد احتلال السنيورة للسراي الحكومي.
هذه المعطيات وغيرها الكثير من التفاصيل السياسية اليومية لا تدع مجالاً للشك بوجود إصرار من قبل واشنطن على عرقلة الحلول، متذرّعة بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية كشرط لازم قبل الشروع في أي مبادرة، حتى ولو في المقدّمات، لأن من شأن أي معادلة جديدة أن تؤدي إلى إضعاف أو إنهاء دور السنيورة الذي أكد جدارته، ولا يزال، في أداء مهمته المرسومة، وهو أداة أميركية فاعلة قد لا تتوافر في أي وقت للقيام بمهمة إدارة شرذمة النسيج الوطني اللبناني.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008