ارشيف من : 2005-2008

مبادرة بري: هل انتهت بعدما أطلق السنيورة النار عليها؟

مبادرة بري: هل انتهت بعدما أطلق السنيورة النار عليها؟

عندما طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري للمرة الأولى مبادرته الرامية في جوهرها إلى أمرين اثنين، الأول دعوة أطراف الحوار الوطني إلى الالتئام مجدداً حول طاولة الحوار، والثاني العمل مع العواصم العربية المعنية بالأزمة اللبنانية لتذليل العقبات أمام إنضاج تسوية لبنانية تبعث الحياة في حل الأزمة، سأل بعض من في فريق الموالاة أين المبادرة العربية من هذا الطرح، فأجابهم صاحبه أنها لا تتعارض في جوهرها اطلاقاً معه (أي الحوار المستجد) فهو يهدف إلى البحث في بندين اثنين من بنود هذه المبادرة، أي حكومة الوحدة الوطنية وإقرار قانون انتخاب بعدما صار التفاهم والتوافق حاصلاً على البند الأول، وهو أن يكون قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً.
وعندما قال بعض من هم في صف فريق السلطة أين الحوار الجديد من مقررات الحوار السابق، انتقل بري إلى سوريا التي أعلنت بكل صراحة ووضوح على لسان رئيسها أنها ملتزمة ما عليها من هذه المقررات ولا سيما ما يتصل بترسيم الحدود وتبادل السفارات وسوى ذلك مما يساهم في انضاج الحل اللبناني  الداخلي ويزيل العقبات الواقفة أمامه.
وعندما طلب بعض من هو في عداد فريق 14 شباط من الرئيس بري أن يقدم برهاناً على أن مبادرته انما تحظى برضى أطراف المعارضة كلها، صدر على لسان أركان هذا الفريق ما يؤكد أنه مع مبادرة بري، وكل مبادرة أو طرح يفضي إلى التوافق والوفاق والشراكة والخروج من عنق الأزمة.
وأكثر من ذلك وكبرهان آخر وأكيد على أن مبادرة بري ليست "مناورة" أو خطوة "لتقطيع الوقت" من جانب المعارضة، برز من هذا الجانب واحد من أركانه وهو رئيس تيار "المردة" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، ليقدم مبادرة تسووية أخرى قوامها تخلي المعارضة عن مطلب الثلث الضامن أو "الثلاث عشرات" في الحكومة المقبلة شرط أن توافق الموالاة على إقرار قانون انتخابات عام 1960 في الجلسة عينها التي ينتخب فيها الرئيس المقبل في مجلس النواب.
وقبل مبادرة بري واستعداد فرنجية لإقناع المعارضة بمبادرة أخرى، وكلاهما لا يتعارض مع جوهر المبادرة العربية، كان لرئيس التيار الوطني الحر النائب العماد ميشال عون كلام أعلن فيه صراحة أنه في وارد الاستعداد لإطلاق مبادرة حل جديدة.
وكل ذلك يُظهر بوضوح أن فريق المعارضة حريص كل الحرص على أن يبقى في حراك دائم لإنتاج المبادرات وتوليد الأفكار التسووية الرامية أولاً وأخيراً إلى اخراج البلاد من نفق أزمتها التي دخلت عامها الثاني قبل بضعة أشهر، ويظهر ثانياً أن المعارضة لا تريد إطلاقاً أن تصل الأمور إلى مرحلة الفراغ السياسي، بل هي في رحلة بحث واستنباط واجتراح للحلول، خصوصاً في المراحل التي يتراءى فيها أن المناخات الاقليمية والمعطيات الداخلية تدفع بالأمور نحو الجمود، انطلاقاً من حرصها الأكيد على الوفاق والسلم الأهلي، وبالتالي وضع حدّ للأزمة المديدة.
وعليه فإن المقربين من الرئيس بري يؤكدون أن فكرة مبادرته الأخيرة ولدت عشية انعقاد القمة العربية في دمشق، وعندما وجد أن فريق الموالاة القابض عن غير وجه حق على زمام القرار اللبناني في طور النزول عند المشيئة الأميركية بمقاطعة هذه القمة، ما أوحى بأن كل الآمال التي علقها البعض على إمكان أن يساهم الاجتماع العربي في العاصمة السورية في مقاربة الحل العربي للأزمة اللبنانية، وبالتالي تزخيمه واخراجه من ركوده، قد تلاشت وتبددت مع رياح هجمة المحور العربي المتماهي تماماً مع المحور الأميركي، لذا فإن بري أراد من المبادرة أمرين.
الأول الإفصاح عن استعداد المعارضة الدائم لمناقشة أفكار الحل مع الفريق الآخر.
الثاني: تثبيت الآمال بالسعي نحو الحل إذا ما أخفقت القمة العربية في مقاربة ملف الأزمة اللبنانية أو البقاء على جهوزية داخلية إذا ما أفضت الاتصالات إلى انضاج تفاهم عربي ـ عربي حول هذا الملف.
وبهذا المعنى، أراد بري بكل جلاء ان يبعث لمن يعنيهم الأمر برسائل لا تحتاج إلى كبير عناء لفك رموزها، فهي جلية تنم عن رغبته والمعارضة بألا يطاح بآمال الحل والتسوية الداخلية، إذا ما شاءت ظروف الصراعات العربية والتمحور العربي، أن لا تلامس الملف اللبناني أو أن تزيد تناقضاته تناقضاً، وتدفعه بالتالي نحو المراحل الأصعب والأسوأ.
وحسب المعلومات المستقاة من مصادر الرئيس بري فإن الرجل فوجئ بثلاثة أمور، الأول هو قبول مبدئي بالمبادرة وبالسير معها من فريق أدمن الاعتراض والرفض لكل المبادرات في السابق، والمقصود به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ورموز من لقاء قرنة شهوان السابق وتحديداً الرئيس أمين الجميل، والثاني هو الصمت المريب للرمز المطلوب منه أن يكون في مقدمة المستعدين لمناقشة فكرة المبادرة والأخذ والرد حولها، والمقصود به النائب سعد الحريري، الذي آثر أن يغيب منذ أكثر من 40 يوماً عن السمع والرؤية في ظاهرة مثيرة للاستغراب والريبة في آن.
والثالث هو تولي رئيس الحكومة اللاشرعية واللادستورية فؤاد السنيورة "إطلاق النار" على المبادرة من أمام مقر الجامعة العربية في القاهرة وبحضور الأمين العام لهذه الجامعة عمرو موسى، ويكون الرد السلبي للسنيورة متضمناً أفكاراً ساقطة سلفاً ومردودة من قبيل أن بري ليس حكماً بل هو طرف، علماً أن السنيورة نفسه ارتضى بملء ارادته ان يجلس إلى طاولة الحوار السابقة وكان بري بعلم الجميع ولا يخفي أنه طرف.
وكان للرد الآخر الذي برز في بعض تصريحات "الموالين" أو اشاراتهم عن ضرورة أن يكون الحوار الوطني في قصر بعبدا وبرئاسة رئيس الجمهورية، جواب جاهز وبسيط في جعبة بري وبعض رموز المعارضة، وهو أنه لو كان هناك رئيس للبلاد لما احتاج الأمر ربما أصلاً إلى جلسات حوار، والى هذا الجهد المبذول لتهيئة المناخات اللازمة لتركيب طاولة الحوار.
وليس خافياً أن هذا "التخبط" والإرباك الذي يعيشه فريق الموالاة حيال مبادرة الرئيس بري والى جانبها مبادرة فرنجية، انما هو برهان عملي آخر على مصداقية ما ذهبت اليه المعارضة دوماً، وهو أن في فريق الموالاة فريقاً يريد فعلاً التجاوب مع أفكار الحل، ولكنه عاجز عن التأثير، وأن ثمة فريقاً آخر يريد اطالة أمد الأزمة، وهو قادر، وان كلا الفريقين في النهاية باليد الأميركية التي ما زالت عند موقفها الأساس وهو ابقاء الأزمة مراوحة في مكانها، وبقاء الرئيس السنيورة المضمون الولاء وصاحب الطاعة العمياء في موقعه.
ومهما يكن من أمر ثمة في جو الرئيس بري من يرى أن كلام السنيورة عن المبادرة ليس "نعياً لها"، وأن المجال ما زال مفتوحاً أمامها وأكثر من ذلك فإن بري يقول انه إذا لم يكن لدى فريق الموالاة سوى اطلاق النار على مبادرات التسوية فإن عليه أن يتحمل مسؤولية تعطيل الحل وامتداد عمر الأزمة لأنه يتعين على هذا الفريق أن يكون قد استوعب الدروس من أمرين اثنين، الأول أن رهانه على الخارج وضغوطه ووعوده لم تورثه سوى المزيد من خيبات الآمال، وبالتالي فقدانه لأوراقه ورقة تلو الورقة حتى بات الآن في وضع العاجز عن الإيفاء بتعهداته البهلوانية لجمهوره، والثاني أن عدم التجاوب مع فرص التسوية ومبادراتها وأفكارها أو التنكر لها أطال عمر الأزمة وأدخلها في فصول من التعقيد.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-10